بنهاية فبراير 2021، وصلت فرقاطة من موسكو إلى مينا بورتسودان باعتبارها نواة القاعدة الروسية في السودان.
مشروع القاعدة الروسية تنقل عبر أكثر من مرحلة؛ من اليمن في 2008، إلى فكرة السودان في 2012، ثم جيبوتي، ليعرض عمر البشير بشكل مباشر أن تستضيفها السودان 2017.
حينها، كان يخشى البشير من تدخل أمريكي يزيحه عن السلطة، فقدمت عرضين إلى روسيا وتركيا لإنشاء قاعدة عسكرية في بلاده. تركيا سبقت، فكان الإعلان عن مشروع القاعدة التركية الذي لم يكتمل في جزيرة سواكن.
الجهات الإقليمية الفاعلة لا تنظر إلى روسيا كتهديد، ومن المرجح أن تتعاون مع روسيا بدلًا من مواجهتها وربما الاستفادة من هذه العلاقات لتقليل طلبات واشنطن.
سيتعين على الولايات المتحدة التعامل مع الوجود العسكري الروسي في منطقة محورية، وسيكون السبب الرئيسي للقلق هو زيادة قدرة روسيا على العمل عسكريًا على مقربة من اثنتين من أكثر النقاط الخانقة في العالم: قناة السويس وباب المندب.
س/ج في دقائق
ما علامات بدء تأسيس القاعدة الروسية إلى السودان؟
بنهاية فبراير 2021، وصلت الفرقاطة الروسية الأدميرال جريجوروفيتش إلى بورتسودان، كنواة قاعدة دعم لوجيستي في السودان. الجيش السوداني قال إن وصول الفرقاطة “جزء من تطوير العلاقات الدبلوماسية”.
الفرقاطة، بحسب إنترفاكس، هي أول سفن الأسطول البحري الروسي التي ستتواجد في السودان، بموجب اتفاق نوفمبر 2020، والذي يمنح روسيا حق بناء قاعدة بحرية في بورتسودان لمدة 25 سنة قابلة للتجديد لـ 10 سنوات.
بموجب الاتفاق، تملك البحرية الروسية حق إرساء أربع سفن بالتزامن في بورتسودان، بما في ذلك السفن النووية، ونشر 300 عسكري ومدني، وحق نقل الأسلحة والذخيرة والمعدات عبر مطارات وموانئ السودان.
وستكون القاعدة البحرية الروسية على البحر الأحمر هي الأولى في أفريقيا والثانية على أرض أجنبية بعد طرطوس في سوريا.
لماذا سمح السودان بإقامة القاعدة الروسية على أراضيه؟
فكرت روسيا في إنشاء القاعدة العسكرية على البحر الأحمر منذ 2008. لكنها كانت تريدها في اليمن.
في 2012، ظهرت فكرة السودان خلال زيارة مساعد الرئيس السوداني السابق نافع علي نافع، حيث طرحها ضمن خطة إعادة تأهيل جيش السودان.
في 2017، طالب الرئيس السابق عمر البشير نظيره فلاديمير بوتين بإقامة قاعدة روسية في السودان على البحر الأحمر “لحماية بلاده من التهديدات الأمريكية التي تهدد بتقسيم السودان لـ 5 دول”.
روسيا اهتمت بتنفيذ الفكرة، حتى بعد سقوط نظام البشير، فتوصلت لاتفاق إقامة القاعدة العسكرية في بورتسودان مع مجلس السيادة الذي يحكم السودان حاليًا.
هل تقضي القاعدة الروسية على أحلام تركيا في أفريقيا؟
في 2017 نفسها، عرض البشير على تركيا تأسيس قاعدة عسكرية لنفس الغرض. وأعلن أردوغان مشروع تأسيسها في جزيرة سواكن في نفس العام.
قبل الإطاحة بالبشير، كانت تركيا وقطر على وشك الحصول على امتياز سواكن، على بعد 50 كيلومترًا جنوب بورتسودان، وتحت ضغط سعودي وإماراتي ومصري، علقت الحكومة الانتقالية الاتفاق مع أنقرة والدوحة، بعد إزاحة البشير من السلطة.
مع الوجود الروسي في بورتسودان، أصبحت فرص تركيا في الحصول على قاعدة على طول الساحل السوداني ضعيفة، وبالتالي، من المرجح أن تزداد المنافسة بين تركيا وروسيا في القرن الأفريقي، على الأقل حتى تتوصل القوتان إلى تفاهم كما حدث في سوريا وليبيا.
كيف تعطي القاعدة الروسية في السودان موسكو مفتاح أفريقيا؟
القاعدة العسكرية الروسية في السودان تحمل نقطة التقاء لعدة أهداف استراتيجية:
1- تعزيز قدرة البحرية الروسية على التدخل لدعم القوات البرية والجوية بما يتناسب مع استراتيجية الكرملين للتدخل في الأزمات، من سوريا إلى فنزويلا، ويمدها إلى منطقة البحر الأحمر.
2- الأسطول نفسه ليس سوى نصف الصورة: القوة البحرية تتطلب شبكة من القواعد البحرية حيث يمكن للسفن أن ترسو وتزود بالوقود بأمان.
3- القاعدة ستسمح لموسكو بتوسيع قدراتها العسكرية – ومن ثم نفوذها – من البحر الأسود، عبر شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، إلى المحيط الهندي.
4- إنجاز رئيسي لسياسة روسيا في أفريقيا: خلال قمة روسيا – أفريقيا 2017، تعهد بوتين باستثمارات 20 مليار دولار “دون شروط” لكنه استغل التعاون العسكري كأحد الأصول الحاسمة للدبلوماسية الروسية في أفريقيا.
5- قبل انهياره، كان الاتحاد السوفيتي يملك قواعد بحرية في ميناء عدن وأرخبيل دهلك في إريتريا، لذا فإن الانتشار الجديد في السودان يحيي ذكرى موسكو لوضعها كقوة عظمى.
6- ستمكن القاعدة العسكرية في بورتسودان روسيا من توسيع مشاركتها في عمليات مكافحة القرصنة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهي منطقة نادرة للتعاون الأمني المستمر بين روسيا والغرب.
هل تقبل القوى الإقليمية بالوجود الروسي على بعد أميال؟
الإمارات والسعودية تستثمران بكثافة، اقتصاديًا وعسكريًا، في البحر الأحمر. والمحاولة الروسية لبناء قاعدة في إريتريا فشلت بعد أن سبقت الدولتان الخليجيتان إلى هناك، بغرض سحب إريتريا من ميدان النفوذ الإيراني.
لكن الدولتين عادتا و تعاونتا بالفعل مع موسكو في شرق ليبيا، ووقعت الإمارات اتفاق شراكة استراتيجية في 2018، مهد الطريق أيضًا لبيع أسلحة روسية إلى أبو ظبي.
السعودية ربما ترى في المشاركة العسكرية الروسية فرصة لفرض الأمن في البحر الأحمر عبر تقييد قدرة الحوثيين في اليمن على استهداف السفن والبنية التحتية النفطية السعودية.
ورغم العلاقات القوية مع واشنطن، لا تنظر دول الخليج إلى روسيا كتهديد، حيث تنظر إلى سياسة روسيا في عدم التدخل، إلى جانب استقرارها السياسي، على أنها أقل خطورة.
لذلك، من المرجح أن تتعاون دول الخليج والجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة مع روسيا بدلًا من مواجهتها وربما الاستفادة من هذه العلاقات لتقليل طلبات واشنطن، خصوصًا مع إدارة بايدن التي لم تبد اهتمامًا بحماية مصالح الشركاء في الخليج.
سيتعين على واشنطن التعامل مع الوجود العسكري الروسي في منطقة محورية، وسيكون السبب الرئيسي للقلق هو زيادة قدرة روسيا على العمل عسكريًا على مقربة من اثنتين من أكثر النقاط الخانقة في العالم: قناة السويس وباب المندب.
هذا الطريق يمر فيه 10% من تجارة العالم و 9٪ من شحنات النفط كل يوم، والسيطرة عليهما ذات أهمية حاسمة لاستقرار وأمن الاقتصاد العالمي.
على المدى الطويل، سيؤثر وجود روسيا في البحرين المتوسط والأحمر على سيطرة الولايات المتحدة على قناة السويس وباب المندب، مما يؤدي إلى اشتداد المنافسة بين القوى العالمية وربما تحويل هذه النقاط الخانقة إلى نقاط ساخنة.
أبرز دليل على أهمية هذه الخطوة للولايات المتحدة، هو وصول سفن حربية أمريكية في السودان تزامنًا مع وصول فرقاطة روسية إلى نفس الميناء.