في العقدين الماضيين منذ أن أنهت إسرائيل احتلالها العسكري لجنوب لبنان، نشأت علاقة تكافلية غريبة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.
بدعم من الأوضاع الجيوسياسية، أصبح هذان العدوان يعتمدان على بعضهما البعض لتعزيز طموحاتهما داخل بلديهما وفي المنطقة الأوسع.
فكيف ذلك؟
س/ج في دقائق
حزب الله – إسرائيل: كيف بدأت العلاقة التكافلية؟
في 1982، غزت إسرائيل لبنان بحجة محاربة منظمة التحرير الفلسطينية النشطة هناك.
بالتزامن، كان النظام الجديد في إيران بعد ثورة الخميني بحاجة لخلق جماعة شيعية مسلحة تمنحه الهيمنة في لبنان.
هنا، ترك الغزو الإسرائيلي المجال السياسي اللبناني مفتوحًا على مصراعيه أمام الجماعات الإسلامية للدخول في المعركة، وهي الأرضية التي منحت إيران الساحة لتأسيس حزب الله بمساعدة نظام الأسد في سوريا.
رايات تنظيمات مختلفة تتراص في موكب لحزب الله
لكن حركة أمل كانت موجودة بقوة. لماذا الحاجة لبديل؟
صحيح أن حركة أمل كانت موجودة وتحظى بشعبية ضخمة داخل المجتمع الشيعي وبين الإسلاميين. لكنها لا تلبي الغرض لأسباب، بينها:
1- حركة أمل تورطت في الحرب الأهلية؛ لذا لم يكن ممكنًا خلق شعبية لها خارج قواعدها.
2- ظهرت الحركة بصورة “منسجمة جدًا” مع قبول الاجتياح الإسرائيلي الذي أزاح ما تبقى من التحالف اليساري القومي العروبي من طريقها.
3- المناخ العام ملبد تمامًا، بعد اغتيال إسلاميين لقادة يساريين وشيوعيين، بينهم حسين مروة.
هذا الوضع أوجب على إيران البحث عن بديل جديد من خارج الدائرة القائمة بالفعل. ليُعلن عن تأسيس حزب الله في عام 1985. فيرث فورًا مكانة حركة أمل الأكثر رسوخًا باعتباره الحزب الأكثر شعبية داخل المجتمع الشيعي، ويجذب مؤيدين إسلاميين من خارج الملعب الشيعي نفسه.
إلى أي مدى لعبت إسرائيل دورًا في تثبيت الحركة الوليدة؟
بينما كان الغرض الأساسي من تأسيس حزب الله، هو مد الثورة الإسلامية تحت رعاية آيات الله، وبينما لم تجد إيران مشكلة في إمداد التنظيم الناشئ بكل ما يحتاحه: المال، والسلاح، والهيكل التنظيمي والأيديولوجي، والمبرر الديني، كان حزب الله بحاجة لشرعية سياسية وشعبية.
وجود إسرائيل منحه ذلك؛ إذ رسخ وجوده باعتباره “حركة مقاومة”.
وحتى بعد الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، استمر سلاح حزب الله باعتباره “المدافع الوطني عن لبنان”. وقبل أن تتآكل الشرعية، اندلعت حرب 2006.
جنود إسرائيليون يلوحون بعلم حزب الله أثناء عودتهم من القتال في جنوب لبنان – 2006
ورغم مرور كل هذه السنوات على الحرب، تواصل خطاب إسرائيل السياسي المهدد بعقاب جماعي للبنان؛ كذريعة للتنظيم للاحتفاظ بالسلاح، وللتصدي لأي حوار منطقي حول قصر حمل السلاح على الجيش.
حزب الله يعتمد على إسرائيل من أجل البقاء وحصد مكاسب سياسية في كل مرة تزداد ورطته محليًا.
استغل حزب الله إسرائيل للحفاظ على هيمنته العسكرية في لبنان. وبجانب ذلك يحاول استكمال هيمنته السياسيه بجلب الوقود الإيراني لتشغيل الكهرباء، في حين تفشل الدولة اللبنانية في التعامل مع أزمة الطاقة.
كما استغل إسرائيل لإثبات، وتثبيت، ضعف الدولة اللبنانية، ومن ثم الحاجة إلى حزب الله. مع سد الطريق في نفس الوقت أمام أي حل سلمي ينفي الحاجة إلى ميليشيا “مقاومة”.
حتى التقارب بين إسرائيل ودول الخليج في إطار السعي إلى “سلام”، استغله حزب الله لتغذية شعور محازبيه بأن هناك مؤامرة ضده.
وأين مصلحة إسرائيل من وجود حزب الله إذن؟
حزب الله أحد التهديدات الرئيسية التي تستخدمها المؤسسة الإسرائيلية لتبرير عسكرة الحياة اليومية.
الخطاب العدائي المستمر للمسؤولين الإسرائيليين يخدمهم بتصدير وجود خطر دائم، وأنهم على دراية بمواجهته.
هذا التحليل لا يشير إلى وجود تنسيق بين حزب الله وإسرائيل. بل إلى علاقة تكافلية نشأت من الأحداث.
رغم ذلك فالتحليل يعاني من نقاط ضعف:
مشكلة مثل هذا التحليل أنه يعتمد فقط تقريبًا على احتلال عام 1982 وحرب 2006 لشرح كل شيء عن العلاقة بين حزب الله وإسرائيل، دون مراعاة الديناميكيات المهمة التي ظهرت بعد الربيع العربي عام 2011، ودور حزب الله وإيران في الثورة المضادة في سوريا، وهو ما غير صورته الذهنية بشكل حاد.
لماذا بدأت هذه العلاقة في التآكل مؤخرًا؟
بينما كانت تصرفات إسرائيل تجبر العديد من اللبنانيين على قبول حزب الله باعتباره أهون الشرين، بدأ المشهد يتغير مع تنامي المشكلات الاقتصادية وتردي الأحوال المعيشية، ليتراجع “تقديس المقاومة”، ويضطر حزب الله لاستخدام سلاحه بشكل واضح ضد الداخل.
بالمقابل، تغير الوضع في إسرائيل مع تعديلات إقليمية شملت التحول نحو تطبيع العلاقات مع الخليج، والتصعيد المتبادل مع إيران، بما حول حزب الله إلى “أطول أذرع طهران إلى إسرائيل”. هذا ينذر بتغيير المشهد في أي لحظة