بشر في محادثات داخل مكان مغلق لفترات طويلة؟ التركيبة السابقة لا توحي بالكثير من المتعة على المستوى السينمائي، ويسهل اعتبارها مملة. لكن بمجرد تغييرها إلى بشر في محادثات وصراع داخل محكمة لإقناع القضاة بوجهة نظرهم، تتغير الأمور إلى حد كبير، ويصبح لدينا نوعية سينمائية مثيرة يمكن وصفها بـ “أفلام المحاكمات”.
في المحاكم كثير من الدراما والصراعات والشد العصبي. هذا مكان قد يُنهي حياة أحدهم بحكم إعدام، أو يسحب منه حريته لسنوات وسنوات ويلقي به في السجن. هذا أيضًا مكان قد يحسم الكثير والكثير في حياة ومستقبل أي مجتمع، في القضايا الكبرى التي تخص تحديد إجراءات وقوانين وبروتوكولات.
بيدوفيليا وازدراء أديان | سبع أعمال أثارت غضب ملايين ضد نتفليكس | حاتم منصور
لا عجب أن أفلام المحاكمات كانت دومًا لاعبًا مهمًا في السينما الأمريكية بالأخص؛ لأننا نتحدث عن دولة تأسست بفضل الدستور والقانون قبل الأعراف والعادات، وعن مجتمع غربي مرن مر بالكثير والكثير من التطور والتغير في القناعات، لدرجة تجعل قراءة تغيرات القانون الأمريكي من فترة لفترة، أقرب لقراءة كتاب تاريخ.
1- جزء كبير من أفلام المحاكمات المختارة متعلق بصراعات قضائية.
2- ليست العبرة بعدد أو طول مشاهد المحاكم نفسها في الفيلم، بل بأن يكون الصراع الأساسي في الفيلم متعلق بحكم قضائي منتظر.
القضية: محامٍ كبير يتولى الدفاع عن فتى يواجه تهمة قتل قسيس.
رغم تولي ريتشارد جير دور البطولة، فالفيلم مشهور حاليًا باعتباره المحطة الأولى التي انتقل بفضلها إدوارد نورتون إلى دائرة الأضواء، وحصد بها تذكرته لأول ترشيح أوسكار.
قضية راجح.. ما مصير المجرمين الصغار في القوانين الدولية؟| س/ج في دقائق
ما يميز الفيلم وسط أقرانه هنا في قائمة أفلام المحاكمات ويمنحه استحقاقية للحضور، هو عدم خضوعه لمدرسة النهاية السعيدة، التي تتحقق فيها العدالة. والغريب أنه فعل ذلك رغم كونه ربما أقرب أفلام القائمة للطابع التجاري!
القضية: فتاة تتعرض لاغتصاب جماعي في حانة. لكن محاميتها لا تنوي الاكتفاء بعقاب المغتصبين وحدهم، بل تطالب أيضًا بعقاب كل من شاهدهم وشجعهم وقت ارتكاب الجريمة.
أهم 10 أفلام عن الاغتصاب والتحرش والجرائم الجنسية | حاتم منصور
منح الفيلم جودي فوستر تذكرتها للفوز بأول أوسكار (الثاني سيتحقق بعد 3 أعوام بفضل فيلم صمت الحملان)، وأثار نقاشات موسعة بخصوص قضايا الاغتصاب.
القضية: زوجان منفصلان في صراع على أحقية حضانة طفلهما.
القضية الأكثر انتشارًا – ربما عالميًا – في ظل انتشار حالات الطلاق، في فيلم ناضج ينظر للزوجين من منطلق إنساني غير متحيز، احتفظ ببريقه رغم مرور أكثر من 40 عامًا على عرضه، وظهور أفلام أخرى مقاربة كان أشهرها قصة زواج Marriage Story.
Marriage Story.. لماذا نحتاج قصص حب عن الطلاق؟! | ريفيو | حاتم منصور
كرامر ضد كرامر كان أيضًا تذكرة داستن هوفمان وميريل ستريب للفوز بأول أوسكار في تاريخهما. ويظل الطفل الذي قدم دور ابنهما في الفيلم (جاستن هنري) حتى الآن، أصغر من نال ترشيحًا للأوسكار.
القضية: موظف تفصله شركته بعد إصابته بالإيدز فيقاضيها بسبب القرار.
ندين لهذا الفيلم الممتاز وسط أفلام المحاكمات بحدث سينمائي مهم جدًا، وهو انتقال توم هانكس من خانة نجم الكوميديا والأفلام الخفيفة، لخانة الدراما والأدوار الصعبة. الطريف أن هانكس فاز بالدور بعد اعتذار دانيال دي لويس عنه، وانتزع بفضله أول أوسكار في تاريخه (الثاني سيتحقق بعدها بعام واحد بفضل فيلم فورست جامب).
Greyhound.. لماذا غرق توم هانكس في “جريهاوند” رغم خبراته؟ | حاتم منصور
لكن الأهم بخصوص فيلادلفيا أنه كان واحدًا من أهم أفلام التسعينيات، التي دعت للتسامح مع أصحاب الميول المثلية الجنسية، في فترة كان فيها السائد احتقار واضطهاد أصحاب هذه الميول.
القضية: مدعٍ عام يحاول قضائيًا إثبات أن اغتيال الرئيس كينيدي لم يكن جريمة فردية، بل مؤامرة كبرى شاركت فيها أجهزة أمنية واستخباراتية أمريكية.
سواء كنت من المؤمنين بنظرية المؤامرة على طريقة أوليفر ستون أم لا، فالفيلم إجمالًا أقوى أفلامه إخراجيًا. ويمثل حتى الآن أيقونة تستحق الدراسة والتحليل في فن المونتاج بالأخص.
قصة المونتاج.. الفن الذي ميّز السينما عن بقية الوسائط | أمجد جمال
كيفين كوستنر يلمع هنا في أقوى أدواره ربما، وينافسه طاقم ثقيل الوزن يضم أسماء مثل جاري أولدمان – تومي لي جونز – كيفين بيكون – جو بيتشي – جاك ليمون وغيرهم.
القضية: محامٍ شاب يتولى الدفاع عن ضابطين متهمين بالقتل، يزعمان أن ما حدث كان بموجب أمر عسكري.
الفيلم كان تذكرة السيناريست الشاب وقتها آرون سوركين للشهرة، اقتباسًا من مسرحية كتبها بنفسه. وبفضله أسس سوركين لنفسه مدرسة خاصة جدًا، أهم علاماتها الحوار المتصاعد الأقرب لضربات ملاكمة بين طرفين.
فن كتابة السيناريو.. 5 نصائح من كاتب The Social Network آرون سوركين | أمجد جمال
توم كروز نال الأسبقية في التترات والبوسترات بسبب وزنه كنجم شباك، لكن كالعادة، خرج جاك نيكلسون من الفيلم كالفائز الأكبر، وحصد بفضله على ترشيح أوسكار آخر.
القضية: محامٍ مخضرم يتولى الدفاع عن شاب متهم بالقتل، لكن المفاجآت تتوالى.
لكل مخرج عرّابه ومريدوه.. خمس”رومانسيات” بين عظماء الإخراج | أمجد جمال
واحد من كلاسيكيات أفلام المحاكمات، رغم بعض العلامات البدائية من حيث التمثيل المرتبطة بزمن إنتاج الفيلم.
القضية: محامٍ ناجح يغامر بسمعته ومستقبله، ويدافع عن شاب أسود متهم بالاغتصاب، في فترة كانت فيها العنصرية لا تزال طبعًا سائدًا في الولايات المتحدة.
Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية | حاتم منصور
يقتبس الفيلم أحداثه من رواية ناجحة صدرت عام 1960 بنفس الاسم، ويُعتبر من علامات هوليوود في مناهضة العنصرية. كان أيضًا تذكرة النجم جريجوري بيك للفوز بأوسكار أفضل ممثل.
القضية: محاكمة أمريكية عام 1948 لأربعة قضاة ألمان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بتهمة المشاركة في جرائم حرب فترة حكم النازية.
Jojo Rabbit.. هل يمكن أن تنجو بفيلم كوميدي عن هتلر واضطهاد اليهود؟! | ريفيو | حاتم منصور
ما يميز هذا الفيلم ويجعله جديرًا بمكانة متقدمة وسط أفلام المحاكمات هو طريقة تعرضه لإرث الحرب العالمية الثانية، وعدم ميله نهائيًا لتقييم الأمور من منطلق (ملاك/شيطان – مجرم/ضحية – طيب/شرير.. إلخ).
تُوج الفيلم أيضًا بطاقم تمثيل ثقيل الوزن في زمنه، يتضمن سبنسر تريسي – برت لانكستر – مونتجمري كليفت – ريتشارد ويدمارك – ماكسيميليان شيل. الأخير نال الأوسكار كأفضل ممثل عن دوره.
القضية: لجنة محلفين من 12 عضوًا تنوي كلها إدانة شاب بتهمة القتل، باستثناء عضو واحد. والآن عليه أن يقنع الـ 11 الباقين بصحة وجهة نظره، واحتمالية براءة الشاب.
عادة أثناء كتابة هذا النوع من التجميعات، أمر بفترة حيرة في اختيار الفيلم صاحب المركز الأول، لكن ليس هذه المرة. تحفة سيدني لوميت التي بدأ بها مشواره كمخرج، لا تزال رغم مرور أكثر من نصف قرن على إنتاجها، تستحق الصدارة وسط أفلام المحاكمات دون منازع.
أنجح 10 أفلام رعب في التاريخ |حاتم منصور
عظمة هذا الفيلم لا تتحقق فقط بفضل قوة بناء الشخصيات، ودقة تشريحه لدوافعهم وميولهم، بل أيضًا بدرجة توريطه للمتفرج نفسه ذهنيًا في الجدل بين المحلفين. ولهذا السبب بالأخص ربما نال الفيلم احترامًا أكبر وأكبر جيلًا بعد جيل.
وصلنا للنهاية لكن الخبر الجيد أن فيلمًا آخر مهما جدًا في الطريق قد يستحق الانضمام لقائمتنا هنا، بعنوان محاكمة شيكاغو 7.
سبب ترشيحه الرئيسي للظهور هنا، هو مؤلفه ومخرجه آرون سوركين. المبدع الذي تحدثنا عنه سابقًا.
أحداث الفيلم عن محاكمة 7 أفراد بتهم مختلفة أثناء مظاهرات أمريكية في 1968 ويمثل عرضه قبل شهر واحد من انتخابات الرئاسة الساخنة المنتظرة بين دونالد ترامب وخصمه جو بايدن، خطوة ذكية من نتفليكس.
حزب الكنبة | هل يغير معادلة الانتخابات الأمريكية 2020 لحساب ترامب؟ | س/ج في دقائق
يقال إن السيناريو الأول أنهاه سوركين عام 2007، واجتذب وقتها ستيفن سبيلبرج كمخرج، لكن تعرقل تنفيذ الفيلم عدة مرات، وقرر سوركين مؤخرًا إخراجه بنفسه لصالح شركة بارامونت، ثم اشترته نتفليكس في ظل أزمة كورونا وحالة إغلاق السينمات.
يشارك في محاكمة شيكاغو 7 طاقم تمثيل رفيع المستوى يتضمن ساشا بارون كوهين – إيدي ريدمين – جوزيف جوردون ليفيت – فرانك لانجيلا – مارك رايلانس.