لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة | الراوي مردود الشهادة جلده عمر.. هل يدين السيدة عائشة؟ | هاني عمارة

لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة | الراوي مردود الشهادة جلده عمر.. هل يدين السيدة عائشة؟ | هاني عمارة

6 Mar 2022
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

الدين
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

منذ أن بدأ الإسلاميون ممارسة العمل السياسي وفق الآليات الديمقراطية، كانت العقدة الدائمة هي الموقف من مشاركة المرأة؛ باعتبار أن الكتابات المؤسسة التزمت بما استقرت عليه كتب الفقه التي تمنع المرأة من تولي الولايات والقضاء.

تيار الإخوان – الأكثر براجماتية – لم يكترث كثيرًا بالأمر، فبدأ في تجاوزه عبر تأصيلات فقهية للشيخ محمد الغزالي ويوسف القرضاوي وغيرهما، تسمح للمرأة بتولي الولايات العامة، استدلالًا ببعض القصص والأخبار في التراث الديني، عن نساء قمن ببعض الوظائف العامة، ما أنزلوه على ترشيح سيدات في الانتخابات النيابية، أو تأييد مشاركة سيدات ضمن تحالفاته السياسية وائتلافاته الوزارية في عدة دول. 

عقدة حديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة

الإشكال الذي واجه الإخوان كانت في معارضة التيارات السلفية الأكثر تمسكًا بالنصوص. وكانت الحجة الأكبر هي حديث البخاري عن النبي أنه قال: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

بداية، لم يعمد الإخوان إلى إنكار الحديث، لكن القرضاوي وغيره حاولوا صرفه إلى الإمامة العظمى فقط “أي الخلافة والملك” وفق تخريجات اصولية يجيدها التيار، إلا أنها لم تفلح في إقناع السلفيين وعوام المتدينين.

حتى حدث التحول الأكبر في الكويت، حيث الصراع المحتدم حول حقوق المرأة السياسية، حين أنكر الشيخ محمد سليمان الأشقر، المحسوب على تيار الإخوان، الحديث كليًا في أوائل الألفية، من خلال بحث أثار جدلًا شديدًا بين التيارات الإسلامية.

وكانت حجة أبو شقرة في رد الحديث، أنه مروي من طريق الصحابي أبو بكرة “نفيع بن الحارث”. وهذا الرجل جلده عمر بن الخطاب للقذف، في واقعة شهادة ضد المغيرة بن شعبة بالزنا. والقاذف لا تقبل له شهادة أبدًا بنص القرآن.. فكيف نقبل حديثه؟ 

لكنه قوبل برفض واستهجان وقتها؛ لأنه قد يكون مدخلًا لإعادة النظر في فكرة عدالة الصحابة بالعموم.


فمن هو أبو بكرة هذا؟ وما قصته؟ 

أبناء سمية الأربعة في الطائف

في زمن الجاهلية، في مدينة الطائف جنوب مكة، كان هناك طبيب شهير من أشهر أطباء العرب في الجاهلية، اسمه الحارث بن كلدة الثقفي. وكان له جارية اسمها سمية. وكان لها أربعة من الأولاد العبيد: نفيع ونافع وشبل وزياد.

أما نفيع ونافع، فقد استلحقهم الحارث، وأما شبل فنسب لمعبد بن عبيد، وأما زياد فلم يستلحقه أحد، فعرف باسم زياد بن سمية أو زياد بن أبيه.

وبعد فتح مكة، حاصر النبي محمد الطائف، ونادي أن من يخرج من العبيد سيكون آمنًا وستعتق رقبته.

هرب نفيع متدليًا على بكرة من أسوار الحصن، وانضم للنبي، فأعتقه وكناه “أبو بكرة”.

وظل بعدها يكره أن يناديه أحد باسم نفيع بن الحارث أو “ابو بكرة بن الحارث، وإنما طلب أن يناديه الناس باسم أبي بكرة بن مسروح “أباه الحقيقي كما كان يعتقد” أو “عتيق النبي”.

الحساسيات الطبقية بين أبناء ثقيف

بعد وفاة النبي، وفي عهد عمر، فتحت العراق، فهاجر الأخوة الأربعة، وبينهم أبو بكرة، مع كثيرين من أبناء ثقيف إلى البصرة، واستوطنوا فيها. وولى عمر الصحابي الثقفي الداهية المغيرة بن شعبة، عليها.

كان المغيرة يعامل الأخوة الأربعة بشيء من المجافاة؛ لأن المغيرة من أحرار ووجهاء ثقيف، ويراهم عبيدًا مجهولي الأب، أبناء جارية.

وكان المغيرة معروفًا كرجل كثير الزواج. وكان بالبصرة أرملة لأحد رجال ثقيف تعيش وحيدة، شاع بين أهل البصرة أن هناك علاقة بينها وبين الوالي المغيرة.

أرسل أبو بكرة إلى الخليفة عمر بن الخطاب يخبره بأن المغيرة زنا، وأنه شاهده هو وثلاثة شهود آخرون، فأرسل عمر إلى البصرة بعزل المغيرة، وولى مكانه أبا موسى الأشعري، ثم استدعى المغيرة والشهود. وكان الشهود هم الأخوة الأربعة أبناء سمية، وأحدهم أبو بكرة.

المحاكمة ودفاع المغيرة عن نفسه

مثل المغيرة وأبو بكرة والشهود الثلاثة أمام عمر، فحكى أبو بكرة أنه كان مارًا ببيت المغيرة، فهبت ريح فتحت شباك البيت، فشاهده يزني بامرأة اسمها أم جميل، أرملة أحد رجال ثقيف، وأنه شاهد الزنا مكتملًا والمرود في المكحلة،

ثم استدعى اخوته فشاهدوا معه ما رأى، فاكتملت عدة الشهود الأربعة.

فقال المغيرة: هؤلاء العبيد كيف رأوني؟ إن كان استقبلوني فكيف لم أستتر، أو استدبروني فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي، والله ما أتيت إلا امرأتي.

فاستدعى عمر الشهود الآخرين، فشهد نافع وشبل بما شهد به أبو بكرة، ثم كانت المفاجأة أن تراجع زياد، وقال إنه شاهد شيئًا قبيحًا، غير أنه لم يتبين الأشخاص، ولم يرى المرود في المكحلة.

فبطلت شهادة الشهود الثلاثة، فأمر عمر بجلدهم حدًا للقذف، وحكم بأن لا تقبل لهم شهادة أبدًا، كما في حكم القرآن في القاذف،  فأصبح أبو بكرة إلى وفاته مردود الشهادة، وخاصم زياد فلم يكلمه.

السر في موقعة الجمل

ويبدو أن ما كان من جلده بسبب المغيرة، وعدم دفاع قومه ثقيف عنه، ترك شيئًا في نفسه، فقرر عدم نصرتهم في حروبهم.

وكانت موقعة الجمل، فانضم أهل البصرة إلى عائشة وطلحة والزبير، غير أن أبي بكرة رفض مشاركة قومه، وفضل الاعتزال والحياد. وكانت حجته  أنه سمع  النبي يقول : “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

والحديث ورد في البخاري وأغلب كتب السنة

والنص في البخاري كالآتي: عن أبي بكرة، قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم،

قال: لما بلغ رسول الله أن أهل فارس، قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».

وورد الحديث في رواية أخرى في مسند أحمد ومستدرك الحاكم، أن النبي قال هذا الحديث عندما دخل عليه شخص يخبره بتولي ابنة كسرى وكان نائمًا في حجر عائشة، وفي الرواية إدانة ضمنية لعائشة؛ لأنه يفهم منها أنها سمعت الحديث ولم تلتزم به.

5 أحاديث.. وخلفيات شخصية

المتأمل للأحاديث المروية عن أبي بكرة، سيلاحظ أنها ترتبط بشكل أو بآخر بمواقفه السياسية والشخصية، نذكر منها خمسة أحاديث:

الأول: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، وقاله لتبرير موقفه أمام أهل البصرة، من عدم انضمامه لجيش عائشة.

الثاني: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، وهو تبرير لموقفه الحيادي من عدم الانضمام لأي طرف، وإدانة ووعيد للأطراف المشاركة.

الثالث: حديث الحوض الشهير من أن النبي يحجب عنه اصحابه يوم القيامة على الحوض فيسأل الله فيقول إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك،

والحديث فيه إدانة لعموم الصحابة بالتغير بعد وفاة الرسول، وإدانة للمشاركين في حروب الفتنة، وربما كان تعبيرًا عن كراهية أبي بكرة لوجهاء الصحابة الذين أيدوا أو سكتوا عن جلده.

الرابع:”من ادعى لغير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام”. وهو إدانة صريحة لأخيه زياد، الذي غدر به في واقعة الشهادة عند عمر فجلد بسببه، وذلك بعد أن انضم لمعاوية ضد علي بعد أن استلحقه معاوية بنسب أبي سفيان، مدعيًا أن أباه أخبره أن زياد ابنه، فأصبح اسمه زياد بن أبي سفيان.

الخامس: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الشرك بالله وعقوق الوالدين. ثم جلس وقال: ألا وقول الزور ثلاثًا”. والحديث فيه إشارة وتوكيد عظم إثم شهادة الزور ما يفيد أنه لم يشهد الزور في قضية المغيرة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك