“سنعرف مستقبلًا هل سينجح كودا في الانضمام لحلبات الأوسكار هذا العام أم لا، وهل ستنال مؤلفته ومخرجته سيان هيدر التقدير مع الممثلين، أم أن بساطة الفيلم واحتواءه على بعض الكليشيهات، ستصبح حائطًا منيعًا ضد هذا”.
المقطع السابق كان ضمن فقرات مراجعتي لفيلم “كودا” في شهر سبتمبر الماضي. وقتها كان الانطباع العام، أن هذا فيلم يمكن أن يترشح، ولكن يصعب أن يفوز.
CODA | أن تسمع بقلبك حكاية أسرة من الصم والبكم | حاتم منصور
هذا لأن كودا بطابع بسيط إخراجيًا وغير متكلف، وبإطار سرد عام يخلو من أي إدانة وهجوم على الفئة الأكثر استهدافًا طبقًا لأجندات اليسار والفيمنست الحالية:
الذكر/الأبيض/المغاير جنسيا!
وعندما ظهرت ترشيحات الأوسكار في فبراير، تأكد هذا الانطباع أكثر وأكثر عن فرص الفيلم شبه المعدومة في الفوز بالجائزة الكبرى، عندما حصد 3 ترشيحات فقط كأفضل (فيلم – سيناريو مقتبس – ممثل مساعد).
تشير الأرقام والإحصائيات، إلى ارتباط وثيق بين احتمالية الفوز بأوسكار أفضل فيلم، وثلاثة معطيات أخرى:
1- الترشح لأوسكارات عديدة مقارنة بالمنافسين.
2- الترشح للأوسكار كأفضل إخراج.
3- الترشح للأوسكار كأفضل مونتاج.
علاقة فيلم كودا بهذه المعطيات كانت عكسية:
1- مرشح لـ 3 أوسكارات فقط إجمالًا.
2- لم يُرشح لأفضل إخراج أو مونتاج.
قصة المونتاج.. الفن الذي ميّز السينما عن بقية الوسائط | أمجد جمال
إلى أي درجة هذه المعطيات ضرورية للفوز بأوسكار أفضل فيلم؟ لنقل فقط إن آخر مرة حقق فيها فيلم هذه المعجزة بنفس معطيات كودا كانت في الثلاثينيات!
في المقابل، كان من السهل على كثيرين، ترجيح فيلم قوة الكلب The Power of the Dog للفوز بالجائزة الكبرى، بعد تصدره ترشيحات الأوسكار، على ضوء توفر كل المعطيات المطلوبة به:
ولكن حدثت المعجزة، وهو ما يدفعنا للتساؤل: كيف فعلها كودا، وما دلالات ذلك بخصوص مستقبل الأوسكار؟
في حفل توزيع جوائز “اختيار النقاد للأفلام” يوم 13 مارس، حصدت جين كامبيون مخرجة فيلم قوة الكلب جائزة أفضل مخرجة. وفي خطبتها السمجة لتمجيد نفسها، ولزيادة فرصها في الفوز بالأوسكار لاحقًا، أشارت إلى نجمتي التنس (سيرينا ويليامز – فينيسيا ويليامز) الحاضرتين في الحفل وقالت:
“أنا من كبار المعجبين بتاريخكما العظيم في التنس، لكن على عكسي، لا تضطر أي منكما في مبارياتها للمنافسة مع الرجال”.
خطبة جين كامبيون
لم تقصد كامبيون بالتأكيد أي تقليل من النجمتين، لكن في عالم معاصر مهووس بالصوابية السياسية، لا يوجد ما هو أسوأ من أن تكون أبيض البشرة، وأن تجرؤ رغم ذلك على تصنيف نفسك كصاحب قصة كفاح أكبر وأهم، من شخص أسود البشرة!
ما حاولت كامبيون صيده بهراء النسويات والمزايدات، انتهى بها كضحية على مقصلة الصوابية السياسية، بعد أن انقلب تويتر ضدها. ورغم اعتذارها لاحقًا عن الجملة، كان الضرر قد حدث، وبدأ نزيف الأصوات لفيلمها، وسط الفئات التي راهنت على أصواتها أكثر من غيرها.
اليساري سلافوي جيجيك: الصوابية السياسية هي تحديدًا ما يطيل عمر العنصرية | ترجمة في دقائق
لعقود، ظلت الأوسكار شهادة ضمان، أن الفيلم الفائز مسلٍ ويستحق المشاهدة، ويملك مزيجًا متوازنًا بين (النزعة الجماهيرية + الإبداع الفني).
هذا المزيج لا يكفل له فقط النجاح وقت عرضه، لكنه يضمن دوام الأهمية الجماهيرية للأجيال التالية، مثل كلاسيكيات قبله.
تأمل مثلًا الأفلام الفائزة في التسعينيات:
الرقص مع الذئاب – صمت الحملان – غير متسامح – قائمة شندلر – فورست جامب – القلب الشجاع – المريض الإنجليزي – تيتانك – شكسبير عاشقًا – الجمال الأمريكي – المصارع.
هذا الطابع الجماهيري المسلي متوفر بالفعل في كودا، وهو ما لا يمكن قوله عن منافسه قوة الكلب. وبالتأكيد لا يمكن قوله أيضًا عن الفيلم الممل الفائز بالأوسكار العام الماضي (نومادلاند).
Nomadland | كيف تصنع فيلمًا مملًا بالمواصفات القياسية لليسار والجوائز؟ | حاتم منصور
رغم ما ذكرناه عن بساطة كودا في المراجعة النقدية عنه، كان ختامها:
أغلب أبطالنا لا يتحدثون. لكن ستسمعهم بقلبك، في فيلم سيضحكك ويبكيك بنفس الدرجة، وضمن علامات العام.
اختار إذن الكثير من أعضاء الأكاديمية التصويت بقلوبهم، دون أي تعقيدات أخرى، ومن الجيد معرفة هذا؛ لأن العواطف هي تحديدًا ما يجب أن يحركه أي فيلم.
أفلام لنتفلكس نافست على الأوسكار
فرضت المنصات نفسها على ساحة صناعة وتسويق الأفلام، في السنوات الأخيرة، ونافست نتفلكس على الجائزة جديًا أكثر من مرة دون فوز، بالأخص مع فيلم روما في موسم 2018.
دفع هذا البعض للاعتقاد أن تيار الرفض للمنصات هو السبب؛ لأنه لا يمنح صوته أبدا لفيلم يخصها، مهما كانت جودته.
عالم الجزر المنعزلة | 3 فقاعات تدفعك إليها منصات المشاهدة الإلكترونية | أمجد جمال
فاز كودا المملوك لمنصة آبل بالجائزة الكبرى، وأصبح أول فيلم منصات يفعلها، وشهادة إثبات أن هذا التيار الرافض أقل عددًا مما تخيل كثيرون، وأن الأوسكار لا يخاصم المنصات.
قد يكون ما نقص من “روما” إذن هو نفسه ما نقص “قوة الكلب” هذا العام، هو نفسه أ-ب سينما بالنسبة للجمهور:
التسلية.
ورغم كل ما يقال عن سطوة الأجندات السياسية والنسوية على التصويت، فالواضح أنه لا يزال في الأوسكار جبهة تمانع هذا الهراء، وبعدد معقول.
هذه الجبهة كانت سبب ترجيح الفيلم اللطيف المسلي جرين بوك منذ أعوام، على منافسيه الأبرز الذين تفنن الإعلام اليساري في تلميعهم أكثر وقتها، لأسباب متعلقة بالأجندات، ومنهم فيلم روما.
Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية | حاتم منصور
هذه الجبهة كانت أيضًا غالبًا سبب ترجيح كفة القدير أنتوني هوبكنز، للفوز بالأوسكار كأفضل ممثل العالم الماضي، عن دوره في فيلم الأب، رغم الضغوط ومحاولات الإبتزاز الإعلامية، لفرض النجم الأسود الراحل شادويك بوسمان وفيلمه على الجائزة، كما لو كان الأحق بها.
The Father | أنتوني هوبكنز ضد الوحش الأكثر رعبًا على الاطلاق (كبر السن) | حاتم منصور
ليس من المبالغة إذن أن نعتبر فوز كودا بمثابة خطوة أخرى مهمة، لعودة الأوسكار لوزنها ودلالتها وجمهورها، وأن نتعشم نهاية قريبة لكل أنواع الهراء والمزايدات الحالية.
كيف أصبحت الأجندة النسوية المعاصرة في هوليوود منفرة؟ | حاتم منصور
أما بالنسبة للأفلام المملة من نوعية قوة الكلب ونومادلاند، فهناك فعلا جهات مختصة بتكريمها منذ عقود وعقود دون جدوى جماهيريًا، اسمها مهرجانات السينما.
موضوعات متعلقة
نسخة للطباعة
