توب جان مافريك | صاروخ توم كروز الذي أصاب بوتين واليسار دون قصد | حاتم منصور

توب جان مافريك | صاروخ توم كروز الذي أصاب بوتين واليسار دون قصد | حاتم منصور

2 Jun 2022
حاتم منصور
سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

المستقبل قادم وليس لك مكان فيه

العقد هو الثمانينيات. والحالة هي فخر وطني أمريكي عام، في فترة حقق فيها الرئيس الجمهوري “رونالد ريجان” الكثير من الانتعاش الاقتصادي، واستعادت فيها الحكومة ثقة الشعب، بعد عقدين سابقين مضطربين سياسيًا، بسبب أحداث مثل حرب فيتنام وفضيحة نيكسون.

ثورة دونالد ترامب ستغير الجمهوريين لعقود.. كيف خلع اليمين الأمريكي عباءة ريجان؟ | س/ج في دقائق

الحرب الباردة مع السوفيت لا تزال مشتعلة. لكن المد القومي اليميني الأمريكي يضخ نزعة تفاؤل ووطنية ضد العدو.

جمهور السينما يصوت بحماس في شباك التذاكر، لأفلام تخاطب هذه النزعة بوضوح مثل رامبو بجزئيه الأول والثاني (1982 – 1985) وروكي الجزء الرابع (1985).

كيف أصبح رامبو أيقونة لليمين الأمريكي على مدار 40 سنة؟ | حاتم منصور

وسط هذه الأجواء، في صيف 1986، يأتي فيلم Top Gun وهو اسم جهة تدريب تابعة للسلاح الجوي، ليمجد هذه الروح الوطنية أكثر وأكثر، ويداعب رغبة التفاخر والإشادة بالجيش الأمريكي، الذي شارك في دعم صناع الفيلم، باعتباره دعاية مطلوبة للتجنيد.

“توب جان” انتهى بتصدر شباك التذاكر عام 1986 ووضع اسم بطله الشاب توم كروز وسط قائمة النجوم، رغم عمره الصغير (23 سنة فقط).

توم كروز في الفيلم الأول (1986)

بفضل شعبية الفيلم وتأثيره، تضاعفت طلبات الالتحاق بالجيش الأمريكي بنسبة 500%، واكتسحت نظارات شركة راى بان والمعاطف الجلدية أرقام المبيعات؛ لأن الكل كان يرغب أن يكون بنفس شكل توم كروز.

قصة رائعة. لكن: كيف يمكن أن تكرر نفس النجاح بجزء ثانٍ عام 2022 في أمريكا مناقضة لكل ما سبق، يسودها حالة انقسام واستقطاب سياسي، وفي عصر لم يعد فيه للحرب الباردة وجود، ومع نجم أصبح يرمز للماضي، أكثر مما هو يرمز للمستقبل؟

والإجابة قصة أروع اسمها Top Gun: Maverick

يستدعي الفيلم الثاني فورًا وبمجرد بدايته، نوستالجيا الجمهور للفيلم الأصلي، ويكرر نفس مشهد البداية (مونتاج سريع لعمليات اقلاع وهبوط طائرات حربية وقت شروق الشمس، بينما يصدح شريط الصوت بأغنية المطرب كيني لوجينس منطقة الخطر Danger Zone.

تتواصل النوستالجيا مع ظهور بطل الفيلم مافريك (توم كروز)، الذي نحتت السنوات علاماتها في وجهه، لكنها لم تنجح في محو روح الطيار المشاغب بداخله.

أغاني الثمانينيات | 9 أغنيات و9 أسباب تؤكد أنه عصر الموسيقى الذهبي | أمجد جمال

باقي القصة بسيطة وسريعة وأقرب لمدرسة الثمانينيات، مع بطل يواجه تحديات وظيفية بسبب مهمة جديدة، وتحديات شخصية بسبب ماضٍ معقد مع أحد أفراد المهمة، وتحديات عاطفية بسبب قصة حب قديمة لم تكتمل.

ورغم بساطة السرد، فالقصة هنا أقوى من الفيلم الأول، بفضل سيناريو يوازن هذه المرة بين “الستايل” المتوارث من الأصل، وبين الدراما.

توم كروز وفال كيلمر في الفيلم الأول

هذه لحظة رائعة لا داعي أن نفسدها

أرقى وأهم تجليات هذا السيناريو، تأتي في المقطع الذي يظهر فيه النجم فال كيلمر لإعادة تقديم دور الطيار آيسمان، الخصم القديم والصديق في نفس الوقت لبطل الفيلم.

خبر عودة كيلمر الذي يعاني من سرطان الحنجرة منذ سنوات، وفقدان للقدرة على الكلام، كان محور استنكار وتعجب من كثيرين، ومنهم كاتب هذه السطور.

فيديو| ميركاتو الدواء .. صفقة علاج السرطان على طريقة محمد صلاح | خد فكرة

هل نحتاج فعلًا للحظة مؤلمة جدا من هذا النوع، في الجزء الثاني من فيلم جماهيري هوليوودي، يهدف للتسلية والمرح؟

والإجابة الآن بعد مشاهدة الفيلم الجديد هي: نعم وبشدة.

المزج بين مرض فال كيلمر الحقيقي، وتوظيفه ليصبح نفس مرض وحالة الشخصية التي يلعبها في الفيلم، والمشهد الإنساني المؤثر الذي يجمعه مع توم كروز، هو لحظة تجلٍ سينمائية ضمن أفضل ما قدمت هوليوود في آخر 10 سنوات.

توم كروز في Top Gun: Maverick

هذه لحظة تلعب على كل مستويات الوعي لدى المتفرج، ويلتحم فيها واقع حياة نجم هوليوودي (فال كيلمر) بأشهر شخصية بطولية لعبها، لتصبح النتيجة تذكرة تكريم وتخليد لكليهما، لن ينساها الجمهور.

فقط هوليوود بكل طباعها الجماهيرية، هي التي يمكنها أن تطحن مأساة مثل السرطان وفقدان الصوت، لتنتج منها لحظة من هذا النوع. وفقط مع سيناريو بارع، ونجم حريص على كل التفاصيل، مثل توم كروز، يمكن أن يصل فيلم أكشن لهذه الذروة دراميًا.

ما اعتبرته قبل مشاهدة الفيلم، أغرب وأسوأ قرار من صناع الفيلم، أصبح أذكى وأهم لحظة فيه.

توم كروز وجينيفر كونيللي في Top Gun: Maverick

– لا تعجبني هذه النظرة يا مافريك.
– ليس لدى غيرها.

جيري بروكهايمر، وهو منتج الفيلم الأصلي وواحد من عمالقة هوليوود، صرح مرة في لقاء قديم، أن أهم ما يميز توم كروز هو هوسه بالتنافس والإتقان.

والواضح أن كروز أصبح أهم قوة دافعة في أي فيلم يظهر فيه، وأن وزنه كنجم في شباك التذاكر، امتزج مع خبراته المتراكمة كمنتج، منذ إنتاجه أول أفلام سلسلة المهمة مستحيلة عام 1996 لتصبح النتيجة عملاقًا يستطيع أن يفرض رؤيته على ستوديوهات هوليوود، وأن يغير مسار مشاريع سينمائية للأفضل.

أفلام تحدت الزمن | كيف أصبح “المهمة: مستحيلة” من علامات أفلام الأكشن؟ | حاتم منصور

بالتأكيد طلبت شركة بارامونت جزءا ثانيا من توب جان على مدار العقود الماضية، وهو ما تأجل عشرات المرات، بسبب حرص كروز أن يعود بعمل أقوى.

وبالتأكيد في هوليوود المعاصرة، سيصبح التفضيل اليوم لصالح صناعة مشاهد الطيران بالجرافيك، باعتبار ذلك الحل الأوفر والأسرع إنتاجيًا.

لكن كروز اشترط العكس، وحرص على تنفيذ مشاهد الطيران بطائرات حقيقية، وعلى تدريب طاقم التمثيل على القيام بهذه المشاهد داخل الطائرة، والنتيجة شىء ملحمي يحمل طابع أكثر اثارة ومصداقية بصريا.

الأغرب كان اختياره لمخرج مثل جوزيف كوزينسكي، ومدير تصوير مثل كلوديو ميراندا. كلاهما مشهور بالأساس بأعمال مرتبطة جدًا بخدع الجرافيك والخلفيات الحاسوبية مثل Oblivion – TRON Legacy.

حدث ذات مرة في عقل كريستوفر نولان.. لكن لم يحدث على الشاشات | حاتم منصور

ولأن كروز هو صاحب كل الاختيارات والقرارات، لا عجب أنه أعاد هنا توظيف المونتير إيدي هاملتون، الذي قام أيضًا بمونتاج أفلام المهمة المستحيلة ابتداءً من الجزء الخامس.

المحصلة هنا لهذا الفريق، أفضل مشاهد قتال جوي في تاريخ السينما، ولغة بصرية وصوتية سريعة ومبتكرة، لكن سهلة الفهم وفعالة، تمزج بين قرارات الطيار وانفعالاته داخل الكابينة، وبين ما يواجهه خارجها.

وغالبًا ستكفل للفيلم المنافسة في موسم الأوسكار القادم على فروع مثل (الصوت – المونتاج – التصوير).

وعلى عكس الفيلم الأول، الذي أخرجه الراحل توني سكوت، وتظهر فيه مشاهد القتال في سماء مفتوحة، مال الفيلم الجديد لمناورات أخطر وأقرب لسطح الأرض، وبالتالي أكثر إثارة سينمائيًا.

ولأن كل ذلك ربما لا يكفي لتوم كروز، يوجد أيضًا مقطع أكشن ومطاردات يخاصم تمامًا عالم الطائرات، ويمنح الجمهور مذاقًا إضافيًا غير متوقع.

نحتاج لمعجزتين

في هوليوود معاصرة مهووسة بثقافة الصحوة، ولا تكف عن حشر أعلام الرينبو، وأجندات النسوية والصوابية السياسية والتعددية العرقية في أفلامها، يسهل تخيل فيلم من هذا النوع، وهو يفعل نفس الشيء.

لكن توب جان 2 حقق معجزة وتجاهل ما سبق، لدرجة أن فريق الأبطال لا يتضمن توزيعة بطريقة المحاصصة (المكسيكي – الأفريقي – الهندي – المسلم – مثلي الجنس.. إلخ).

وأن الأنثى الوحيدة التي تشارك وسط فريق الطيران، لا تعظنا ولو مرة عن كفاحها وسط المجتمع الذكوري منتهي الصلاحية.

كيف أصبحت الأجندة النسوية المعاصرة في هوليوود منفرة؟ | حاتم منصور

قارن هذا مثلًا بالخطاب النسوي الممل المصطنع الدخيل، الذي قدمته الممثلة لاشانا لونش في آخر أفلام بوند No Time to Die وستلاحظ الفارق.

ينقصنا المعجزة الثانية

ولمزيد من المعجزات، احتفظ الفيلم بروح وطنية أمريكية مثل الأصل، في عصر أصبحت فيه الوطنية محور إدانة من قبل اليسار.

المحلل اليميني الأمريكي بين شابيرو ذكر ملحوظة أخرى، وهي أن الفيلم يقدم بطله وباقي رجال الجيش الأمريكي في صورة مختلفة، عن صورة الطاغية المجرم المريض نفسيًا، أو صورة البطل النبيل الضحية الممزق، الذي يدفع نفسيًا ثمن خطايا القيادات السياسية في بلده، وهما الصورتان التي تحرص هوليوود على تقديمهما في آخر ربع قرن.

أساطير هوليوود يخوضون الحرب العالمية بسلاح الكاميرا (جزء 1)

الصياغة العامة هنا لرجال الجيش، أقرب لأفلام الأربعينيات والخمسينيات، عندما كانت هوليوود تصيغهم كأبطال شرفاء يواجهون تحديات صعبة، وهم فخورون وسعداء بدورهم في خدمة الوطن.

لا عجب بالطبع بناء على كل ما سبق، أن الفيلم نال نصيبًا لا بأس به من هجمات أقلام اليسار، باعتباره ترويجًا لكل ما هو ضار من وجهة نظرهم.

وتشاء سخرية القدر بعد تأجيل عرض الفيلم لأكثر من عامين بسبب أزمة كورونا، أن يبدأ عرضه بالتزامن مع غزو روسيا لأوكرانيا، ليذكر الجميع أن شعارات اليسار ومزايداتهم ضد الوطنية والجيوش والأمن، لا محل لها من الإعراب على أرض الواقع، في عالم توجد أخطاره وتبدأ مشاكله الأكبر فعليًا دومًا، خارج أمريكا.

وكأن القدر قرر أن يجعل من صاروخ توم كروز السينمائي، الذي صنعه الأخير بعين تسعى للإتقان وتسلية الجمهور ليس إلا، صاروخًا سياسيًا واجتماعيًا أصاب أهدافًا أخرى دون قصد.

كيف ستقتل الصين أجندات المثلية والصوابية في هوليوود بالتواطؤ مع زومبي تويتر؟ | حاتم منصور

مافريك – اسم شخصية كروز في الفيلم – عاد إذن غالبًا في الوقت المناسب. الأمريكي المرح الشجاع المقاتل الذي يضع الواجب الوطني أولًا، وكل شيء آخر لاحقًا.

هذه شخصية أحبها الجمهور الأمريكي في الثمانينيات، واليوم يراها كثيرون ما ينقص أمريكا تحديدًا لتعود لأمجادها.

– النهاية حتمية يا مافريك، وأمثالك في طريقهم للانقراض.
– قد يكون هذا صحيحًا سيدي، لكن ليس اليوم.

الحوار السابق يتردد بين قائد عسكري يرى أن مستقبل السلاح الجوي للدرونز الموجهة بدون طيار، وبين البطل، لكنه أيضًا يصلح للإسقاط على الفيلم ككل كمشروع.

يوما ما مستقبلًا ربما بعد اكتساح الدرونز، ستصبح الأفلام من هذا النوع مصنفة كأفلام تاريخية، ومساوية لأفلام الفروسية التي يواجه فيها البطل العدو بالرمح والسيف.

في عيده الـ 20.. كيف غير “المصارع” هوليوود للأبد؟ | حاتم منصور

يوما ما مستقبلًا، ربما، سيسود البشرية وعي مختلف، لا مكان فيه للحروب والقتال، إلا في كتب التاريخ.

لكن ليس اليوم بالتأكيد.

باختصار:

ساعتان من التسلية والإثارة والمرح بروح الثمانينيات، مع نجم طيار يعرف جيدًا كيف يصيب أهدافه في سينما الأكشن، ويزداد مهارة في اختياراته يومًا بعد يوم.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك