Mank | القاضية ممكن لنتفليكس وديفيد فينشر في الأوسكار | حاتم منصور

Mank | القاضية ممكن لنتفليكس وديفيد فينشر في الأوسكار | حاتم منصور

6 Dec 2020
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في أحد مشاهد فيلم مانك Mank يتحدث بطل الفيلم هيرمان مانكويز الذي يعمل كسيناريست، عن رضاه التام عن سيناريو كتبه، وانعدام رغبته في اجراء تعديلات، وأنه يترك النتيجة النهائية للمخرج نفسه ليحدد هل سيلتزم بما كتبه أم سيغير الكثير.

المشهد على بساطته يلامس تاريخ وطبيعة شخصية ديفيد فينشر مخرج مانك إلى أقصى درجة، كشخص معروف عنه هوس السيطرة كمخرج، الى درجة الخلاف الدائم مع شركات الإنتاج، وإلغاء مشاريع عديدة بسبب ذلك.

أشهر أفلام المخرج ديفيد فينشر

غالبًا ينظر ديفيد فينشر إلى مؤلفي السيناريو كفئة أكثر حظًا منه كمخرج؛ لأن لديهم – بحكم المهنة – قابلية أكبر للتسامح والتصالح مع اختلافات الفيلم عما أرادوه، على عكسه هو كمخرج.

يسهل الآن أيضًا معرفة ما جذب ديفيد فينشر، لتنفيذ مانك اقتباسًا من سيناريو كتبه والده الراحل جاك فينشر في مطلع التسعينيات، عن الدراما خلف صناعة فيلم المواطن كين Citizen Kane الذي عُرض عام 1941 والخلافات بين السيناريست هيرمان مانكويز، وأورسون ويلز مخرج الفيلم وبطله والسيناريست المشارك فيه، على الحقوق الأدبية والمجد بعد تحول الفيلم لتحفة كلاسيكية شهيرة.

أيهما صاحب الدور الأكبر؟ هذه نقطة لا تزال موضع خلاف حتى اليوم، ويمكن قراءة المزيد عنها تفصيليًا في مقال سابق على موقع دقائق:

Mank | ذنب يجب معرفته قبل مشاهدة أهم أفلام 2020.. هل يخون ديفد فينشر إرث والده؟ | أمجد جمال

لكن بعيدًا عن هذا الجدل وعن طريقة إجابة فيلم مانك عنه، فالواضح أن اهتمام فينشر بتنفيذ الفيلم لم يكن سببه الوحيد هذه الواقعة بالأخص، بل كونها تصلح بذرة لملامسة قضايا أكبر تخص الفن وصناعة السينما، وبالأخص في هوليوود.

إعلان فيلم Mank

قضايا مثل:

  • هل تحتاج الموهبة إلى التزام لينتج عنها إبداع واستمرارية؟
  • هل قبول التسويات والمساومات مع شركات الإنتاج جزء حتمي من صناعة السينما؟
  • إلى أي مدى يمكن أن تترك سلوكياتك الشخصية انطباعات خاطئة عن مدى اتقانك لعملك أو تنسف مستقبلك المهني؟
  • هل التقيد بقواعد ومدارس هو الأصح، أم أن المبدع يجب أن يحظى بحرية لكسر هذه القواعد والتمرد عليها؟
  • هل التوافق والعمل الجماعي شرط للنجاح، أم أن للسينما – والحياة أيضًا – معادلات نجاح/ فشل أعقد مما نتخيل؟


رغم هذا التوسع في الرؤى والأفكار، يظل فيلم مانك بالأساس عملًا لا تجوز مشاهدته دون مشاهدة فيلم المواطن كين Citizen Kane لعدة أسباب:

1- لأن مانك يسير على خطى المواطن كين من حيث التلاعب الزمني بترتيب السرد، ومن حيث علاقة الأحداث بالسلطة والإعلام.

أنجح 10 أفلام في تاريخ هوليوود | حاتم منصور

2- لأن مانك يطابق أفلام فترة أوائل الأربعينيات من حيث الطابع البصري والصوتي. المسألة ليست فقط في تصويره بالأبيض والأسود، لكن تشمل ألاعيب أخرى مثل تسجيل الصوت بمعدات الأنالوج القديمة، وتنفيذ الموسيقى بنفس الآلات الأوركسترالية السائدة آنذاك، وإضافة عيوب وخدوش على الصورة مماثلة لعيوب شرائط عرض السينما قبل عصر الديجيتال، وكتابة البيانات على الشاشة بنفس الخطوط القديمة، والتداخل الخشن أحيانًا للموسيقى التصويرية، وغيرها من ملامح السينما التي ميزت فترة المواطن كين أوائل الأربعينيات.

النوستالجيا لأفلام هذه الفترات وطباعها، نقطة قد تكون سهلة للمتفرج الأمريكي، الذي شاهد غالبًا عشرات الأفلام من هذا العصر، حتى لو كان شابًا في العشرين. في المقابل يصعب توفرها عالميًا في نفس الجيل، ومشاهدة المواطن كين فكرة جيدة لمعرفة طباع أفلام هذا الزمن.

دستة أفلام حديثة عادت بنا لسحر سينما الأبيض والأسود وتستحق المشاهدة | حاتم منصور

3- لأن أحداث مانك تتركنا مع شخصيات وأحداث أصبحت مصدر إلهام للسيناريست هيرمان مانكويز في تأليف المواطن كين وشخصياته وأحداثه. بدون مشاهدة كين قبل مشاهدة مانك لن يفهم المتفرج هذه النقطة.

أماندا سيفريد في مانك

ما سبق من إحالات وملامسات، هو ما يميز فيلم مانك عن غيره هذا الموسم ويجعله ضمن أهم أفلام العام. لكنه أيضًا النقطة التي تطعنه في مقتل وتنسف أي احتمالات لتحوله لفيلم جماهيري، كما اعتدنا من ديفيد فينشر سابقًا.

10 أفلام وتجارب سينمائية يصعب نسيانها في العقد المنتهي | حاتم منصور

مانك إجمالًا كرنفال بصري وصوتي، وأوركسترا مهيبة عن هوليوود التي سحرتنا عقدًا بعد عقد، وعن سحر السينما وانتصاراتها الذي يستلزم أحيانًا معاناة وهزائم خلف الكواليس، وفيلم يسهل أن ينتزع آهات الاعجاب من ناقد مثل كاتب هذه السطور، أو من المجتمع السينيفيلي، لكن خارج نطاق المهتمين بهذه الجزئيات يفقد الكثير والكثير من قوته ومغزاه.

يسهل من الآن توقع آلاف التعليقات في الشهور القادمة، على غرار ما الجيد في هذا الفيلم الممل؟ لماذا فاز بكل هذه الجوائز؟ لماذا يشيد به النقاد؟ هذه حقيقة مؤكدة لن يغير انتشارها بين الجمهور، الأداء التمثيلي العملاق الذي قدمه جاري أولدمان، ومعه أماندا سيفريد وليلي كولينز.

هل خلود الفن معيار لجودته؟ خمس ثغرات لهذه النظرية | أمجد جمال | دقائق.نت

أما الحقيقة المُرجحة الأخرى من الأن فهى أن Mank سيشق طريقه غالبًا في موسم الأوسكار القادم بمتوسط 10 ترشيحات تتضمن أفضل (فيلم – اخراج – سيناريو أصلي – ممثل/جاري أولدمان – ممثلة مساعدة/أماندا سيفريد – تصوير – مونتاج – تصميم انتاج – موسيقى تصويرية – صوت).

وربما سيصبح مانك تذكرة الحظ لفوز نتفلكس أخيرًا بأوسكار أفضل فيلم لأول مرة بعد محاولات سابقة اقتربت فيها من الفوز. أما فينشر فهو بالتأكيد أقرب وأقرب من نتفلكس للفوز للمرة الأولى في تاريخه بأوسكار أفضل مخرج.

أعمال سابقة لنتفلكس كانت قريبة من اقتناص أوسكار أفضل فيلم

إلى درجة كبيرة يحضرني هنا فيلم تارنتينو الأخير حدث ذات مرة في هوليوود Once Upon a Time in Hollywood كعمل آخر يلامس الكثير عن صناعة السينما وتأثيرها، ويشترط على المتفرج في العديد من مقاطعه، حد أدنى من الالمام بالأفلام الأمريكية القديمة.

لكن في فيلم تارنتينو توفر على الأقل نقاط جذب مثل براد بيت وليوناردو دي كابريو، وطابع سرد يلامس تيمات جماهيرية محببة مثل العنف والتشويق. وحتى إحالاته السينمائية نفسها تضمنت أفلام وشخصيات جماهيرية مثل بروس لي. مانك في المقابل يطلب من جمهوره ما هو أكثر وأكثر.

Once Upon a Time in Hollywood.. مرافعة تارنتينو للدفاع عن نفسه وعن هوليوود وعن العنف السينمائي | حاتم منصور

يبقى السؤال: هل يمكن أن يصبح مانك Mank بعد عشرات السنوات من الآن، وخلافًا لما كتبته سابقا عن صعوبة انتشاره جماهيريًا، بنفس أهمية المواطن كين Citizen Kane الذي لم يحقق الكثير من النجاح وقت عرضه، ثم تحول لأيقونة كلاسيكية لاحقًا؟

هذا السؤال نتركه فقط للزمن ولسحر السينما لتحسمه مستقبلًا. لكن في جميع الحالات، لدينا الأن كعشاق لهوليوود ولصناعة السينما فيلم ساحر اسمه مانك Mank عن حدوتة صناعة فيلم قديم ساحر آخر اسمه المواطن كين Citizen Kane.

وهذا في حد ذاته ضمن سحر السينما يا أصدقاء.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك