كيف ستقتل الصين أجندات المثلية والصوابية في هوليوود بالتواطؤ مع زومبي تويتر؟ | حاتم منصور

كيف ستقتل الصين أجندات المثلية والصوابية في هوليوود بالتواطؤ مع زومبي تويتر؟ | حاتم منصور

16 Apr 2022
حاتم منصور
الصين الولايات المتحدة سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

تعريف مجتمع الميم: الأفراد مثليو ومثليات الجنس، ومزدوجو الميل الجنسي، والمتحولون والمتحولات جنسياً. سبب التسمية يعود لوجود حرف الميم في بداية المصطلحات السابقة.


اتهام هوليوود بتعمد حشر أجندات بخصوص المثلية الجنسية وقضايا مجتمع الميم، والصوابية السياسية، في أفلامها، بدأ على استحياء منذ سنوات.

اليساري سلافوي جيجيك: الصوابية السياسية هي تحديدًا ما يطيل عمر العنصرية | ترجمة في دقائق

اليوم لم يعد هذا الاتهام محور إنكار يذكر، بل وأصبحت شركات هوليوود العريقة نفسها ومنافسوها الأحدث مثل نتفلكس، تُصرح علانية عن إجراءات وضوابط إنتاجية لدعم هذه الأجندات – أو القضايا الاجتماعية – اذا استخدمنا المصطلح المفضل إعلاميا لديهم للحديث عنها.

هذا التوجه لم يعد يثير غضب أصحاب التوجهات المحافظة وحدهم، أو المصابين برهاب المثلية، بل أصبح أيضاً مستفزاً لجمهور غير محافظ، يبحث عن عمل فني جيد وقصص مسلية، دون حشو بأجندات وشخصيات ووعظ لا معنى لوجودهم داخل القصة.

Cuties | بيدوفيليا أم فن؟ | كيف دفع الفيلم الخطأ ثمن خطايا اليسار والصوابية السياسية؟ | حاتم منصور

وازداد الأمر استفزازاً مؤخرا، مع إصرار الجهات المانحة للجوائز مثل أكاديمية العلوم والفنون، المسئولة عن الأوسكار، على تكريم أفلام وأدوار متعلقة بهذه القضايا ومنحها أولوية.

هل يمكن أن نشهد قريبا نهاية لهذا التوجه انتاجياً؟ الإجابة قد تكون نعم، وكلمة السر قد تكون الصين.

للحكومة والرقابة الصينية اشتراطاتها الغريبة والمتعددة بخصوص السماح بعرض الأفلام الأجنبية، لكن يوجد وجه آخر اقتصادي للعملة.

السنوات العشر الأخيرة شهدت تضخما في إيرادات أفلام هوليوود داخل الصين، وبالأخص أفلام الأكشن والإبهار البصري، لدرجة أصبح معها السوق الصيني هو الأهم ومحور التركيز في إعداد الأفلام الضخمة، رغم سخافاته الرقابية.

كيف تعالج هوليوود أزمة تسويق الأفلام المثيرة للجدل؟ | حاتم منصور

المثال الأبرز على ذلك قد يكون فيلم دكتور سترينج Doctor Strange الذي بدأ عرضه عام 2016.

في الكومكس الأصلي الذي بدأ في الستينيات على يد ستان لي، تظهر شخصية “القديم” Ancient One كرجل عجوز من رهبان التبت.

وقتها كان المستهلك الرئيسي لقصص الكومكس هو المراهق الأمريكي والأوروبي، والصين دولة اشتراكية مغلقة لا تستهلك أى فنون ومنشورات أمريكية.

من الكومكس – Ancient One

تغير العالم، لكن بقيت معضلة أن رهبان التبت ضمن الفئات المحظور تمثيلها على الشاشات، طبقا لأعراف وقوانين الصين. وبالتالي قد يصبح وجود الشخصية بنفس الشكل والمواصفات السابقة في الفيلم، سببا لمنعه هناك.

كيف تتجنب مارفل أزمة من هذا النوع؟ الحل سهل. استبدل بالرجل امرأة ذات ملامح أوروبية، واحذف من الفيلم أى اشارات لجزئية رهبان التبت. الآن لم يبق في الشخصية أى صفات ومعطيات محظورة في الصين!

تيلدا سوينتون في فيلم Doctor Strange

واذا اعترض أحد في الإعلام على التغيير، واتهمك بالخضوع للغة المال، اسحقه فوراً بهجمة مرتدة ومزايدات مضمونها: تباً لك أيها الذكوري المتعفن الرافض لمنح النساء أدوارا متعلقة بالحكمة والقوة!

هذا ما حدث عندما قدمت الممثلة تيلدا سوينتون الشخصية، لينجو دكتور سترينج من تعنت الرقابة الصينية، ويحصد من الصين ما يقرب من 110 مليون دولار عام 2016.

لكن شهر العسل بين هوليوود والصين لم يستمر طويلا.

اشتدت موجة أجندات المثلية الجنسية والصوابية السياسية في الأفلام، وتزامن معها اضطرابات في العلاقات السياسية والاقتصادية بين أمريكا والصين، في عهد ترامب، الذي وجه صفعات قاسية لكيانات صينية مهمة كان أشهرها شركة هواوي.

عام 2021 بالأخص، شهد ضربات قاصمة من الصين لهوليوود، بعد أن رفضت السلطات الرقابية عرض مجموعة من الأفلام والسلاسل الأمريكية العالية التكلفة، التي اعتادت على انتزاع مئات الملايين من السوق الصيني.

أبرز الضحايا كانت ديزني، التي تعرضت لمنع 4 من أفلامها في سلسلة عالم مارفل السينمائي.

أفلام مارفل الممنوعة في الصين عام 2021

لا تعلن الصين عادة تفسيرات لقرارات الحظر، لكن يرى كثيرون أن السلطات الصينية تتعامل مع ديزني ومارفل بالأخص بطريقة عقوبية، على ضوء اختيار مارفل مؤخراً للصينية الأصل كلوى تشاو لإخراج فيلم Eternals رغم تاريخها في اطلاق تصريحات مناهضة لحكومة الصين.

بينما يرى آخرون أن الأمر أكبر من ذلك، وأن السلطات الصينية تناهض مؤخراً ديزني ومارفل بالأخص، بسبب اقحام الشخصيات المثلية جنسياً في الأفلام المنتجة، التي كان منها الأبديون Eternals.

المثلية الجنسية | كيف تحولت من رذيلة الشرق إلى رذيلة الغرب؟ | الزاوية البعيدة

ينسجم هذا مع التدابير الاستباقية والقيود الجديدة التي أعلنتها الصين، على كافة وسائل تسلية المراهقين، في ما عرف إعلاميا بإسم “قانون حماية الصغار المشدد”.

يهدف القانون الى “حماية الصحة البدنية والعقلية للقصر” وهو ما تسعى الصين لتطبيقه عبْر فرض قيود صارمة بشأن مقدار الوقت الذي يقضيه القاصرون على الإنترنت.

Web3 | آخر أيام الإنترنت بشكله الحالي.. لماذا البحث عن شبكة جديدة؟ | س/ج في دقائق

ويمتد إلى حظر على “الرجال المخنثين”، فرضته الإدارة الوطنية للإذاعة والتلفزيون في الصين، واجراءات لمكافحة تأثير الفنانين أصحاب تلك الهيئة، وتقليل تأثيرهم “الفوضوي” على الشباب والثقافة.

ما سبق طبقاً لنفس مصطلحات السلطات الصينية.

هوليوود في المقابل، ومع تصاعد تأثير أجندات التصالح مع المثلية الجنسية، ودعم مجتمع الميم، والصوابية السياسية، كانت تخطو للنقيض التام.

الشخصيات المثلية في فيلم Eternals

ديزني مثلا أكدت في 2021 أنها لن تسمح مستقبلاً بحذف في أفلامها بخصوص هذه الجزئيات والأجندات، في الأسواق العالمية، وأن زمن التساهل مع السلطات الرقابية قد انتهى.

كان هذا السبب في حظر بعض هذه الأفلام، في أسواق أخرى مشهورة بالرقابة المحافظة، مثل مصر والكويت والسعودية وقطر. الأربعة منعوا عرض فيلم “الأبديون” الذي يحتوي على قبلة رومانسية بين رجلين من مثليي الجنس.

غرائب الفتاوى (١)| في المثلية الجنسية.. الشريعة الإسلامية فضلت المرأة على الرجل| حسام أبو طالب

لكن تأثير المنع في الصين، له وضع آخر بلغة الأرقام، ويعني ببساطة خسارة المئات من ملايين الدولارات سنويا.

في أبريل 2022 ظهرت أولى علامات الخضوع، عندما أعلنت شركة وارنر الأمريكية، عن اعداد نسخة مختلفة للسوق الصيني من فيلمها الوحوش المذهلة: أسرار دمبلدور  Fantastic Beasts: The Secrets of Dumbledore

لقطة من Fantastic Beasts: The Secrets of Dumbledore

طبقا لتصريح وارنر، فقد حذفت من الفيلم 6 ثوان بناء على طلب السلطات الرقابية في الصين، تتضمن حوارا بخصوص علاقة الحب المثلية القديمة بين الساحر دمبلدور (جود لو في الدور) والساحر جريندل فالد (مادس ميكلسن في الدور).

مؤلفة الفيلم والروايات جي كي رولينج سبق أن أعلنت مثلية شخصية دمبلدور عام 2009 لكن لم تتطرق روايات وأفلام هاري بوتر السابقة لهذه الجزئية بوضوح.

ديف تشابيل | الرقص على حبال الصوابية بـ 50 مليون دولار! الكوميديا بديلا عن “الفنانين” | أمجد جمال

قبول شركة وارنر لشروط الصين، واعلانها أن “روح الفيلم لم تتغير رغم الحذف” فتحا الباب سريعاً للهجوم عليها عبر تويتر ومنصات السوشيال ميديا، من أنصار الصوابية السياسية، الذين اعتبروا موافقة الشركة على حذف حوار من هذا النوع إهدارا لقيم التعددية المطلوبة، واستهزاء بمجتمع الميم وكفاحه وقضاياه.

لكن يبدو أن وارنر لا تبالي، وتنظر لموجة المزايدات باعتبارها شىئا سينتهي.

بالمقابل وعلى ضوء تصالح وارنر مع اشتراطات السوق الصيني، أصبح الوضح محرجا وخانقا للغاية في إدارة ديزني، بين اختيارين أكثر مرارة من بعضهما في الفترة المقبلة:
1- الاستمرار في رفض شروط الصين الرقابية، وبالتالي خسارة المئات والمئات من الملايين سنويا.

2- قبول هذه الشروط، والموافقة على حذف هذه المشاهد والمقاطع، للعرض في الصين، وبالتالي فتح أبواب الجحيم أمام مزايدات أخلاقية لا تنتهي، وهجمات هستيرية لا حصر لها ضد ديزني من أنصار الصوابية السياسية ومشاهير مجتمع الميم، وزومبي ثقافة الإلغاء على تويتر وأقرانه.

الأيام القادمة ستخبرنا بالمسار الذي ستسلكه ديزني، لكن أميل للاقتناع أن الشركة ستجنح لمسار مماثل لوارنر، لأن المكسب هو المعادلة الأهم للمستثمرين، خاصة في فترة صعبة على هوليوود بسبب تداعيات أزمة كورونا العالمية.

التأثير الآخر الإداري المرجح مستقبلا، قد يكون التراجع عن إجراءات حشر شخصيات وأجندات دعم مجتمع الميم عامة، في سلاسل وأفلام هوليوود العالية التكلفة، كاستباق لأزمات: هل نوافق على الحذف المطلوب أم لا؟

المسألة بسيطة ومنطقية. اذا ابتعدت عن زرع شخصيات ومشاهد وحوارات خاصة بالمثلية الجنسية، قد يختفي من حياتك صداع المزايدات والضغوط والمشاكل الناتج عنها!

لكن يبقى سؤال أخطر وأهم: هل سينال هذا الخضوع من هوليوود الرضا أصلاً لدى الحكومة الصينية، لتعود الأفلام الأمريكية لالتهام حصتها من كعكة الإيرادات في الصين؟

الحزام والطريق| ماذا أنجزت الصين حتى الآن في تأسيس “نظامها العالمي الجديد”؟| س/ج في دقائق

أم أن أنصار هستيريا “الحفاظ على الثوابت والهوية الصينية” قد أصبح لهم الكلمة العليا في صناعة القرار بالنسبة للتنين الصيني، وفات أوان التصالح مع المارد الأمريكي، في السينما أو غيرها؟

الأيام القادمة وحدها ستخبرنا.

 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك