وفاة القاضي العمراني | انتصار للتشيع الإيراني في اليمن؟ أم إثبات أن الحوثية حالة مؤقتة؟ | هاني عمارة

وفاة القاضي العمراني | انتصار للتشيع الإيراني في اليمن؟ أم إثبات أن الحوثية حالة مؤقتة؟ | هاني عمارة

14 Jul 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

إيران الدين السعودية الشرق الأوسط اليمن تاريخ الاسلام
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

لقيت وفاة القاضي اليمني محمد بن إسماعيل العمراني مفتى جمهورية اليمن السابق والشخصية الدينية الأبرز في اليمن، حالة من التفاعل الشعبي والدولي، فلقد نعته شخصيات سياسية ودينية بارزة، أهمها الرئيس اليمني عبد ربه منصور، ورموز دينية من كافة الاتجاهات، وقيادات خليجية بارزة، وعدد من المؤسسات الدينية الرسمية على اختلاف توجهاتها.

كما شهدت جنازته مشاركة شعبية واسعة لها دلالة بارزة على شعبية الشيخ، برغم ما تعرض له من تضييق على أيدي الحوثيين، الذين امتنعوا عن المشاركة في جنازته لكنهم اضطروا إلى نشر نعيٍ مُقتضب، فيما لم يتوقف أنصار الحوثيين في الإعراب عن شماتتهم في وفاته، واعتباره من الجبناء.

من هو القاضي العمراني؟

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني، وُلِدَ باليمن 1921م، من أسرة دينية عريقة تدين بالمذهب (الشيعي) الزيدي، اشتغلت بالإفتاء والقضاء.

جده محمد بن علي العمراني، كان من تلاميذ الإمام الشوكاني، أحد أشهر الشخصيات الدينية التاريخية في اليمن، والذي عُرِف بالتجديد والاجتهاد المتجاوز للمذهبية، ما أكسبه تأثيرًا بالغ الأهمية على التيارات الدينية التجديدية والسلفية المعاصرة معًا.

حرص القاضي محمد على استلهام هذا التراث في فقهه، فلم يتقيد في آرائه بمذهب وكان أكثر انفتاحًا على المذاهب الإسلامية الأخرى، وهو ما جعله من أكثر الشخصيات التوافقية المقبولة من جميع المذاهب اليمنية، ما أهّله لمنصب الإفتاء لعموم اليمن.

ومن خلال منصبه أبقى نفسه على علاقة طيبة بالجميع، فتمتّع بعلاقات جيدة مع التيارات السلفية غير التكفيرية في الخليج، وابتعد عن الفتاوى السياسية، برغم معاصرته لكثير من التحولات السياسية في اليمن آخرها ثورات الربيع العربي التي أطاحت واحدة منها برئيس البلاد علي عبدالله صالح، وكذلك عند الانقلاب الحوثي على الرئيس الحالي عبد ربه منصور.

هذا “الحياد الفقهي” الذي انتهجه القاضي العمراني، دفع الحوثيين إلى عزله وتعيين مفتٍ موالٍ لهم ولإيران، وهي الخطوة التي حفظت للشيخ مكانته وأبقته مقرّبًا من الجميع، وهو ما تجلّى في التفاعل الشعبي والرسمي الذي صاحَب وفاته.

إليوت أبرامز: رسالة بايدن وصلت الحوثيين “واصلوا الإرهاب.. وإنكم لمنتصرون” | ترجمة في دقائق

مدرسة القاضي العمراني الفقهية: حالة فريدة في الإسلام

لا يمكن الحديث عن القاضي العمراني دون الكلام عن المذهب الزيدي في اليمن، وهو من أقدم المذاهب الإسلامية، إذ يعود للقرن الثاني الهجري، كما يعتبره الكثيرون أصل التشيع أو التشيع العربي في صورته الأولى قبل أن تُضاف عليه التأثيرات الفارسية.

المذهب الزيدي حالة فريدة عن باقي المذاهب الدينية، فهو نظريًّا يُعتبر مذهبًا شيعيًا لانتسابه لزيد بن علي بن الحسين، الذي قاد ثورة في الكوفة ضد الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك انتهت بصلبه ومقتله.

كان لهذه الثورة أثر بارز في قيام ثورة العباسيين، والتي انتهت بقيام دولتهم على أنقاض بني أمية، كما أثّرت في فِكر أئمة المذاهب الاسلامية كأبي حنيفة، وواصل بن عطاء مؤسِّس حركة المعتزلة.

وهو ما جعل المذهب أقرب إلى المذهب الحنفي في الفروع، كما أنه أقرب للمعتزلة في العقيدة، خصوصًا في مسألتي الإمامة والتفضيل.

على أكتاف المذهب الزيدي تأسست أول دولة شيعية في التاريخ الإسلامي، وهي دولة ابن طباطبا العلوي، كما يُعتقد أن الدولة الإدريسية في المغرب في بدايتها كانت تدين بيه،

كما أنه المذهب الذي اعتنقه أغلب شيعة العراق قبل مرورهم بمرحلة “التحول الإمامي”، وانتشار المذهب الإمامي بينهم خلال الزمن البويهي.

و لم يأنف هذا المذهب من الاعتماد على كُتب الأحاديث السنية، فالكثير من الرجال الذين قبل عنهم البخاري ومسلم رواياتهم ودوّنوها في أحاديثهما كانوا تلاميذ زيد بن علي، مثل: الأعمش، ومنصور بن المعتمر،

لذا قبل الزيديون هذه الكتب واعتبروها ضمن مراجعهم المُعتمدة.

عرف اليمن المذهب الزيدي منذ القرن الثالث الهجري، وساهمت “اليمن الزيدية” في الحافظ على تراث المعتزلة، بعدما هاجر إليها عددٌ من المعتزلة المتأخرين مثل الحاكم الجشمي، ومثّل اليمن آخر وجود للمعتزلة.

هذا التنوع والتعددية في جذور المذهب ساعدا في بروز تيار تجديد في الزيدية اليمنية في زمن الدولة المتوكلية، تجاوز هذا التيار الحالة المذهبية العامة، على أيدي المقبلي، وابن الوزير، وابن الأمير الصنعاني، وختامًا بالشوكاني.

وعلى غير المتوقع، امتلك هذا التيار علاقات تأثير متبادلة مع المدرسة الحنبلية، ورموزها المتأخرين كابن تيمية، فكتاب “نيل الأوطار” للشوكاني، والذي يُعدُّ من أشهره كتبه ومن أهم مصادر الفقه المقارن، هو شرح لكتاب “منتقى الأخبار” لابن تيمية “الجد”.

حظيت هذه المدرسة الفقهية بِاحترام لدى الحركة الوهابية وكذلك السلفية المعاصرة، وهي لافتة تستحق التأمل، فبفضل خلفيته الاعتزالية اتّخذ هذا المذهب الشيعي موقفًا عقلانيًا من مسألة القبور والاستغاثة بالموت، كما أنه خالٍ من الغنوصيات والمبالغة في تقديس الأئمة مثلما يفعل الشيعة الإمامية.

مبادرات الحوثيين.. هل أدركوا الخطر؟ وهل يتجاوز ترامب معضلة أوباما؟ | س/ج في دقائق

الحوثيون: ولاية الفقيه الزيدية

على خلاف طبيعة المدرسة الزيدية المتجاوزة للمذهبية، عمدت الحركة الحوثية إلى صبغ المذهب بنسخة شيعية سياسية عقدية من المذهب الإمامي الرافض للتعددية.

من يُطالع الأدبيات المؤسِّسة للحوثيين، والمتمثلة في ملازم حسين الحوثي، يُلاحظ ضعف ثقافته التراثية والأصولية المقارنة، والتي يتسم بها، عادةً، علماء المذهب الزيدي؛

فهو لا يعتمد إلا على القرآن فقط وفق تأويلاته الحركية من منطلقات جماعات الإسلام السياسي المعاصر، مثل كتابات المودودي وسيد قطب، ثم يدعمه بالجانب الفكري لحكومة ولاية الفقيه في إيران المستمدة من الأصولية الإمامية الاثني عشرية.

تأثر ملازم الحوثي بشدة بكتاب “الحكومة الإسلامية” للخميني، ومنشورات الثورة الإيرانية، كما يستخدم الكثير من المصطلحات ببُعدها العقدي الإيراني وبًعدها السياسي المرتبط  بدولة ولاية الفقيه في إيران، مثل كلمات: “المنافقين” “الولاية” وغيرها.

وهو ما انعكس على مستوى الممارسات الدينية المذهبية التي تخالف الفقه الزيدي، بعدما احتفل الحوثيون بالأعياد والمراسم الإمامية، مثل: عيد الغدير والمراثي الحسينية.

أما نظرته للمحيط الإسلامي، فهي متأثرة بالجانب الثقافي من دعاية النظام الإيراني، في نعت كل حركات السلفية وجماعات أهل الحديث بالوهابية، وكذلك موقفه السلبي من أهل السنة، عمومًا، وكتبهم ومذاهبهم، وخاصةً كتب الحديث.

موقف الحوثي في الجانب التراثي أقرب للشيعة الإمامية منه للزيدية، من نظرته للصحابة والخلفاء الثلاثة السابقين بِاعتبارهم غاصبين للخلافة، و”سبب دمار الأمة” (على حد وصفة)، بالإضافة لتعرّضه لسيرة السيدة عائشة والصحابة الذين خاضوا معركتي “الجمل” و”صفين” بصورة سلبية تتفق مع المعتقد الإمامي الاثني عشري، علاوة على ترويجه لمفهوم الولاية، والتبشير بالمهدوية المخلصة للمسلمين، وفق السردية الإمامية بصورة مخالفة للمنهج الزيدي.

أما موقفه من تيارات الإسلام السياسي المعاصر، فهو يتأرجح بين الرفض والقبول، وفق تأرجح الموقف الإيراني، بحسب التغييرات السياسية،

فهو يشيد بسيد قطب وحسن البنا، وفي نفس الوقت يعادى حزب الإصلاح اليمني الذي تحالف مع النظام اليمني السابق، كما يُهاجم تنظيمات الإخوان العالمية التي تصادمت مع ايران بعد ثورات الربيع العربي.

ما بعد القاضي العمراني: مستقبل الزيدية اليمنية

وفاة القاضي العمراني آخر الشخصيات الدينية المُعبِّرة عن اعتدال وانفتاح الزيدية اليمنية، وما صاحبها من تفاعل شعبي ورسمي دولي تطرح تساؤلات عن مستقبل الزيدية اليمنية، في ظل الحكم الحوثي وعدم وجود شخصية دينية تملأ هذا الفراغ.

هل انتهت المدرسة الزيدية اليمنية التاريخية بسيطرة الحوثي الذي فرض صبغة طائفية عدائية على الزيدية اليمنية، ومحاولة اختطافها لصالح مشروع ولاية الفقيه الايراني؟ أم أن الحوثية حالة طارئة في الزيدية ترتبط بظرف سياسي؟

هل الجنازة الشعبية المهيبة للشيخ تُعبِّر عن رفض شعبي للحوثي وجماعاته في مناطق سيطرته؟ ما مدى تأثير ذلك على مستقبل اليمن؟

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك