لماذا المتدينون أقل شكوى من المرض النفسي؟ عكس ما توقعت تمامًا! | س/ج في دقائق

لماذا المتدينون أقل شكوى من المرض النفسي؟ عكس ما توقعت تمامًا! | س/ج في دقائق

23 Jun 2022
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

سمعت بالتأكيد عن عشرات الدراسات التي تربط التدين بمكافحة المرض النفسي:

يفترض رجال الدين وبعض باحثي علم النفس المتدينين أن “المرض النفسي لا يصيب مؤمنًا”، ويزعمون أن سبب انتشار الأمراض النفسية هو البعد عن الدين.

لكنك غالبًا لم تسمع عن الدراسات الأخرى: أن المتدينين لا يعترفون بالمرض النفسي، بل يستخدمون تدينهم للتغطية عليه.

بمعنى آخر، يرى متخصصون أن الزيادة مفرطة التركيز على الدين هي عرض محتمل لمرض نفسي.

لماذا التعارض؟ وأين الحل؟

س/ج في دقائق


هل الدراسات قالت فعلًا إن الدين علاج نفسي؟

بعض الدراسات قالت فعلًا إن الروحانيات حمت المرضى الذين يعانون من حالة صحية متدهورة من الاكتئاب، وأن المرضى النفسيين المؤمنين بقيم معينة كانوا أفضل في الاستجابة للعلاج.


قلتم الروحانيات.. هل استخدامها متعمد أم أنها إشارة للدين؟

الدراسات في الغالب ركزت على الروحانيات وليس الدين نفسه.

الدين ذكر باعتباره يعطي أتباعه شعورًا بوجود معنى للحياة، ويسهل عليهم إيجاد مبرر لأي أزمة، ويخلق مجتمعات من أصدقاء دور العبادة، الذيت يهتمون بالاستفسار عن أحوالهم. وهذا في حد ذاته أسلوب علاجي.

كذلك، الصلاة التأملية، بمعني “أي صلاة تتضمن عبارات معينة متكررة” تنشط مناطق الدماغ المسؤولة عن تنظيم الاستجابات العاطفية، هذا يمنح الأفراد هدوءًا وضبطًا لرد الفعل وقدرة على التعامل مع الضغوط.


هل يعني ذلك أن هذا الدور محسوم؟

لا إطلاقًا. بعض الدراسات المقابلة اعتبرت الدين أحد أسباب المرض النفسي. إحداها دراسة قالت إن معدلات الاكتئاب بين المتدينين أعلى تلات مرات من غيرهم.


لماذا التضارب في دراسات الدين والطب النفسي؟

السبب تاريخي. حتى أوائل القرن 19، كانت الكنسية مسؤولة حصريًا عن رعاية المرضى النفسيين.

ثم ظهر الطب النفسي، فربط الدين بالهستيريا والعصاب، واعتبره المختصون الأوائل، وبينهم مؤسس العلاج الانفعالي العقلاني، ألبرت إليس، سببًا “لا يمكن ضحده” لعدم الاستقرار العاطفي والنفسي. وفي أقصى حالاتها، وُصِفت كل التجارب الدينية بالذهان.

ثم بدأ التغيير في تسعينيات القرن العشرين، بظهور الدراسات التي تتحدث عن “دور إيجابي للروحانيات”، من باب الدفاع عن الدين الذي كان يقف حينها في موضع اتهام. ولذلك، تركز معظم الدراسات ركزت على المسيحية، مع محاولات أقل للربط بين بقية المعتقدات الدينية والعلاج النفسي. وهذا مفهوم بحكم محاولة نفي الارتباط التاريخي السلبي الذي شرحناه.

كذلك، نلاحظ بعض الدراسات المتداولة كان مصدرها الأقسام الدينية وليس أقسام الطب النفسي في الجامعات الغربية.

هل التدين يقلل الاكتئاب؟ | س/ج في دقائق


لنركز على التجربة العملية. أليس المتدينون أقل عرضة للمرض النفسي فعلًا؟

هنا نحتاج للتفريق بين افتراضين: هل المتدينين أقل عرضة للمرض النفسي أم أقل شكوى منه؟

في أمريكا مثلًا، رصد الباحثون ظاهرة غريبة: اللاتينيون كانوا أقل شكوى من المرض النفسي مقارنة بالبيض. أجريت الدراسات، فاكتشفوا أن نسب المرض متقاربة، لكن نصف المرضى اللاتينيين المرضى لا يطلبون العلاج النفسي؛ لأن معتقداتهم الدينية تعتبر المرض النفسي ضعف إيمان أو عقاب إلهي. 

في المنطقة هنا، أجريت دراسات مشابهة في مصر والأردن وقطر، وخرجت بنفس النتائج تقريبًا، وزادت عليها أن درجة التدين الأعلى ارتبطت باحتقار المرضى النفسيين، بما منع الاعتراف بالمرض النفسي أصلًا.

يجب الانتباه هنا أن مرضًا نفسيًا بدون تدخل علاجي معناه فرص انتحار أعلى.

جني سقراط | هل كان فيلسوف الغرب الأشهر نبيًا أم مريضًا بالوسواس القهري؟ | مصطفى ماهر


هل يعني ذلك أن التدين في ذاته قد يكون مشكلة للمريض النفسي؟

لا. ليس في الإطلاق بهذا الشكل. نحتاج هناك لتبسيط توصيف المرض النفسي باعتباره حاله يعاني فيها المريض من “مشاعر العجز واليأس وانعدام القيمة وفقدان السيطرة”.

وفق هذا التوصيف، تذهب دراسات لاعتبار أن المعرضين للاكتئاب أكثر عرضة للتدين؛ إذ يقدم الدين بالضبط ما ينقص الشخص المكتئب “الأمل المفقود”: وعد واضح بأن هناك قوة عليا تحبك وستدخل لمساعدتك في الوقت المناسب. ووصفة فريدة للسيطرة على تفاصيل حياتك بالصلاة والأعمال الصالحة.

وحتى إذا لم تسر الأمور على ما يرام، فهناك وعد بحياة أخرى أفضل مما تتخيل.

بالوصول لهذه النقطة، يمكن اعتبار التدين عنصر دعم، أو بتعبير آخر “ملاذًا بديلًا للطبيب النفسي”. لكن مشكلات أخرى قد تنتج عن اقتران التدين بالمرض النفسي.

دراسة جيرفيه | هل الإلحاد مرض نفسي؟ لماذا ألحد مليارا شخص عالميًا؟ | س/ج في دقائق


أي مشكلات قد تنتج عن اقتران التدين بالمرض النفسي؟

نبدأ بنفس الحالة السابقة. الدين هنا وفر عنصر دعم، لكنه لم يحل المشكلة.

المريض لا يزال مريضًا ويحتاج للحصول على مساعدة طبيب نفسي؛ لأن أسباب المرض النفسي لم تحل.

لو أنكر ذلك، فإنكاره لا يعني أن المشكلة لم تعد موجودة. هذا ينذر بظهور المشكلة مجددًا في أي وقت، وتصل لانتكاسة لو تخيل المريض للحظة أن الإله اتخلى عنه بسبب ذنوبه مثلًا. وقتها يكون الانتحار احتمالًا قائمًا وبشدة. وهذا ما ظهر مؤخرًا في عدة حالات مشابهة.

هذا في الحالات الفردية البسيطة. في حالات معقدة أكتر، قد يتحول الموضوع إلى بكوارث جماعية.


أي كوارث جماعية قد تنتج عن اقتران التدين بالمرض النفسي؟

في بعض الحالات، وصف العلماء التدين نفسه بأنه قد يكون شكلًا من أشكال المرض النفسي، لو تحول من الجانب الروحاني، إلى الإيمان بسلطة مطلقة لنص أو قادة دينيين. هذا يخلق أنواعًا من المرض النفسي تبدأ مما يسميه الباحثون “المعتقدات المبالغ فيها” والتي تعني أن مجموعة تتشارك معتقد ما، وتبالغ في ترويجه وتدافع عنه، حتى لو كان خطأ في الغالب، ليسود المجتمع مع الوقت، ويصبح أكتر مقاومة للتحدي. هذا يخلقًا التزامًا عاطفيًا شديدًا عن المريض، بدرجة قد تدفعه للجوء للعنف في خدمة معتقده.

السوشال ميديا يلعب دورًا رئيسيًا هنا؛ لأنها تسمح بالنقل السريع والمتكرر للمعلومات الخاطئة، بما يجعل الأفراد أكثر عرضة لمثل هذه المعتقدات المبالغ فيها بشكل مفرط.

اندماج الهوية | من الزمالك إلى الإخوان.. لماذا ينضم البشر إلى جماعات الاستضعاف؟ | ترجمة في دقائق


هل هناك مصادر إضافية لمزيد من المعرفة؟

التدين والصحة العقلية: مساهمة في فهم عدم تجانس نتائج البحث (NLM)

الدين والروحانيات والصحة العقلية (Psychiatric Times)

معتقدات متطرفة أم أوهام دينية؟ (Psychology Today)

الوصمة الدينية تمنع العديد من اللاتينيين من طلب المساعدة (جامعة نيو جيرسي)

المعتقدات المبالغ فيها للغاية (JAAPL)

الارتباط بين التدين والاكتئاب يختلف باختلاف العمر والجنس (PLOS)

التدين ووصمة العار تجاه مرضى الأمراض العقلية بين طلبة الجامعة (Science Direct)

الدين والروحانية والاكتئاب في الدراسات المستقبلية: مراجعة منهجية (Journal of Affective Disorders)

هل المتدينون أكثر اكتئابًا؟ (Salon)

الأوهام الدينية في الاضطراب ثنائي القطب (Very Well Mind)


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك