صراع.. تنافس.. كفاح.. إرهاق بدني.. فرحة.. إحباط.. فوز.. هزيمة.. عرق.. دموع.. ضحكات.. دماء.
قائمة معطيات الرياضة من حيث الفرص البصرية والدرامية لا تنتهي، ولهذا نالت مكانتها في السينما. بالاضافة طبعًا لشعبية رياضات عديدة، تضمن اهتمام الجمهور في شباك التذاكر، وبالتالي حماس المنتجين.
أهم 7 أفلام وتجارب سينمائية عن أسرار وول ستريت | حاتم منصور
هنا جولة مع أهم 10 أفلام تركت بصمة في ملاعب وحلبات السينما، وكفلت لُصناعها أحيانًا كؤوسًا وأوسكارات على منصات التتويج، مع ملاحظة أن الترتيب من الأقل للأفضل.
الدافع الرئيسي لمشاهدة الرياضة هو المتعة والتسلية، ولهذا يستحيل أن نبدأ قائمتنا هنا دون اختيار عمل كوميدي مرح من هذا النوع.
الأحداث عن مجموعة سجناء يقودهم نجم رجبي سابق، ويضطرون لخوض مباراة كرة قدم ضد فريق حراس السجن، في جولة يرون فيها فرصة لإذلال خصومهم وكسر غطرستهم.
قوة الفيلم الأساسية مصدرها نجمه خفيف الظل (بيرت رينولدز). وبالمناسبة، كان من كبار نجوم الشباك في هوليوود طوال السبعينيات، ومحور أكبر هجوم من النقاد في نفس الوقت، لأنه لم يهتم أبدًا بصناعة أفلام عميقة!
لا ينسى السيناريو رغم ذلك منح باقي الشخصيات من الفريقين سيل نكات وسباب وتنمر متبادل. هذا باختصار فيلم يلعب ببراعة على ما نحبه ونمارسه دومًا كمشجعين!
فيديو | حين طارد مدرب أيرلندا منتخب الجوهري بشتائم نابية فغير تاريخ كرة القدم | صورة وحكاية
أعادت هوليوود صناعة نسخة أحدث عام 2005 مع آدم ساندلر في دور البطولة، تستحق المشاهدة أيضًا. وقدمت السينما البريطانية قبلها نسخة عام 2001 بعنوان Mean Machine دارت أحداثها في كرة القدم التي نعرفها، بدلًا من رياضة الرجبي الأمريكية.
السينما المصرية كانت صاحبة النسخة الأسوأ على الإطلاق، مع فيلم بعنوان “كابتن مصر” كتبه عمر طاهر، ونسي فيه أن يمنح فريق الخصوم أي أهمية أو وزن درامي أو كوميدي. وبالتالي، لم يعد للمباراة أي وزن من أي نوع.
هذه الخطوة البائسة كان من الممكن اعتبارها أسوأ عناصر فيلم كابتن مصر، لولا تواجد محمد إمام في دور البطولة، وانتزاعه هذه الصفة عن جدارة، بأداء آخر ثقيل الظل كعادته.
رياضة الجرى غير سينمائية للدرجة. لا يوجد أهداف أو التحام بدني من أي نوع، لكن هذا الفيلم البريطاني الذي أخرجه هيو هدسون، يحل هذه الإشكالية بطريقتين.
أولهما موسيقى تصويرية يصعب نسيانها من اليوناني فانجيليس، حاز بفضلها على الأوسكار.
إينيو موريكوني.. بتهوفن السينما أم موسيقار الفرص الضائعة؟ | حاتم منصور
وثانيهما الجوانب الدينية والدراما القوية خلف دوافع الشخصيات، التي كفلت جائزتي أوسكار أخريين كأفضل (سيناريو أصلي – فيلم).
الفيلم كلاسيكي من حيث طريقة التنفيذ والتناول، لدرجة يسهل معها، لولا الموسيقى، تخيُل أنه عمل ينتمي إنتاجيًا للستينيات أو الخمسينيات.
هذه صفة انتقدها كثيرون وقت عرضه في مطلع الثمانينيات، لكنها اليوم قد تكون أكبر مميزاته، لأنها تكفل له طابعًا منعشًا بالنسبة للأجيال الشابة.
يتفرد هذا الفيلم وسط قائمتنا هنا بأحداث مقتبسة من قصة حقيقية، تدور وسط كواليس التنافس بين إدارات الفرق والأندية، وأساليب اختيارهم للاعبين. وتكمن قوته في جمعه بين اثنين من عمالقة كتابة السيناريو في هوليوود.
أولهما آرون سوركين الموهوب في كتابة الحوار، وصاحب أفلام A Few Good Men – Charlie Wilson’s War – The Social Network – Steve Jobs
فن كتابة السيناريو.. 5 نصائح من كاتب The Social Network آرون سوركين | أمجد جمال
وثانيهما ستيفن زيليان المشهور بكتابة قصص، تعكس تأثير الزمان والمكان على أبطالها، وصاحب أفلام Schindler’s List – Gangs of New York – The Irishman.
النتيجة عمل يجمع بين مزايا المدرستين، ازدادت فاعليته بفضل أداء طاقم تمثيلي موهوب، يتصدره براد بيت، في دور آخر يستفيد من مواهبه كممثل يجيد دومًا إقناعك أنه لا يظهر للشخصيات الأخرى حوله الكثير، ويلمسك أنت كمتفرج بأقل اللمسات والتعبيرات الممكنة.
رُشح كرة المال لـ 6 أوسكارات كأفضل (ممثل/براد بيت – ممثل مساعد/جونا هيل – سيناريو – مونتاج – مزج صوتي – فيلم).
وسط كل أنواع المنافسات الرياضية، يظل للملاكمة رونقها الخاص سينمائيًا.
الانتصار أو الهزيمة فيها أقرب ما يكون إلى تاريخنا البدائي كبشر، حين يسقط المهزوم على يد غريمه، مع ندبات وجروح وكسور ودماء، نتابعها على الشاشات أو في المدرجات.
مرارة الخسارة في هذه اللعبة، وتأثيرها النفسي المُهين، ضمن الأسباب الأخرى لانتزاعها مساحة سينمائية أكبر من ألعاب أكثر شعبية، مثل كرة القدم أو السلة، ولهذا ستظهر أكثر من مرة في قائمتنا هنا.
الأولمبياد يدرج البريك دانس | لماذا ليس الاسكواش قريبا؟ ولماذا قد يخرج رفع الأثقال؟ | س/ج في دقائق
يستفيد فيلم رجل السندريلا الذي يقتبس أحداثه من قصة حياة الملاكم الأمريكي جيمس جي برادوك، ويقوم ببطولته راسل كرو، من كل ما سبق.
لكنه يرتكز أيضًا على كفاح بطله خارج الحلبات، ويدمج مسيرته الشخصية بمعاناة جيل كامل من الرجال الأمريكيين، وسط ظروف الكساد الصعبة في الثلاثينيات.
في أقوى مشاهد الفيلم دراميًا، نشاهد البطل وهو يشعر بالإذلال، بسبب اضطراره لطلب مساعدة مالية.
هذه لحظة تلقى فيها البطل أقوى لكمة على الإطلاق في كبريائه وكرامته، والطريقة التي صاغ بها راسل كرو تمثيليًا هذا المشهد، مع المخرج رون هوارد، كفيلة وحدها بمنح الفيلم تذكرة استحقاق للوجود هنا.
هوس الرجال بالسيارات والتسارع يطول تفسيره، ويمكن قراءته على الرابط التالي في مراجعة تفصيلية سابقة:
Ford v Ferrari.. كريستان بيل ومات ديمون يتسابقان إلى الأوسكار | ريفيو | حاتم منصور
لكن أهمية الفيلم، بعيدًا عن أجواء السيارات، ومزايا الأداء التمثيلي لنجميه، ومستوى المونتاج، تكمن في طريقة صياغته للخصم.
الخصم الشرير والعائق الأساسي هنا ليس المتسابق الآخر، بقدر ما هو المنظومة والطبيعة المؤسسية نفسها، التي تعيق بطلي الفيلم باستمرار عن تحقيق الفوز.
إلى درجة كبيرة، تتعلق الحبكة بصراع المتمرد ضد النظام.. الفنان ضد خبير المبيعات.. المغامر ضد المتردد.. الكاوبوي ضد الموظف.. الحدس ضد لغة الأرقام.
بهذه الطريقة يخرج الفيلم عن مساره، ليلتحم بحياة ملايين البشر، ويصبح أكبر وأهم من أن يكون مجرد فيلم عن واقعة حقيقية، في تاريخ سباقات السيارات.
الصعلوك القادم من قاع المجتمع، الذي ينال أخيرًا فرصة لإثبات ذاته بفضل مباراة مع بطل عالمي. هذه حبكة الفيلم، وهي أيضًا قصة صناعته إلى حد كبير.
ممثل بلا وزن وقتها اسمه سلفستر ستالون كتب هذا السيناريو، ورفض بيعه للمنتجين، واشترط أن يقوم هو بالدور، حتى لو كان معنى هذا ميزانية أصغر، لا تتجاوز المليون دولار.
النتيجة كانت أنجح أفلام العام في شباك التذاكر، بإيرادات تجاوزت 117 مليون دولار في أمريكا وحدها، وفوز بأوسكار أفضل فيلم، وبداية نجومية ستالون.
أطلق الفيلم سلسلة كاملة لروكي، تغيرت فيها الشخصية من كونها مجرد رمز للطبقة العاملة الشريفة المكافحة، إلى كونها رمزًا لأمريكا نفسها في صراعاتها ضد خصومها، وهو ما تحقق في الجزء الرابع (1985) الذي يواجه فيه روكي خصمًا روسيًا.
كيف أصبح رامبو أيقونة لليمين الأمريكي على مدار 40 سنة؟ | حاتم منصور
ولنفس السبب الوطني ربما، لم يتردد مصوتو الأوسكار في تكريم روكي بأوسكار أفضل فيلم، في عام تضمن 3 منافسين مهمين، أصبحوا أيضًا كلاسيكيات لاحقًا (كل رجال الرئيس – الشبكة – سائق التاكسي).
هذه أفلام سوداوية بشرت بمستقبل مظلم لأمريكا سياسيًا واجتماعيًا. روكي في المقابل كان لمسة أمل.
اللمسة السوداوية المعهودة في كل أفلام المخرج دارين أرنوفسكي، حاضرة هنا بقوة دراميًا وبصريًا.
أغلب أفلام الرياضة عن بطل يحقق، أو يحاول تحقيق إنجاز مهم في المجال.
المصارع في المقابل عن بطل عجوز منسي، يعيش أخر أيامه في الحلبات، ويقضي يومه بين العيش على ذكريات أمجاد الماضي، ومحاولات إصلاح الحاضر، وهي حياة تلامس ملايين البشر.
حبكة الفيلم تلامس أيضًا مسيرة بطله الممثل ميكي رورك، الذي تنبأ له ملايين بالنجومية في الثمانينيات، قبل أن يخفت وزنه ويصبح منسيًا. ولهذا سيظل هذا الفيلم هو أيقونة مشواره السينمائي، وتذكرة خلوده في ذاكرة الجمهور.
قصة المنافسة الشرسة منتصف السبعينيات في سباقات الفورميولا، بين النمساوي نيكي لاودا، والبريطاني جيمس هنت، تأخرت كثيرًا عن السينما، لكنها وصلت بإجادة سينمائية على يد المخرج رون هوارد، الذي يشارك هنا في القائمة للمرة الثانية بعد رجل السندريلا.
يعشق هوارد طوال مشواره أجواء المنافسات الذكورية، والتأثير المتبادل بين المسار الوظيفي للرجال، وحياتهم الخاصة. وهنا يلتقط قصة تملك كل ما سبق.
Don’t Look Up | معًا لنهاية عالم “مهزأة” وأكثر واقعية | حاتم منصور
متسابقان يملكان الهوس والحماس للفوز. أحدهما يفعل ذلك بطريقة الطالب المجتهد الذي يذاكر دروسه بتركيز، ويهتم بكل التفاصيل، ويتخذ كل قراراته بعد حساب دقيق.
والآخر يفعل ذلك بسلاح المغامرة والشجاعة الجنونية، ويتخذ قراراته بالحدس، ويرى أن منطق الحسابات عائق.
أيهما أصح؟ يرى البعض أن الفيلم لا ينحاز لأي منهما؛ شخصيًا أرى العكس.
لكن جوهر الفيلم الحقيقي على أى حال، قد يكون حفاوته بقيمة مهمة اسمها التنافسية، يعود إليها الفضل في أغلب إنجازاتنا البشرية. بدون تنافسية لا يوجد دافع للإنجاز.
كلنا أولاد تسعة | اللمبي زعيما لليسار والإنسان كيوم ولدته أمه | خالد البري
كل ما سبق، ازداد جمالًا بفضل طريقة تنفيذ مشاهد السباق الجنونية، وموسيقى هانز زيمر، وأداء ذكي من نجمين قد يكون الأفضل طوال مشوارهم (كريس هيمسوورث – دانيال برول).
يقتبس هذا الفيلم الذي أخرجه سكورسيزي، وقام ببطولته روبرت دي نيرو، أحداثه من مسيرة الملاكم الأمريكي جاك لاموتا، الذي صال وجال داخل الحلبات في الأربعينيات، وعاش مسيرة مضطربة جدًا خارجها.
الحياة وتعقيداتها هنا، هي الخصم الذي يسقط البطل أولًا، قبل أن تمتد الهزائم للحلبات.
تنفيذ الفيلم بالأبيض والأسود هو سبب اختلافه عن أغلب أفلام الملاكمة والرياضة الأخرى حتى اليوم، وضمن أسباب صموده في اختبار الزمن.
دستة أفلام حديثة عادت بنا لسحر سينما الأبيض والأسود وتستحق المشاهدة | حاتم منصور
الوجه الآخر للعملة أن تركيبة الأبيض وأسود ربما كانت سبب فشل تسويقه في شباك التذاكر وقت عرضه.
لكنه نال الاهتمام المستحق تدريجيًا، ربما بفضل وزن دي نيرو كنجم قبل أي شيء، وأدائه الذي حصد بفضله على أوسكار أفضل ممثل.
غابت الشخصيات النسائية عن كل ما سبق في القائمة، ربما لأن الرياضة واقعيًا تستهوي الذكور أكثر، وانتقل هذا للسينما. وربما لأسباب إضافية أخرى.
لكن عندما وصلت المرأة لقائمتنا أخيرًا، وصلت بفيلم يستحق الصدارة عن جدارة، كتبه بول هاجيس وأخرجه كلينت إيستوود.
كلينت إيستوود يحارب الزمن فيThe Mule | حاتم منصور
الربع الأول يبدو تقليديًا، وأقرب لأغلب أفلام الملاكمة وتركيبة (الصعلوك القادم من قاع المجتمع لبناء أمجاد).
فتاة فقيرة عاشت دون أي انجاز وكسرت الثلاثين (هيلاري سوانك في الدور)، تجد في رياضة الملاكمة المهرب من كل إحباطاتها، وتحاول إقناع مدرب بأنها تستحق مساندته ووقته (كلينت استوود في الدور).
لكن باقي الأحداث تجعل الفيلم أعمق وأكبر من هذه التركيبة.
من البداية وبفضل لمسات ذكية خاطفة من السيناريو، سنعرف الكثير عن نفسية هذه البطلة.
هذه فتاة لا تقبل الشفقة، ولا تبحث عن الحياة كعالة على غيرها، بل تجاهد من أجل اثبات جدارتها واستحقاقها.
هذا الرفض للشفقة سيتبلور أكثر وأكثر مع النهاية، ويسهل هنا على عشاق سينما كلينت إستوود من أمثال كاتب هذه السطور، معرفة سبب انجذابه لتنفيذ هذا الفيلم، وتحديدا النقاط التي تربطه بمشوار استوود السينمائي الإبداعي الطويل، القائم على تحليل مزايا ومثالب المجتمع الأمريكي.
Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية | حاتم منصور
إستوود كأمريكي يميني محافظ لا يرى في الأفكار اليسارية الخاصة بالدعم وخلافه أي خير سواء للمجتمع ككل، أو للأفراد.
وهنا في الحقيقة يبلور رفضه هذا بطريقة مباشرة، عندما يقارن بين بطلتنا، وباقي أسرتها الكسالى المستغلين، الساعين دومًا للحياة كعالة على غيرهم.
بطلتنا كافحت لتغيير حالها، ولم تنل أبدًا شيئًا دون استحقاق، أو بادعاء المظلومية. وعبر رحلتها وصلت لنقطة أمجاد انتزعت فيها الاحترام لنفسها، والتقدير من المحيطين.
هذه نقطة لم يصل اليها آخرون في الملاكمة (أو الحياة إذا نظرنا للصورة الأكبر)، ومنهم مثلًا المدرب والملاكم الآخر السابق، الذي يلعب دوره هنا مورجان فريمان.
لكن سواء وصلت كإنسان لنقطة الأمجاد أم لا، وأيًا كانت باقي حياتك بعدها، فالكفاح نفسه هو الصفة الحميدة التي يجب أن توجد في المجتمع والأفراد، لتغيير حالهم، وليس شعارات وبرامج المساواة.
أولئك هم الرابحون .. كيف يتفاعل الاقتصاد ونفسية المجتمع | خالد البري | رواية صحفية في دقائق
لا تأتي الحياة بضمانات، وأبطالنا في الفيلم بلا استثناء دفعوا ثمنًا غاليًا في لحظة ما لألاعيبها، لكنهم جميعًا انتصروا لقيم الكفاح والسعى الفردي.
وبنفس الدرجة انتصر هذا الفيلم ليلة الأوسكار لصانعيه، وانتزع 4 جوائز عن استحقاق كأفضل (فيلم – اخراج/كلينت استوود – ممثلة/هيلاري سوانك – ممثل مساعد/مورجان فريمان).
هذا فيلم عظيم لا يستحق فقط الصدارة هنا، بل يستحق التصنيف كواحد من أفضل وأهم انتاجات هوليوود منذ مطلع الألفية.