أسطورة الأمن المطلق | هل تبني أمريكا نعشها بميزانية تقارب التريلون دولار؟! | ترجمة: سامح سمير

أسطورة الأمن المطلق | هل تبني أمريكا نعشها بميزانية تقارب التريلون دولار؟! | ترجمة: سامح سمير

2 Apr 2022
سامح سمير دقائق.نت
الولايات المتحدة
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

افتتاحية جلوبال تايمز: الولايات المتحدة لا تستطيع شراء “الأمن المطلق” بالإنفاق العسكري الباهظ – ترجمة: سامح سمير


يوم الاثنين، بالتوقيت المحلي، أرسل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الكونجرس مشروع الميزانية للسنة المالية 2023، والذي جذب انتباه الرأي العام لاحتوائه على مقترح بتخصيص مبلغ قدره 813.3 مليار دولار أمريكي لنفقات الدفاع والأمن القومي.

“إنه أحد أضخم الاستثمارات في أمننا القومي على مدار التاريخ”، بحسب جو بايدن. وقد شدد في خطابه عن مشروع الميزانية على “إننا نواجه مجددًا منافسة متزايدة من دول أخرى – الصين وروسيا – بما يتطلب ضخ الاستثمارات في مجالات مثل الفضاء الخارجي، والفضاء السيبراني وغيرها من القدرات المتطورة بما في ذلك فوق الصوتيات.

وأضاف أيضًا: “أمريكا سوف تكون أكثر ازدهارًا، وأكثر نجاحًا، وأكثر عدلًا، عندما تكون أكثر أمنًا”.

هدف الأمن المطلق

لا يسع المرء إلا أن يتساءل عما يكفي لكي يجعل الولايات المتحدة تشعر بأنها “أكثر أمنًا؟

فعدم وجود أي أعداء معتبرين، في شمالها وجنوبها، ليس كافيًا.

والتمتع بمميزات جغرافية طبيعية بفضل وقوعها بين محيطين ليس كافيًا.

وامتلاكها أكبر قوة عسكرية في العالم، ليس كافيًا.

وامتلاكها ميزانية عسكرية تبلغ 813.3 مليار دولار، بما يمثل نحو 40% من مجموع الإنفاق العسكري العالمي، بالقطع ليس كافيًا أيضًا.

تسعى الولايات المتحدة لتحقيق الأمن المطلق. ويحسب هذا المنطق، لا وجود لـ “حد أقصى من الأمن”، بل فقط “المزيد من الأمن.”

وهكذا، فإنه في أمريكا، حيث المجتمع منقسم على ذاته، والأحزاب السياسية منخرطة في مواجهة مفتوحة بعضها مع بعض، تجد النخب الحاكمة تتبنى جميعًا موقفًا موحدًا تقريبًا بشأن زيادة الإنفاق العسكري.

5 إجراءات لترامب جهزت الجيش الأمريكي للمعركة المقبلة | قوائم في دقائق

كسر حاجز التريليون دولار

بيد أن هذا ليس المبلغ النهائي. حيث من المرجح أن يعمد الكونجرس إلى زيادته مرة أخرى. إذ يبدو أن ثمة “توجها” معين في هذا الصدد، يتمثل في أن المبلغ الذي يُصدق عليه يكون دائمًا أكبر من المبلغ المطلوب.

في العام الأخير من ولاية ترامب، طلبت إداراته تخصيص مبلغ قدره 752.9 مليار دولار لميزانية الدفاع، واعتُبر وقتها رقمًا قياسيًا، بيد أن الكونجرس صدق على زيادتها بمقدار 25 مليار دولار، لكي تصل في النهاية إلى 778 مليار دولار في السنة المالية 2022.

يزيد مقترح الميزانية العسكرية الأخير بمقدار 4.1% عن نظيره في السنة المالية 2022، وبمقدار 9.8% عن نظيره في السنة المالية 2021.

ويتوقع بعض المحللين أن تتجاوز الميزانية العسكرية الأمريكية، عاجلًا أو آجلاً، حاجز التريليون دولار. وهو رقم يناهز متوسط إجمالي الناتج المحلي في الدول العشرين الأولى على مستوى العالم من حيث إجمالي الناتج المحلي.

أضف إلى ذلك، أن إجمالي الناتج المحلي في أمريكا يمثل نحو 20% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين أن إنفاقها العسكري يمثل نحو نصف إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، ويعادل تقريبًا مجموع الإنفاق العسكري لأكثر من 100 دولة على مستوى العالم.

ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تشعر بأنها “غير آمنة”. ينبغي القول إذن إن الولايات المتحدة مصابة باضطراب نفسي.

خطأ ثلاثي في سياسات بايدن المسعورة: مرة بحق الخليج ومرتين بحق أمريكا | ترجمة في دقائق

الصين أم روسيا؟

رغم أن النزاع بين روسيا وأوكرانيا قدم ذريعة للولايات المتحدة لكي تزيد إنفاقها العسكري، فمن الواضح أن واشنطن لا تزال عينها على الصين، إذ تعتبرها “أخطر تهديد استراتيجي” لها.

فهي تعتبر الأزمنة الأوكرانية نغمة عابرة، بينما اللحن الرئيس هو احتواء الصين، “أكبر أعدائها المتخيلين”؛

فقد عكفت، طوال العامين الماضيين، على بناء آليات أمنية عسكرية متنوعة، بدايةً من تقوية تحالف “العيون الخمس”، والترويج “للحوار الأمني الرباعي،” وتوليف تحالف “أوكوس”، وهو عبارة عن حلف أمني ثلاثي، فضلًا عن توثيق التحالفات العسكرية الثنائية.

إنها خطة للعب بتشكيل 5-4-3-2 في منطقة آسيا والمحيط الهادىء. وهكذا، فإن سعي واشنطن المحموم للتمدد العسكري أشبه بسيارة منطلقة بسرعة جنونية، بلا قائد، على طريق سريع نحو العسكرة الكاملة.

لقد أصبح اللعب بـ “ورقة الصين” ذريعة لا غنى عنها للولايات المتحدة لتبرير زيادة إنفاقها العسكري وتعظيم قدرتها العسكرية،

مما يحفز رجال السياسة في واشنطن على المنافسة فيما بينهم لتحديد من منهم يستطيع أن يأتي بـ “نظرية التهديد” الأكثر إثارة للذعر، ومشروع ميزانية الدفاع “الأشد ترويعًا”.

فلا أحد تقريبًا في الولايات المتحدة يستطيع أن يتحدث علنًا اليوم عن خفض الإنفاق العسكري على نحو مؤثر، رغم مزاعم أمريكا عن تمتعها بأفضل “ديمقراطية” في العالم.

بيد أن أكاذيب واشنطن سوف تتصدع وتنهار في نهاية المطاف.

ففي حين أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في أمريكا يعادل ستة أمثال نظيره في الصين، فإن نصيب الفرد من إجمالي الإنفاق العسكري في أمريكا يعادل 31 مرة نظيره في الصين. أليس من الواضح إذن، من الذي يمثل تهديدًا وتحديًا للآخر؟

هوس الميزانية العسكرية

لقد أصبحت النخب السياسية الأمريكية مهووسة بزيادة الميزانية العسكرية. فالمهم لديهم هو مصالحهم السياسية لا الأحوال المعيشية للشعب.

فحين اشتكى المشرعون الجمهوريون من أن التضخم الذي بلغت نسبته 7.9% قد قلص الزيادة المنشودة في الميزانية العسكرية، كان الشعب الأمريكي يعاني من سلسلة من الضربات الموجعة، بداية من زيادة إيجارات المساكن وحتى الارتفاع الصاروخي في أسعار الوقود.

وفي حين أن المجمع العسكري-الصناعي قد جنى فوائد هائلة من زيادة الميزانية العسكرية، فإن دافعي الضرائب لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا حيال التزايد المستمر في الدين المحلي.

بل، والأكثر إثارة للسخرية، أن المشرعين الديمقراط قد أسقطوا حزمة المساعدات المخصصة لمكافحة الوباء لكي يضمنوا تمرير قانون يسمح بزيادة الإنفاق العسكري.

حين يبلغ التمدد مداه، فإن التوسع والصعود يعقبهما، لا محالة، الاضمحلال والسقوط.

ينبغي للولايات المتحدة أن تعي أنه في عالم اليوم، لا تستطيع أي دولة أن تبني أمنها المطلق على أساس من الانعدام المطلق لأمن الدول الأخرى.

وإن لم تستطع أن تتخلص من أسطورة الهيمنة ووساوسها الأمنية، فلن تشعر أبدًا بالأمن، مهما بلغ حجم ميزانيتها العسكرية، لأن ذوي الحس السليم يدركون جميعًا أن الهيمنة التي لا حدود لها والأمن المطلق، لا مكان لهما في هذا العالم.


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك