Nomadland | كيف تصنع فيلمًا مملًا بالمواصفات القياسية لليسار والجوائز؟ | حاتم منصور

Nomadland | كيف تصنع فيلمًا مملًا بالمواصفات القياسية لليسار والجوائز؟ | حاتم منصور

10 Jan 2021
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

من السهل أن تحب فيلمًا يتضمن أفكارًا ورسائل سياسية لا توافق قناعاتك، طالما احتفظ هذا الفيلم فنيًا بعناصر تميز وإجادة فعلًا. لكن عندما ينال فيلم سيل تكريم وتلميع لا يستحقه، لمجرد توافقه مع أجندات سياسية، يصبح من الحتمي أن تنفر منه.

من السهل أيضًا أن ترضى نسبيًا عن فيلم متوسط أو فوق المتوسط بقليل، طالما شاهدته وأنت لا تتوقع الكثير منه. لكن عندما تسبقه سمعة مضمونها أنه من علامات العام، وسلسلة من الجوائز المهمة، ستتحول تجربة المشاهدة غالبًا إلى حالة إحباط وإحساس بالخداع.

أهم أفلام 2021 | 20 فيلمًا ينتظرها الجمهور بحماس | حاتم منصور

فيلم أرض الرحالة Nomadland ينطبق عليه ما سبق، بعد أن حصد سلسلة جوائز مهمة بدأت بجائزة أفضل فيلم من مهرجان فينيسيا، وكان آخرها حتى لحظة كتابة هذه السطور جائزة أفضل فيلم وإخراج من الجمعية الوطنية الأمريكية لنقاد السينما.

مسار تكريم يوحي بالكثير بالعظمة، يوازيه سيل تحليلات صحفية ونقدية تراه الأحق بالفوز بأوسكار أفضل فيلم هذا الموسم. لكن الآن، بعد مشاهدة الفيلم نفسه بمستواه المتواضع، يصبح السؤال الإجباري: ما هو المميز في Nomadland إذن لينال كل هذا التلميع، ما دام فنيًا لا يملك الكثير؟

إعلان Nomadland

الأحداث في نومادلاند عام 2012 عن أرملة فقيرة تجاوزت الستين. فقدت بالإضافة إلى زوجها منزلهما التابع لإحدى المناطق الصناعية بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008. وهو ما جعلها تعتبر سيارتها المتواضعة منزلها المتنقل الجديد، ووسيلتها أيضًا للانضمام إلى مجتمع يعيش بنفس الطريقة ولا يعرف الاستقرار، يمكن تسميته مجازًا بــ”الرحالة”.

لدينا إذن عمل محوره الطبقة المفضلة دومًا لليسار (العمال). والشخصية الرئيسية فيه من الفئة المفضلة للمرحلة النسوية الهوليوودية الحالية (أنثى). ورسالته هي إدانة المنظومة التي تركت أمثال البطلة فقراء ويراها اليسار منهجًا ضارًا (الرأسمالية الحديثة).

كيف أصبحت الأجندة النسوية المعاصرة في هوليوود منفرة؟

وإذا كان كل ما سبق لا يكفي للتلميع والتكريم في دوائر اليسار والنسوية، فمن الجدير بالذكر أن إخراج وسيناريو الفيلم يخص أنثى (كلوي تشاو)، وأنها صينية، أي من الفئة التي يرى اليسار أنها تعرضت لظلم واضطهاد مؤخرًا بسبب أزمة كورونا.

وللمزيد من الطرب اليساري، اختارت المخرجة استخدام ممثلين غير محترفين من الرحالة الحقيقيين في الفيلم، ولم تستثني من ذلك إلا الثنائي الرئيسي الذي يلعب دوره (فرانسيس ماكدورماند – ديفيد ستراثيرن). كلاهما بالمناسبة الحسنة اليتيمة للفيلم، والطرف الوحيد الذي يستحق إشادة فنية أو ترشيحات لجوائز.

من اليمين: المخرجة كلوي تشاو – الممثلة فرانسيس ماكدورماند

فرانسيس ماكدورماند التي حازت على الأوسكار مرتين سابقًا بفضل فيلمى Three Billboards Outside Ebbing Missouri – Fargo تمنح الفيلم هنا وشخصيتها مصداقية، وتنقذ بعض المقاطع المملة فيه (وما أكثر المقاطع المملة). والواضح أن حماسها للقصة والمشروع كان كبيرًا، لأنها أيضًا المنتجة.

لكن عيوب Nomadland يستحيل علاجها حتى مع ممثلة بهذا الوزن، وأهم عيوبه لم تكن بطء الإيقاع وان كان يعاني بالتأكيد من هذه المشكلة، لكنها كانت تذبذبه الدائم بين رسالتين دراميًا.

Soul | روح بيكسار تعود في أفضل حالاتها – الحياة الآخرة في أسئلة الحياة الدنيا| حاتم منصور

في الرسالة الأولى يدين الفيلم المنظومة التي نتج عنها فقراء يعيشون بهذه الطريقة البائسة. وفي الرسالة الثانية يبارك الفيلم هذه الطريقة باعتبارها حياة فلسفية ثرية شاعرية، لا يفهم عظمتها وعمقها البشر العاديون الذين يهدرون حياتهم البائسة في مطاردة أوهام الثروة والتحسن المعيشي.

بين الرسالتين المتناقضتين يضل Nomadland طريقه دراميَا، ويتركنا دون أن نعرف هل يجب إذن أن نشفق على البطلة كضحية؟ أم أن نحسدها كفيلسوفة؟ وإذا كان المطلوب أن نحترم ونقدر طريقة الحياة المختلفة التي اختارتها حتى عندما أتيح لها فرصة تغييرها، فلماذا إذن يميل الفيلم في مقاطع أخرى لإدانة من اختاروا طرقًا أخرى؟!

مشاهد من Nomadland

أزمة Nomadland أنه يريد أن يحتفظ بالكعكة وأن يأكلها في نفس الوقت. وربما بسبب هذا يملك كل ما يمكن أن يجذب أصوات فنان يساري هوليوودي ثري يعيش في قصر ويحاضرنا عن البساطة والزهد، ويجعله يشعر أنه يساهم في عمل أخلاقي بهذا التصويت. وربما سيحصد جائزة أوسكار أفضل فيلم فعلًا، على ضوء حجم التلميع الحالي.

لمن ستبتسم أوسكار 2021 ؟ عشر دلائل وعلامات تساعد على غش الإجابات | حاتم منصور

لكن إذا حدث هذا – وأتعشم ألا يحدث – فسيصبح أمامنا سقطة جديدة للأوسكار جماهيريًا، واختيار آخر تتراجع به أسهمها عالميًا، لتصبح جائزة أخرى لا تهم الجمهور، كجوائز مهرجانات السينما، التي يعتبرها ملايين ختم يدل على أن العمل الفائز يفتقد إلى أ-ب سينما (التسلية)، وهو ما ناقشناه بالتفصيل في مقال سابق.

ويظل الأمل قائمًا في أن ينجح فيلم جماهيري ومسلٍ فعلًا في خطف الجائزة منه، تمامًا كما خطف فيلم الكتاب الأخضر Green Book الجائزة منذ عامين من فيلم روما، بعد أن حصد الأخير الكثير من الجوائز التي يمكن اعتبارها مؤشرًا للأوسكار، وامتلك أيضًا العديد من نقاط الأجندات المتوفرة في فيلمنا هنا (قصة نسوية – بطلة فقيرة تعاني – مخرج من أصول عرقية غير أوروبية).

Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية‎ | حاتم منصور

لنأمل أن تستقر الأوسكار في حضن فيلم مسلٍ ومتميز فعلَا، وقادر على إرضاء ملايين، بدلًا من فيلم ممل يسهل نسيانه من نوعية Nomadland.

باختصار:

أداء فعال من القديرة فرانسيس ماكدورماند، في فيلم لا يملك أي شيء مميز آخر يستحق الإشادة، لكنه يغازل كل الرسائل والأجندات والأفكار، التي يريد اليسار والتيارات النسوية تلميعها وتقديسها بلا استثناء.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك