عندما استقال رئيس وزراء لبنان المكلف سعد الحريري بشكل مفاجئ، قال أثناء بعد اجتماعه برئيس الأمة المنكوبة ميشال عون: “الله في عون لبنان”.
لبنان.. الذي كان يومًا يعتبر “واحة للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط” أصبح دولة فاشلة.
حتى في أكثر أحياء بيروت ثراءً، أظلمت الشوارع والمطاعم والحانات القليلة التي حاولت لفترة وبطريقة ما تحدي الأزمة الاقتصادية وأوامر الإغلاق بسبب كورونا، وانفجار مرفأة بيروت، وبقيت مضاءة لفترة باستخدام المولدات.
والسؤال الذي يطرحه اللبنانيون على أنفسهم في النهاية: ماذا يحدث بعد أن ينتهي الأمل؟
في ترتيب تقاسم السلطة القائم في لبنان يجب أن يكون رئيس الوزراء سنيًا، والرئيس مسيحي، ورئيس البرلمان شيعي.
وقبل تسعة أشهر، أعيدت تسمية رئيس الحكومة السابق سعد الحريري كمرشح سني توافقي لتشكيل حكومة جديدة يفترض أن تؤمن حزمة الإنقاذ من صندوق النقد.
منذ ذلك الحين، قدم تشكيله الحكومي إلى الرئيس ميشال عون 18 مرة، وكلها باءت بالفشل.
حاول الحريري إقناع عون بمزايا حكومة تكنوقراط غير محزبة، مؤلفة من 24 وزيرًا، ومقسمة بالتساوي بين السنة والشيعة والمسيحيين. لكن عون، الذي كبر في السن وبات أكثر عزمًا على توريث منصبه لصهره وزير الخارجية السابق جبران باسيل، رفض التراجع، حسبما ورد، بناءً على طلب باسيل.
طالب عون بأكثر من ثماني وزارات للمسيحيين والحصول على حق النقض (الفيتو) على جميع القرارات، وانتهك أيضًا الحق الدستوري لرئيس الوزراء بإصراره على تعديلات جوهرية في التشكيل الحكومي.
وقال الحريري للصحافة: خلال المحادثة، طلب الرئيس تعديلات اعتبرتها جوهرية في التشكيلة.
انهيار العهد الجديد.. من الفاعل الحقيقي في أزمة لبنان؟ | س/ج في دقائق
يختلف جبران باسيل مع التقسيم الثلاثي للسلطة على أساس اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى حربًا أهلية استمرت 15 عامًا من خلال تقسيم السلطة بين طوائف البلاد.
يأمل باسيل، الذي غالبًا ما يوصف بأنه “السياسي الأكثر احتقارًا في البلاد”، أن يؤدي القتال من أجل المزيد من زيادة حصة المسيحيين في الحكومة إلى زيادة شعبيته بين تلك المجموعة، وضمان عودته إلى السلطة في الانتخابات المقبلة،
ولا يبدو أنه يضع اعتبارًا للمشقة التي سيتعين على جميع اللبنانيين تحملها في ظل غياب حكومة كاملة الصلاحيات.
طوابير الوقود تتزايد، والقمامة تتناثر في جميع الأرصفة، ويغربل الأطفال القمامة لإيجاد لقمة عيش، بينما يصعب التمييز بين اللاجئين السوريين واللبنانيين الباحثين عن الطعام حول صناديق القمامة.
رائحة النفايات المتعفنة التي تملأ الهواء ممزوجة بكميات وفيرة من اليأس، لدرجة أن اللبنانيين من الطبقة الوسطى الذين يتحدثون الإنجليزية والذين كانوا يحلمون بالانضمام إلى طبقة الصفوة، يضطرون إلى بيع ممتلكاتهم الشخصية بمقابل زهيد لا يتجاوز بضعة سنتات أحيانًا، بعدما انخفضت قيمة العملة بأكثر من 150%، وارتفعت أسعار السلع الأساسية ارتفاعاً هائلاً، وانخفض الدعم على الخبز والوقود.
البنك المركزي زاد التعقيد بسماحه بأسعار صرف متعددة. وبينما لا يزال سعر الدولار الرسمي 1,500 ليرة، تتداوله البنوك الرسمية عند 3,900، بينما يتجاوز 20,000 ليرة في السوق السوداء الأوسع انتشارًا.
وبينما يسعى اللبنانيون إلى الفرار من لبنان “من استطاع إليه سبيلًا” يستجدي المضطرون للبقاء ذويهم في الخارج لإرسال أموال أو أدوية لم تعد متوفرة في لبنان. بينما تتحرك الطبقة العامة بشكل متقطع إلى الشوارع للاحتجاج.
لبنان: بثرة على بشرة .. بين نصر الله وعون والحريري .. هل يريد الشعب إحياء النظام | خالد البري
بحسب الدستور اللبناني، يجب على الرئيس ميشال عون الآن دعوة مجلس النواب للتشاور واختيار رئيس وزراء جديد. لكن من غير المرجح أن يجد أحدهم الدعم.
الجنرال المتقاعد إلياس فرحات يقول إن سعد الحريري لن يدعم أحدًا، وإذا قاطع الحريري العملية، فلن يجرؤ غيره على القيام بهذه المهمة، حتى حزب الله قد يجد صعوبة في البحث عن مرشح سنّي آخر ودود مثل الحريري.
ولطالما دعمت الجماعة الشيعية المدعومة من إيران الحريري كممثل للسنة لمنصب رئيس الوزراء، في المقام الأول لأنه يترك مساحة للجماعة تقول كلمتها، ولأنه لم يسبب الكثير من المتاعب.
الآن، يلقي الحريري باللوم على حزب الله لعدم ممارسة أي نفوذ على حليفه ميشال عون لتشكيل حكومة غير حزبية.
ويقول الخبراء إنه إذا أراد حزب الله تشكيل حكومة، لكان بإمكانه إقناع عون، لكنه لم يفعل لأنه لم يحصل على الثمن الذي أراده لتدخله.
بدأت باغتيال الحريري.. 18 محطة أوصلت لبنان إلى العجز الاقتصادي | تايم لاين في دقائق
لا يبدو أن أيًا من أشكال هذه المعاناة تؤثر على الطبقة السياسية اللبنانية، التي تخدم مصالحها الذاتية، والتي تنشغل في الخلاف على الوزارات والتخطيط لكيفية السيطرة على الحكومة من الخارج.
غياب رئيس وزراء جديد يعني أن حسان دياب، الذي أجبر على الاستقالة قبل نحو عام بعد انفجار مرفأ بيروت، سيستمر كرئيس لحكومة تصريف أعمال بدون صلاحيات حقيقية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية وتأمين قروض من القوى الغربية والعربية.
أحد المرشحين في التشكيل الحكومي الذين اقترحه الحريري، قل لفورين بوليسي بشرط عدم الكشف عن هويته إن لبنان يتجه نحو أوقات عصيبة، متوقعًا أن يزداد الوضع الاقتصادي سوءًا:
“لسنا متفائلين بأن حكومة انتقالية أو حكومة يهيمن عليها عون ستكون قادرة على التفاوض مع المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي”.
سيتعين على اللبنانيين بذل مجهود كبير وانتظار الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في ربيع العام المقبل، لكن مع تدهور الاقتصاد، قد يتدهور الكثير قبل الانتخابات.
يقول فرحات إن المجاعة والفوضى تطرقان أبوابنا.
لبنان ينهار | ثالث أسوأ أزمة اقتصادية في العالم منذ 170 عامًا.. لكنه لن يسقط وحيدًا | س/ج في دقائق
في 29 يونيو، التقى وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين بنظيريه الفرنسي جان إيف لودريان والسعودي فيصل بن فرحان آل سعود لبحث الوضع في لبنان.
بعدها، سلم السفير الأمريكي في لبنان رسالة من بلينكن إلى عون، يشجعه على السماح للحريري بتشكيل حكومة.
من الواضح أنه لم يكن له أي تأثير على عون، الذي تعرض صهره جبران باسيل لعقوبات أمريكية بموجب قانون ماغنيتسكي، الذي يستهدف الفساد العالمي.
الواضح الآن أن الجميع يملك خططًا بديلة في لبنان:
بينما يريد الغرب والعرب إصلاحات قبل أن يخفف القيود المالية لضمان ذهاب الأموال إلى الشعب بدلًا من تسمين النخبة الحاكمة نفسها، فإنه يريد أيضًا ضمانًا بالحياد في الشؤون الإقليمية من الطبقة السياسية في لبنان.
ويقول المحللون إن الغرب اختار بطريرك لبنان الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي لنشر هذه الرسالة، وهناك بعض المؤشرات على أن الغرب يهيئ قائد الجيش اللبناني جوزيف عون للارتقاء في الرتب المدنية.
بالمقابل، تعتبر إيران، راعية حزب الله، أن لبنان ورقة مساومة على طاولة المفاوضات في فيينا، حيث تتعامل مع القوى الغربية وبشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي.
لبنان | “قلب الله”.. سممه العثمانيون ومزقه العروبيون وقضى عليه عملاء إيران | الحكاية في دقائق
بالنسبة للبنانيين الناشطين سياسيًا الذين احتجوا منذ عام 2019، فإن الجانب المشرق الوحيد هو أن استقالة الحريري وإحجام النخبة السياسية عن تشكيل حكومة، ناهيك عن الكشف عن إصلاحات قادرة على تصحيح البلد، قد تجبر أخيرًا الغرب على فرض عقوبات على المسؤولين بشكل جماعي.
لطالما طالبوا المجتمع الدولي ليس فقط بحظر سفر سياسييهم ولكن أيضًا بتجميد أصولهم في الخارج.
توصل الاتحاد الأوروبي أخيرًا إلى هذه الفكرة ومن المتوقع أن يعلن عقوبات بحلول نهاية هذا الشهر، ويمكن للمرء أن يتخيل نوع المعاناة التي سيضطر اللبنانيون إلى تحملها حتى ذلك الحين.