المهمة مستحيلة أو (Mission: Impossible) عادةً اذا أردت الحفاظ على جماهيرية سلسلة سينمائية، لعقود وعقود.
سلاسل أخرى تخفق في العودة لمسار النجاح بعد بداياتها القوية في أول فيلم أو اثنين، رغم تكرار المحاولات مثل Terminator – RoboCop – Power Rangers.
في عيده الـ 20.. كيف غير “المصارع” هوليوود للأبد؟ | حاتم منصور
حتى سلسلة جيمس بوند الشهيرة التي سيصل رصيدها قريبًا لـ 25 فيلمًا بعد عرض لا وقت للموت No Time to Die لم تنج من بعض التجارب الفاشلة.
في المقابل، صمدت سلسلة المهمة: مستحيلة Mission: Impossible من حيث الجماهيرية، على مدار أكثر من ربع قرن، تضمن 6 أفلام (1996 – 2000 – 2006 – 2011 – 2015 – 2018). وكأن لهذه السلسلة نصيب من عنوانها. وقريبًا سيبدأ عرض الجزئين السابع والثامن في 2022 – 2023.
تمثل الثمانينيات نقطة تحول في هوليوود من حيث نمط الإنتاج والتسويق، بعدما سجلت السبعينيات، بفضل نجاحات أفلام الفك المفترس Jaws وحرب النجوم Star Wars، ميلاد نهج جديد، عبر صناعة فيلم ضخم واحد مميز، وتكثيف الدعاية عنه، على أمل أن يتحول إلى صاروخ في شباك التذاكر خلال أجازة الصيف.
عام 1986 سيشهد تحول توم كروز لنجم شباك بفضل فيلم Top Gun، ومولد هويته السينمائية كنجم قادر على تقديم شخصيات ونوعية مغامرات أكشن مختلفة عما يقدمه النجوم أصحاب الطابع الذكوري الأكثر خشونة، من أمثال ستالون وشوارزنيجر. وسيكرر هذا النجاح في Days of Thunder عام 1990.
كيف أصبح رامبو أيقونة لليمين الأمريكي على مدار 40 سنة؟ | حاتم منصور
عام 1987، سيسجل المخرج بريان دو بالما نجاحًا ساحقًا في شباك التذاكر بفضل فيلمه الممنوع لمسهم The Untouchables المقتبس من مسلسل بدأ عرضه عام 1959 بنفس الاسم. وسيفتح نجاح الفيلم شهية هوليوود لتجارب أخرى ناجحة لاحقًا، منها مثلًا فيلم الهارب The Fugitive عام 1993 المقتبس من مسلسل ستيناتي.
المعطيات الآن: نجم ناجح اسمه توم كروز يبحث عن محطة أكشن قوية جديدة بعد سنوات من التركيز في أفلام الدراما – هوجة هوليوودية عامة للبحث في دفاتر المسلسلات الناجحة.
والمحصلة النهائية للرغبتين هي اختيار توم كروز لمسلسل المهمة مستحيلة Mission Impossible الذي استمر عرضه من عام 1966 حتى 1973، وأدمنه خلال فترة طفولته، ليصبح محطته السينمائية التالية، وأول تجاربه أيضًا كمنتج.
في عيده الـ 20.. كيف احتفظ “الحاسة السادسة” بعنفوانه كل هذه السنوات؟ | حاتم منصور
اختيار ذكي جدًا؛ لأن مسلسل المهمة: مستحيلة تميز بنقطتين مناسبتين جدًا لجمهور التسعينيات. أولهما توظيف الأبطال لمعدات تكنولوجية معقدة في تنفيذ المهام، وهي نقطة منسجمة جدًا مع التسعينيات حينما كانت تكنولوجيا الاتصالات والبرمجيات على مشارف نقلة كبرى، والكمبيوتر والمحمول في أول مراحل الهوس والانتشار بين الطبقة المتوسطة.
وثانيهما أن الذكاء والتخطيط والخداع هي السلاح الرئيسي للأبطال، لا المسدس أو الرصاص. وهي نقطة يمكن أن تكفل للفيلم ولتوم كروز تفردًا، مقارنة بنوعية الأكشن السائدة التي كان يقدمها آخرون.
ولمزيد من الضغط على جزئية الاختلاف، اختار توم كروز طاقمًا ثلاثيًا من الأباطرة لصياغة القصة والسيناريو، بحيث تجمع حبكة الفيلم خبرات في (الدراما – المغامرات والأكشن – الأجواء البوليسية والألغاز):
ديناصورات سبيلبرج بدون طفرات في Jurassic World: Fallen Kingdom
ولضمان اختلاف أكثر وأكثر عن السائد في سينما الأكشن، اختار توم كروز لمهمة الإخراج براين دو بالما.
دو بالما من ناحية يملك تجربة سينمائية سابقة ناجحة في مجال الاقتباسات التليفزيونية، وهي الممنوع لمسهم The Untouchables. ومن ناحية أخرى، هو صاحب تاريخ طويل كمخرج في صياغة أجواء الغموض والشد العصبي والرعب، وهي مهارات يمكن أن تكفل مذاقًا مختلفًا لفيلم أكشن.
النتيجة كانت أكشن مختلفًا فعلًا عن السائد، سواء من حيث الايجابيات أو السلبيات.
مبدئيًا، طعن فيلم Mission: Impossible – المهمة: مستحيلة منذ المشهد الافتتاحي عشاق المسلسل الأصلي، فاستغنى عن تركيبة فريق الأبطال الجماعي لصالح تركيبة الفرد الواحد، بفضل شخصية لم تتواجد أصلًا في المسلسل، وتم ابتكارها خصيصا لحساب توم كروز اسمها إيثان هانت.
كيف شكل “يوسف شريف رزق الله” نقطة تحول في علاقة الملايين بالسينما؟ | حاتم منصور
حبكة فيلم Mission: Impossible المهمة: مستحيلة تضمنت أيضًا طابعًا اعتبره الكثير من النقاد والجمهور وقتها، أعقد من اللازم بالنسبة لفيلم أكشن.
وبالنسبة لكاتب هذه السطور، يظل مشهد الأكشن الختامي في الفيلم، الذي دار فوق قطار، ضعيف المصداقية على المستوى البصري، حتى بمعايير الخدع السينمائية عام 1996.
ورغم توقع كثير من النقاد والخبراء أن ما سبق سيمنع Mission: Impossible – المهمة: مستحيلة من تحقيق النجاح التجاري المرجو، وبالأخص نقطة تغيير التركيبة من فريق عمل إلى بطل واحد، شق الفيلم الذي تكلف 80 مليون دولار طريقه بشكل فاق كل التوقعات، وأصبح ثالث أنجح أفلام عام 1996 عالميًا، بإجمالي قدره 458 مليون دولار، وهو ما يعادل حاليًا بحسابات التضخم حوالي 740 مليون دولار.
لكن وسط هذا الطوفان من العناصر المعيوبة أو المتوسطة، احتفظ مشهد واحد بكل سحر السينما، وأشاد به الكل تقريًبا وقتها، وأصبح كارت التعريف والنجاح ليس فقط للفيلم نفسه، بل أيضا لبقية أفلام Mission: Impossible.
المقصود – كما خمن ربما أغلب عشاق Mission: Impossible – المشهد الذي يتدلى به البطل معلقًا على حبل ليقتحم مقرًا سريًا، ويسرق منه معلومات شديدة الخطورة، دون أن يدرك أحد بوجوده رغم كل وسائل الرصد داخل المكان.
خبرات دي بالما كمخرج في الشد العصبي تتجلى في هذا المشهد في أفضل حالاتها، وتتركنا الكاميرا وحيل المونتاج أحيانًا مع لقطات واسعة تستعرض المكان ككل، وموقع البطل فيه. وأحيانًا أخرى مع لقطات مقربة جدًا له، تستعرض ما يمكن أن يحدث من كوارث، بسبب أشياء بسيطة مثل نقطة عرق واحدة!
خطة البطل كلها في الحقيقة كانت على وشك الفشل، لا بسبب الحراسة الأمنية المشددة في المكان، أو بسبب مجهودات الأعداء، بل بسبب شيء تافه جدًا، وهو تواجد فأر في المكان والزمان الخطأ!
سيصبح هذا المشهد من Mission: Impossible لاحقًا بذرة لعشرات المشاهد والأفكار التي سنشاهدها في بقية الأجزاء، حينما يصبح الفاصل بين النجاح والفشل شعرة بسيطة. وسيشق توم كروز بهذا المشهد الأيقوني مستقبلًا كاملًا مختلفًا لنفسه كنجم أكشن.
الضخامة البدنية والعضلات المفتولة لشخصيات ونجوم الأكشن الآخرين، سيحل محلها مع توم كروز في دور ايثان هانت الذكاء والتركيز، والقدرة على تقديم أداء بدني فريد أمام الكاميرات.
وستصبح الخطة دائمًا هي أن يقدم توم كروز بنفسه مشاهد الأكروبات والمخاطرات؛ لأن هذا يمنح تأثيرًا أفضل وأكثر مصداقية وإثارة لهذه المشاهد من ناحية، ويمنح أيضًا سلسلة Mission: Impossible شحنة دعائية هائلة مع كل فيلم، حينما تشمل الخطة التسويقية تكثيفًا دعائيًا عن مشهد محدد.
5 أسباب جعلت “جون ويك” علامة في تاريخ الأكشن | حاتم منصور
كيف استثمر توم كروز هذا النجاح لاحقًا، وحقق المهمة المستحيلة بحيث يحمل كل فيلم تالٍ بصمة ما من روح الأصل، بالإضافة لطابع منعش ومختلف أيضًا عما سبقه؟
الإجابة سنتركها لمقال آخر، إذا اخترت كقارئ مواصلة المهمة.