منذ الانتخابات الأخيرة في العراق وما تلاها من خطوات تشكيل القيادة الجديدة، يكشف المشهد عن مدى قدرة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر على تغيير الديناميكيات السياسية في البلاد.
انتخب مجلس النواب محمد الحلبوسي، السني المتحالف مع الصدر، لرئاسته. ويفترض أن ينتخب الرئيس الجديد للبلاد بحلول 10 فبراير، والذي سيطلب بعدها من الصدر قيادة مفاوضات تشكيل الحكومة.
حتى الآن، لا اتفاق بين القوى السياسية الرئيسية في العراق على التشكيل الجديد. لكن التفاصيل قد تشير لانتصار مقتدى الصدر كمهيمن وحيد على العراق.
س/ج في دقائق
لماذا مثل انتخاب الحلبوسي انتصارًا شخصيًا للصدر؟
في انتخابات العراق الأخيرة، حاز الصدريون على 40% من مقاعد الشيعة بنحو 73 مقعدًا.
هذا الرقم منحه المرتبة الأولى بين الجميع. لكن التيارات المتحالفة مع إيران ردت بتشكيل ما أسمته “الإطار التنسيقي”، الذي لا يزال من غير الواضح عدد المقاعد التي يشغلها، لكن التوقعات تشير إلى أنها أكثر من 70 مقعدًا، أي أنهم باتوا يلامسون كتلة الصدر تقريبًا.
هنا، كانت انتخابات رئاسة مجلس النواب نقطة اختبار لقوة الطرفين؛ إذ صوت الصدريون لانتخاب الحلبوسي، فيما قاطع الإطار التنسيقي التصويت.
ونجح الصدر فعلًا في تمرير الترشيح، مستفيدًا من أصوات السنة، وانقسام الأكراد؛ إذ حضر الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود بارزاني، بينما انضم الاتحاد الوطني الكردستاني إلى الإطار التنسيقي في المقاطعة.
كيف سيؤثر ذلك على تشكيل الحكومة؟
يسعى مقتدى الصدر لتشكيل ما يصفها بـ “حكومة أغلبية وطنية”” بينما يريد الإطار التنسيقي ما يصفها بـ “حكومة توافقية” كما اعتاد العراق منذ 2003.
لتحقيق الخطوة، يفترض أن ينجح الصدر في تأمين أصوات الفائزين الرئيسيين داخل المجتمعات السنية والكردية مع استبعاد القوى الأخرى. وهو ما تتحفظ عليه كل القوى الشيعية، باستثناء تيار الصدر، وبعض القوى السنية والكردية
وبينما يفترض أن يكون انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة أكثر تعقيدًا من انتخاب رئيس البرلمان، فإن نجاح الصدر في إقناع السنة وحزب برزاني في المرة الأولى ربما يعطي مؤشرًا لاحتمالات نجاح المفاوضات التالية.
سيواجه مقتدى الصدر 3 تحديات رئيسية في أي محاولة لتشكيل تحالف مع الأكراد والسنة:
1- رغم التفاهم المبدئي مع بارزاني والحلبوسي، يرفض الطرفان حتى الآن فكرة تشكيل تحالف مع كتلة شيعية واحدة فقط.
2- الحلبوسي لم يعد يملك الادعاء بكونه الممثل الوحيد لسنة العراق، بعد محاولة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، زعيم الإطار التنسيقي، توسيع التحالف بضم نواب سنة، في محاولة لزيادة مقاعد الإطار، بما خلق توازنًا في المقاعد بين الكتلتين.
3- وهو التحدي الأكبر: إذا تمكن الصدر من ضمان دعم برازاني والحلبوسي، فلن يشكل الصدريون أغلبية هذا التحالف؛ بما يجعلها أول حكومة لا يهيمن عليها الشيعة منذ 2003، وهي نقطة قد يستغلها المالكي ضده داخل المجتمع الشيعي.
هل يترك الصدر الحكومة ويهرب إلى المعارضة؟
لن تكون المرة الأولى على كل حال. مقتدى الصدر يفضل القيام بدور جلاد الحكومة لا المسؤول عن تنفيذ السياسات، وهو ما سيحتفي به أنصاره الذين لا يشككون في خياراته، وسيروج لنفسه كـ “زعيم حقيقي ضحى بالسلطة من أجل الأمة”.
حينها، وبدعم محدود من الفصائل الأصغر، سيشكل الصدر أكبر كتلة معارضة في تاريخ العراق السياسي بعد الغزو الأمريكي.
هناك عوائق كبيرة تفوق الفوائد المتصورة لتشكيل ائتلاف معارض:
1- بالنظر إلى التنافس الشخصي بين المالكي والصدر، سيكون للفشل في تشكيل حكومة أغلبية تداعيات أوسع على صورة الصدر ومصداقيته.
2- إن فعل، سيفقد القدرة على إجراء التعيينات لآلاف المناصب العليا والخاصة في الحكومة العراقية، حيث تسمح السيطرة على هذه التعيينات للسياسيين بتوجيه السياسة الوطنية وتعزيز مصالحهم السياسية والعرقية – الطائفية والاقتصادية.
3- إذا خرج الصدر صفر اليدين، سيواصل الإطار التنسيقي السماح للميليشيات بمواصلة العمل خارج منظومة الأمن العراقية دون ضغوط من الحكومة، وهذا سيخيب أنصار الصدر الذين رأوا فيه وسيلة للحد من نفوذ الجماعات المسلحة الموالية لإيران.
تزيد التحديات من احتمال محاولة مقتدى الصدر الوصول إلى بعض القوى الشيعية ضمن الإطار التنسيقي – ربما بعد استبعاد المالكي نفسه” لتشكيل حكومة إجماع بقيادة الصدر.
لكن الجديد هو أن “الحكومة التوافقية” سنكون موجهة نحو الأولويات السياسية والأيديولوجية والدولية لمقتدى الصدر.