“في تمام السابعة صباحًا أنا وأنت كنا لا نحمل همّا”.. ترند انتشر عبر السوشال ميديا مع آلاف المنشورات.
ربما لم تكن سنوات الدراسة بهذه الرومانسية. وإن كانت فليس بالنسبة للجميع. لعلنا فقط نسينا، أو خدعتنا النوستالجيا.
لكن الترند تزامن مع طرح عمل فني وثيق الصلة به.. المسلسل الأردني “مدرسة الروابي للبنات” الذي تفاعل معه الجمهور في مختلف دول المنطقة. وهو ثاني إنتاج أصلي لنتفليكس ناطق بالعربية. يتناول حياة المراهقات داخل مدرسة ثانوية.
على السطح، تبدو مدرسة الروابي للبنات نموذجًا للرخاء فعلًا.
الحركة تسير فيها متناهية الانضباط. أجواء منيرة. ألوان زاهية ومتناسقة مثل كادرات ويس أندرسون. فتيات كالزهور. النشيد الصباحي يعج بالمجد والشموخ. فيما يرقد الفساد والمآسي وراء الكواليس.
القصة تركز على حياة ست فتيات تتقاطع حيواتهن معًا في مدرسة الروابي للبنات. والمفترض أنها مدرسة عريقة لبنات الصفوة.
بعد حادثة تنمر عنيفة في الحلقة الأولى؛ حين تقع الطالبة النجيبة الخجولة (مريم) ضحية للطالبة المنفلتة الأكثر شعبية وابنة المسؤول الحكومي الكبير (ليان)، تقرر الأولى تجميع صديقاتها “دينا” و”نوف” والانتقام من ليان وجماعتها “رقية” و”رانيا”، فتبدأ بين الجماعتين حربًا من نوع خاص.
تتصاعد دراما مدرسة الروابي للبنات بشكل ممتع على طريقة كرة الثلج، مخلصة لخليط من الحكم الموروثة: من مستصغر الشرر يأتي اللهب. واحذر وأنت تحارب الوحوش أن تصبح مثلهم.
أهم مقياس للقصة الجيدة هو ألا ينتهي حال الشخصيات مثلما بدأ.
وهنا، رحلة تطور الشخصيات من الحلقة الأولى للسادسة هي الميزة الأكبر في سيناريو مسلسل مدرسة الروابي للبنات الذي كتبته المخرجة تيما الشوملي مع شيرين كمال.
الجيد في هذا التطور أنه يحدث على مستويين، الأول رؤيتنا للشخصيات و أحكامنا عليهن، والتي تتغير وتتفاوت كلما عرفنا عنهن أكثر. الثاني هو كيف تُغيرهن الدراما وتؤثر بهن الأحداث سلبًا وإيجابًا من أمامنا. ذلك ما يصنع ثراء بالمشاهدة ويضيف لحالة الشحن العاطفي ونحن نتابع أولئك الفتيات.
يحسب أيضًا للسيناريو الاهتمام الجيد بالبناء. حدث يبدو فرعيًا في الحلقة الثانية قد يقلب موازين الحلقة الرابعة. ولفتة بسيطة بالحلقة الثالثة تشعل ذروة الحلقة السادسة، وهكذا. لا شيء يحدث اعتباطيًا. وما من تفصيلة تمر مرور الكرام.
ورغم تفاوت الأجيال بين صناع مسلسل مدرسة الروابي للبنات وشخصيات الطالبات، ظهر الاهتمام بدراسة طبيعة الحياة التي تعيشها الفتيات، نتحدث هنا عن الجيل (Z). ما يسمعونه ويشاهدونه، كيف يحبون، كيف يتواصلون، ودور السوشال ميديا المتنامي في حياتهم.
مالكوم وماري | كثير من الجنس في حكاية عن تعقيدات العلاقات الزوجية | أمجد جمال
يحسب للمسلسل دخوله لذلك العالم الذي ظل متجاهلًا من صناع الدراما العرب لعقود طويلة، رغم أهميته الكبرى، فهي مرحلة عمرية تشكّل الشخصية، وتحوي كل المشهيات اللازمة لصنع دراما جاذبة، ما جعلها محط اهتمام كبير من السينما والدراما الأمريكية، تحديدًا منذ النجاح الفائق لفيلم Grease في السبعينيات، ومن بعده أفلام المخرج جون هيوز، لدرجة أن القالب الأمريكي لدراما المدارس الثانوية صار هو الأساس الذي يبني عليه الآخرون.
أول ما تأثرت به مخرجة ومؤلفة المسلسل تيما الشوملي هو أنماط الطلبة وفقا للنظرية الأمريكية دون تجويد وكما يقول الكتاب: مجموعة الفتيات الوضيعات (Mean Girls) وهم الطرف الشرير من جهة، وتتكون المجموعة عادة من القائدة (Queen Bee) المسيطرة المتنمرة الأكثر جمالًا وثقة بالنفس، والفتاة الشعبية المتفوقة رياضيًا (Jock) التي تدعم القائدة، وهناك المساعدات (Sidekicks)، والوصوليات (Pleasers) وأحيانًا تعرفن بالمشجعات (Cheerleaders).
من الجهة الأخرى، هناك الطالبات المستضعفات، وهن الطرف الطيب، قليلات الثقة بأنفسهن، حيث تقعن ضحايا للوضيعات، وينقسمن إلى: الطالبة النجيبة (Nerd) أكثر ما يهمها الدروس وتفتقد المهارات الاجتماعية، والطالبة المنطوية (Loner)، والطالبة الخجولة (Wallflower)، والطالبة الغريبة (Punk/emo) تستمع لأغاني كئيبة وترتدي ملابس ملفتة للنظر وتضع مكياجًا مبالغًا فيه، والطالبة المهووسة (Geek) حياتها ترتكز على الأنشطة التي تحبها.
شاهدنا نفس التركيبة بعشرات الأفلام والمسلسلات الأمريكية، ومعظمها كان جيدًا لأن القالب قادر على إفراز عديد من الرسائل والمعاني.
قد تبدو هذه التصنيفات مجرد كليشيه، لكنها سبب حبنا لهذا النوع من الأفلام.
دراما المدارس الثانوية بقدر ما تستدعي نوستالجيا المراهقة، كذلك تقدم استعارة عن صراع الإنسان ضد السلطة من جهة، والصراع بين الطبقات من جهة أخرى، لذلك تكون تلك الأنماط مسلية عادة.
في مدرسة الروابي للبنات تأثرت الشوملي أيضًا بأساليب التصوير والمونتاج والتكوين بالنوعية الأمريكية، مشاهد السلو-موشن في طرقات المدرسة، الأغاني المصاحبة للأحداث، التركيز على دفع الدراما من خلال الأنشطة الرياضية والاحتفالية بالمدرسة أكثر من الأنشطة التعليمية.
غدر الحياة: هل أحسنت مريام فارس التعبير عن أزمة لبنان؟ أم كشفت أزمة في نتلفيكس؟ | حاتم منصور
يفترض أن القضية الأساسية التي يطرحها مسلسل مدرسة الروابي للبنات هي قضية “التنمر”، أشكاله وأبعاده وآثاره المتوقعة وغير المتوقعة.
لكن هناك سطرا جديدا وطازجا يضيفه المسلسل بعيدًا عن النشرات التوعوية ضد التنمر. هذا السطر كان استحضار فكرة نسوية من النوع الإيجابي.
كثير من النساء – دون أن يشعرن – يساهمن في معاناة بعضهن البعض، متناسيات أنهن جميعًا ضحايا في مجتمع ذكوري يفرض شروطه عليهن، بل وأحيانًا يحركهن ضد بعضهن بشكل غير مباشر.
إذًا، لعل العدو ليس ليان أو مريم، بل أب يعامل أبناءه بعنف، أو حبيب مستغل وندل وأناني، أو أخ يمارس الوصاية بسبب ضغوط المجتمع، أو أم تتشرب السردية الذكورية لتقهر بناتها فتكون “ملكية أكثر من الملك”. معظم الأذى الواقع على الطالبات يكون للرجال دور خفي فيه.
في أحد أفضل مشاهد المسلسل، بالحلقة الخامسة، يحدث موقف يجمع بين “ليان” و”نوف”، رغم العداء القديم بينهما، يتناسيان كل صغائر المدارس الثانوية، ويتذكران الشيء الأهم، هن نساء في مجتمع يظلم النساء. مشهد يغير الكثير من نظرتنا كمشاهدين. وتألقت به الممثلة ركين سعد التي قدمت الأداء الأكثر احترافية طوال أحداث المسلسل.
قراءة في قائمة أنجح 10 أفلام من إنتاج نتفليكس | حاتم منصور
رغم أن مسسل مدرسة الروابي للبنات من إنتاج جهة متحررة رقابيًا مثل نتفليكس، ظهر التحفظ في عرض بعض الأمور بصريًا أو فكريًا. أبرزها أنه لم يكن صادما بما يكفي لعرض أدوات التنمر الحقيقية، فالمسلسل يعرض دائمًا أسبابًا ملفقة بواسطة المتنمرين.
للتوضيح: ماذا لو كان هناك توتر جنسي بالفعل بين مريم وليان، واستغلته ليان للتنمر على مريم وفضح ميولها الجنسية لتؤذيها، بدلًا من أن تدعي ليان موقفًا مزيفًا يفيد نفس المعنى؟
ماذا لو أتت الدورة الشهرية لـ دينا بشكل فعلي دون أن تأخذ احتياطاتها، وظهرت الآثار على ملابسها لتضعها في موقف محرج حقيقي، بدلًا من أن تقوم طالبة متنمرة بوضع صبغة حمراء على ملابس دينا تفيد نفس المعنى؟
بكلمات أخرى، ما المانع من ظهور الطالبات الضعيفات في مواقف ضعف حقًا؟ الأمر أدى لبعض الالتباس في تفهم وإدانة ظاهرة التنمر بشكل أعمق وجذري. فما من طالبة تستحق التنمر حتى لو كانت مثلية أو بدينة أو دميمة أو كريهة الرائحة أو سالت دماء دورتها دون احتياطات.
تلك الخواطر دارت بذهني بعد الانتهاء من مشاهدة المسلسل. لكني لن أقسو على صناعه، خاصة بعد قراءة بعض المانشيتات بالصحافة والإعلام الأردني تتهم المسلسل بالانفلات الأخلاقي وتشويه سمعة الأردن، وتطالب بمنعه ومحاسبة صناعه! على ماذا؟ على كونهم بهذا التحفظ؟
بيدوفيليا وازدراء أديان | سبع أعمال أثارت غضب ملايين ضد نتفليكس | حاتم منصور
موضوعات متعلقة
نسخة للطباعة
