The Father | أنتوني هوبكنز ضد الوحش الأكثر رعبًا على الاطلاق (كبر السن) | حاتم منصور

The Father | أنتوني هوبكنز ضد الوحش الأكثر رعبًا على الاطلاق (كبر السن) | حاتم منصور

29 Mar 2021
حاتم منصور
سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

التصنيف الأدق سينمائيًا ونقديًا لفيلم الأب The Father هو (الدراما). لكن بعيدًا عن الرسميات، وبالنظر لتأثير الفيلم الوارد على البعض، يمكننا بالتأكيد أن نصنفه كفيلم رعب بدرجة ما، أو ربما بدرجة قصوى.

أفلام الرعب التقليدية تترك عادة أثرًا مؤقتًا على المتفرج. في النهاية يعلم أغلبنا أنه في الحياة الواقعية لن يواجه أبدًا أخطار مسوخ من عالم آخر، أو أشباح، أو زومبي، أو غزاة فضائيين، أو سمكة قرش، أو غيرها من العناصر التي صالت وجالت في أفلام الرعب.

أنجح 10 أفلام رعب في التاريخ |حاتم منصور

في الأب The Father نواجه رعبًا حقيقيًا، يُحتمل أن نتعرض له فعلًا، أو أن يتعرض له أحد من أحبائنا، وهو تدهور الصحة العقلية والذاكرة مع التقدم في السن. المشكلة التي اعتدنا مؤخرًا أن نصفها بمرض ألزهايمر رغم أنها تشمل أمراضًا وأعراضًا أخرى، لا تندرج تحت هذا التصنيف من الناحية الطبية.

ما ينتزعه ألزهايمر وغيره من الأمراض المماثلة، ليس الصحة الجسمانية، وإنما ببساطة علاقة المريض بمن حوله، وطبيعة نظرتهم وتعاملهم معه. وما يحطمه بالأساس هو كبرياء الانسان واحترامه لذاته ووجوده.

إعلان فيلم The Father

المخضرم أنتوني هوبكنز يلعب في “الأب” دور عجوز من هؤلاء. وخلال دقائق من بداية الفيلم، سنعرف أنه مصمم دومًا على إنكار مرضه، وأنه يعتبر نفسه في خير حال، رغم أن ما نشاهده يؤكد العكس.

ما يميز The Father عن غيره من الأفلام التي تناولت نفس المرض، هو أنه لا يضعنا كمشاهدين في خانة الفرجة على أحد ضحاياه، بل يلقينا في قلب المنحة القاسية نفسها، ويمنحنا تجربة سينمائية وشعورية متكاملة، عن طبيعة حياتنا وأفكارنا عند الإصابة بهذا المرض.

علاج الألزهايمر: “اللعبة تتغير”.. الحل في شبكية العين | الحكاية في دقائق

أغلب الوقت نتابع الأمور بنفس منظور البطل المشوش، الذي يختلط فيه كل شيء وأى شيء تدريجيًا، ونحاول جاهدين أن نحلل المعطيات ونفك اللغز، للوصول إلى تفسير وترابط منطقي لما نشاهده/يشاهده. لكن بمرور الأحداث سنصل لنفس الإحساس المرعب الذي يراود بطلنا: ماذا يحدث لي؟!

أنتوني هوبكنز في The Father

التجربة ككل مؤلمة وقاسية عند المشاهدة، وبالتأكيد لا يمكن تصنيف الأب كفيلم خفيف أو مرح، رغم احتوائه على بعض المشاهد المرحة فعلًا.

لكنها تجربة سينمائية مختلفة ومؤثرة لدرجة تجعل الأب واجب المشاهدة، تمامًا كفيلم صوت الميتال Sound of Metal الذي تعرضنا له منذ فترة قصيرة، ويدمجنا أيضًا في لعبة شعورية مماثلة، أساسها معايشة الأمور من نفس منظور البطل.

Sound of Metal | لماذا يستحق أوسكار أفضل صوت دون منازع؟ | حاتم منصور

الأب هو التجربة الإخراجية الأولى في الأفلام الروائية للفرنسي فلوريان زيلر، وسيتعجب البعض ربما من فكرة أن يوافق نجم من عيار أنتوني هوبكنز على المشاركة في تجربة أولى لمخرج، لكن لهذه الموافقة أسباب تبررها.

فلوريان زيلر

أول هذه الأسباب أن فلوريان زيلر كتب هذه القصة كمسرحية أولًا. بدأ عرضها في فرنسا عام 2012 بنجاح جماهيري ونقدي كبير وصل بالبعض لدرجة وصفها بمسرحية العقد. بفضل هذا النجاح انتقلت سريعًا للغات أخرى، وبدأ عرضها في دول متعددة.

هل تريد معرفة أول ممثل قدم النسخة الأمريكية من المسرحية؟

فرانك لانجيلا عام 2016 وحاز على جائزة توني المسرحية عن الدور

ثاني هذه الأسباب قد تكون مشاركة كريستوفر هامبتون في كتابة سيناريو الفيلم. هامبتون له تاريخه كسيناريست سينمائي، ونال جائزة الأوسكار عام 1989 عن فيلم علاقات خطرة Dangerous Liaisons.

كريستوفر هامبتون

تنقلنا الفقرات السابقة لسؤال إجباري: هل أصبح لدينا في النهاية فيلم سينمائي الطابع فعلًا؟ أم مجرد شريط سينمائي آخر يحتوي على مسرحية تدعي أنها فيلم، على غرار Ma Rainey’s Black Bottom على سبيل المثال؟

Ma Rainey’s Black Bottom | أسرار الهروب من سجن العنصرية لتذكرة أوسكار | حاتم منصور

رغم أن أغلب أحداث الأب The Father تدور في مكان واحد، وأن طابع السرد فيه يعتمد على الحوار – كلاهما صفات مسرحية بالأساس – لكنه ينجح في اكتساب طابع السينما بشكل أفضل من غيره من الاقتباسات المسرحية؛ لأن جزءًا كبيرًا من تشوش البطل بخصوص الشخصيات والأحداث، نلامسه بصريًا.

لعبة التشويش البصرية التي يلعبها معنا المخرج تشمل أدوات مباشرة وواضحة جدًا مثل الممثلين. لكنها لا تتوقف عند هذا الطابع، وتشمل معه عناصر أخرى مثل الديكورات.

يوجد تغير بسيط جدًا فيها من مشهد لمشهد، بشكل يخدم القصة وأزمة البطل، وإحساس التشوش الذي يستهدف المخرج زرعه فينا تدريجيًا.

لكن المميز في قرارات فلوريان زيلر في فيلم الأب، قد لا يكون ما قرر أن يقدمه كمخرج، بقدر ما هو: ما قرر أن يتجنبه كمخرج!

مع حبكة الفيلم التي لا تخلو من طابع كابوسي، سيميل مخرجون آخرون غالبًا للضغط بشكل أكثر حدة على مفاتيح الضغط العصبي والصدمات عند المتفرج، ولتكثيف أدوات مثل التقطيع السريع، والحركة العنيفة للكاميرا، والموسيقى الموترة.. إلخ.

مالكوم وماري | كثير من الجنس في حكاية عن تعقيدات العلاقات الزوجية | أمجد جمال

استبعد زيلر كل الأدوات السابقة. ربما لكونها أدوات تنتمي لمدارس أمريكية بالأساس وهو فرنسي. وربما لكونه قادما من عالم المسرح وغير مخضرم في استخدامها. وربما لأنه أراد طابعا أكثر واقعية لفيلمه. وربما لسبب ما رابع.

أيًا كان السبب، فالمستفيد الأكبر من هذا النهج كان طاقم الممثلين. خفوت الأدوات السينمائية الأخرى بلور أداءهم أكثر وأكثر، ولم يقاطع عملهم بأية مقاطعات.

أوليفيا كولمان تلمع هنا في دور ابنة البطل، وتثبت أن الأوسكار التي حصدتها منذ عامين عن The Favourite لم تكن وليدة فترة تألق فني قصيرة في دور واحد، بل وليدة موهبة حقيقية.

البعض يفضلونها نسوية في The Favourite | حاتم منصور | دقائق.نت

الشخصية هنا قد لا تحمل نفس حجم تعقيدات شخصية The Favourite من حيث الدوافع، بل هى أقرب لابنة بسيطة لا تعرف بالضبط كيف يمكنها أن تساعد والدها المسن. ومساحة إبداعها الأبرز هى ردود فعل بالأساس. وردود فعل صامتة تحديدًا، ومن النوع الذي يحتاج إلى ممثل ذكي، يعرف جيدًا كيف يمكن أن تلخص نظرة خاطفة، أو إيماءة بسيطة بالرأس، الكثير والكثير من الانفعالات.

أوليفيا كولمان في The Father

رغم مجهوداتها في الدور، وترشيحها المستحق للأوسكار، يمكن القول أن أداءها البارع كان معرضًا للطمس أغلب الوقت، بسبب أنتوني هوبكنز.

الدور أفضل وأهم ما قدم منذ دور هانيبال ليكتر في صمت الحملان. والطريقة التي ينتقل بها سريعًا من شخص لطيف، لشخص عصبي أو عدواني، لشخص مشوش، لشخص متردد، لشخص خائف.. لعشرات الانفعالات الأخرى، تدفعنا للتساؤل: هل يوجد من قدم ما هو أفضل تمثيليًا مؤخرًا؟ وهل من المبالغة أن نصنف الدور ليس فقط كالأفضل هذا العام، بل كواحد من علامات أخر عقد أو عقدين؟

صمت الحملان | الصوت الهادر الذي زلزل هوليوود والأوسكار للأبد | حاتم منصور

الحبكة تستدعي مشاهد وتحديات شديدة التعقيد سواء من حيث تعبيرات الوجه، أو لغة الجسد. وفي الاثنين ينجح دومًا بامتياز.

الأب في الحقيقة فيلم لا يستفيد فقط من قدرات أنتوني هوبكنز كممثل، بل يستفيد أيضًا من تاريخه وهويته السينمائية المحفورة في أذهاننا. هذا نجم اعتدنا دوما أن نراه في دور الحكيم المخضرم الأكثر قدرة على قيادة ونصح من حوله.

هنا الأمور معكوسة 180 درجة. وجزء من عواطفنا وآلامنا ونحن نشارك البطل محنته نابع من تواجد هوبكنز في الدور. تاريخه كممثل يخلق في أذهاننا بسهولة قناعة أن أنتوني الذي نراه في الفيلم لم يكن كذلك نهائيًا قبل مرضه وشيخوخته.

الطريف أكثر وأكثر، أن مخرج الفيلم قد قرر تسمية الشخصية الرئيسية أنتوني، ومنحها أيضًا بعض سمات هوبكنز الحقيقية، ومنها مثلًا تاريخ الميلاد.

هذه واحدة من لحظات المجد السينمائية، التي تتوقف فيها للتساؤل بحيرة: من استفاد من الثاني أكثر؟ الممثل أم الفيلم؟

10 اختيارات تمثيلية رفضها الجمهور ثم أثبتت صحتها | حاتم منصور

أيًا كانت الاجابة، فقد نال هوبكنز عن جدارة ترشيحًا جديدًا للأوسكار. وسواء فاز بالجائزة فعلًا، أو اتجهت بوصلتها لشادويك بوسمان بسبب هراء ومزايدات الصوابية السياسية، فالتاريخ مستقبلًا محسوم لهوبكنز كصاحب أكثر أداء، سيستقر في ذاكرتنا للأبد من موسم 2020.

على ذكر الأوسكار، قد تجدر الاشارة إلى أن تصميم الديكورات كان ضمن 6 فروع ترشح فيها الأب هذا الموسم (فيلم – سيناريو مقتبس – مونتاج – تصميم إنتاج/ ديكور – ممثل/ أنتوني هوبكنز – ممثلة مساعدة/ أوليفيا كولمان).

الترشيح في فرع تصميم الإنتاج عادة يذهب للأفلام ذات التكلفة العالية أو التاريخية الطابع. لكن نظرًا لأن الديكورات والمكان في الأب عنصر موظف بشكل فعال جدًا ومبتكر في التجربة السينمائية، مالت الأوسكار لترشيحه، في قرار يستحق الإشادة.

لمن ستبتسم أوسكار 2021 ؟ عشر دلائل وعلامات تساعد على غش الإجابات | حاتم منصور

لنأمل أن نوجه إشادة مماثلة للأوسكار يوم النتائج، إذا توجهت بوصلة جائزة أفضل ممثل لهوبكنز. رغم أن معطيات اللحظة ومزايدات الصوابية السياسية تجعل شادويك بوسمان الأقرب لهذا الفوز غير المستحق (شخصيا أراه بالمناسبة صاحب الأداء الأقل بين المرشحين الخمسة).

أما عن رعب The Father كتجربة سينمائية، فهناك طريقة قد تفيدك لنسيانه. عندما ينتهي الفيلم، وتراودك مخاوف المرض وكبر السن، ذكر نفسك أن خلف هذه الشخصية التي صدقتها إلى أقصى درجة، ممثل عجوز عمره 83 عامًا، ولا يزال في أفضل حالات الصفاء العقلي والتركيز، لدرجة تقديم أداء بهذه البراعة!

لماذا التشاؤم إذن؟ قد تكون من القادرين على الوصول لنفس السن، وأنت في حالة توقد ذهني وإبداعي بنفس الدرجة!

باختصار:

سيناريو ذكي، أنتج دراما قوية ومؤثرة. وتجربة سينمائية من أهم علامات العام، تم ترقيتها أكثر وأكثر بأداء يستحيل نسيانه من العملاق أنتوني هوبكنز.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك