الرئيس الأمريكي جو بايدن شكر أمير قطر تميم بن حمد على الدعم السخي في عملية الإجلاء الجارية في أفغانستان وعلى تسهيل المحادثات الأفغانية.
في نفس وقت المكالمة تقريبًا، كان سلاح الجو القطري ينقل زعيم طالبان الملا عبد الغني برادر إلى قندهار. الرجل نفسه الذي توسطت الدوحة قبل سنوات لإخراجه من سجون باكستان.
فما علاقة قطر بطالبان؟ هل هي وسيط نزيه؟ سؤال لا يتردد في عقلك وحدك. بل ستجد اهتماما به في وول ستريت جورنال، فاينانشال تايمز، فورين بوليسي، ديلي ميل، وفي تصريحات مسؤولين غربيين لا نعرف أسماءهم لأنهم في الغالب لا يكشفون عن هويتهم لأسباب دبلوماسية.
العنوان الجامع: “قطر حاليًا أكثر من يستحق تعبير الدولة ذات الوجهين في العالم؛ تشارك في التحالفات ضد الإرهاب الذي توفر له هي بيئة النمو”.. فما التفاصيل؟
س/ج في دقائق
ما طبيعة علاقة قطر – طالبان ؟
علاقة قطر – طالبان ليست جديدة. لكنها مقسمة على مراحل:
1- البداية:
بدأت في وقت مبكر من 2013 بفتح مكتب طالبان في الدوحة بدعم من إدارة باراك أوباما – جو بايدن التي قالت إنها تبحث عن أرض محايدة للتفاوض تحضيرًا لسحب القوات من أفغانستان.
خبيرة شؤون الخليج في مجموعات الأزمات الدولية، إلهام فخرو، تقول إن إدارة الديمقراط حينها أرادت الإشارة إلى أنها لن تحقق نصرًا صريحًا ضد طالبان. بالتالي يجب إشراكهم في عملية سياسية.
2- سحب شرعية الاستضافة:
رحلت إدارة أوباما – بايدن وجاء دونالد ترامب. واعتبرت الولايات المتحدة في تقرير للجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب 2017، أن السماح القديم باستضافة قطر لإرهابيين من طالبان وغيرها “أخطاء الماضي التي وقعت فيها إدارات سابقة”، معرفًا الإمارة بـ “بيئة متساهلة مع الإرهاب”، ملوحًا بسحب القاعدة الأمريكية إن لم تغير قطر سلوكها.
3- التفاوض الأخير:
في 2018، عادت إدارة ترامب ووسطت قطر. وأقنعت قطر إدارة ترامب بالتوسط لدى باكستان لتحرير الزعيم السياسي لحركة طالبان الملا عبد الغني برادر الذي خرج من السجن إلى الدوحة لقيادة مكتب الحركة وإدارة التفاوض مع الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، والذي انتهى بتوقيع اتفاق الدوحة في 2020.
تقول دويتشه فيله إن الإمارة “ليست محايدة تمامًا” واصفة علاقة طالبان – قطر فريدة؛ لأن التنيظم يقدر للدوحة أنها منحته الشرعية التي كان يفتقدها رغم خطوة شكلية برفض تسمية مكتبها التمثيلي بـ “إمارة أفغانستان الإسلامية”.
وتضيف واشنطن بوست أن قطر قدمت قناة الجزيرة كمنبر لمخاطبة طالبان للجمهور، بالدرجة التي بدا معها تأثير الجزيرة واضحًا بسيطرة طالبان على كابول؛ إذ بثت الأحداث مباشرة، وسُمح لمراسليها بالوصول الحصري إلى مسؤولي التنظيم ونقل مشاهد دخول مقاتلي المجموعة القصر الرئاسي في كابول.
ماثيو ليفيت، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أضاف أن الأمر لم يتعلق بسياسة قطر بالحفاظ على سياسة الباب المفتوح بل التسامح مع جمع التبرعات.
باختصار، وفق تقرير مجلس النواب الأمريكي، منحت قطر طالبان فرصة أكبر لاستخدام الدوحة كقاعدة للتعامل مع العالم.
لكن أمريكا من طلبت.. لماذا اتهام قطر بدعم طالبان إذن؟
في جلسة الكونجرس 2017، أعاد أكثر من نائب وخبير ترتيب الأحداث.
إيلان غولدنبرغ، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط، قال إن الولايات المتحدة طلبت من قطر فتح مكتب تمثيل طالبان لأن الدوحة كانت تستضيف ممثلي طالبان بالفعل.
استشهد غولدنبرغ بما وصفه بـ “أسوأ صفقة يمكن أن يحققها مفاوض” والتي ضغطت فيها قطر لمبادلة 5 من كبار قادة طالبان بجندي أمريكي واحد فقد في أفغانستان.
القادة الخمسة وصلوا قطر فور إطلاق سراحهم ليعززوا التمثيل الذي كان موجودًا بالفعل.
في البداية، رأي أوباما – وفق غولدنبرغ – أن يخلق تواصلًا براجماتيًا مع هيكل واضح يمكن التفاوض معه فوق الطاولة.
الأزمة أن الخطوة سهلت انضمام مقاتلين ومسؤولين آخرين من طالبان إلى زملائهم الذين باتوا يملكون ما يشبه السفارة في قطر بينما كانت الحكومة الأفغانية نفسها تكافح لضمان المزيد من الشرعية.
النائب الجمهوري تيد دويتش يصف قطر بـ “أمة صغيرة لكنها ثرية للغاية تسعى لتحقيق طموح السياسة الخارجية عبر ضمان علاقات وثيقة مع الجهات الفاعلة الباحثة عن اعتراف وتمويل. وهذا يشمل كل المجموعات الإرهابية وبينها طالبان.
تقرير الكونجرس وصف قطر بـ “شريك معقد”. قال إن سياستها قامت على بناء شبكة علاقات ضخمة “واستفزازية” مع جميع الجهات الفاعلة المثيرة للقلاقل.
ووفق التقرير، تجاهلت قطر كل التحذيرات حول دعم تلك المجموعات؛ لأنهم استغلوها كوسيلة ضغط لضمان ما يصفه جيدو شتاينبرغ من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية بـ “الحماية الأمريكية” التي تعتمد عليها الإمارة من أجل البقاء.
ويعتقد شتاينبرغ أن ترسيخ الوجود هو أهم دافع وراء سياسة قطر الخارجية؛ إذ تؤمن أن بعض الجيران لا يؤمنون بأن المنطقة بحاجة إلى قطر.
إلهام فخرو من مجموعة الأزمات الدولية تقول إن هذا الدور مع طالبان وأخواتها منح قطر نفوذًا في علاقتها مع الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الغربية، بل وحتى روسيا والصين.
كيف برزت هذه الفوائد مع انسحاب بايدن من أفغانستان؟
بوصف بي بي سي، بينما تتدافع القوى العالمية للبحث عن مخرج في أفغانستان، برزت قطر ومعها تركيا كوسطاء و”ميسرين” رئيسيين”.
دينا إسفندياري، كبيرة مستشاري مجموعة الأزمات الدولية، قالت إن أحدًا لم يتمكن من إجراء أي عملية إخلاء كبيرة من أفغانستان دون مشاركة قطر بطريقة أو بأخرى.
إسفندياري اعتبرت أن طالبان منحت قطر انتصارًا مهمًا لأنها قدمتهم للغرب كلاعب جاد قادر على التأثير.
مع ذلك قد تكون قطر آخر المعترفين بحكم طالبان.. لماذا؟
بوصف واشنطن بوست، حصدت قطر نوعًا من الاعتراف الدولي الذي طالما سعت إليه. لكن محللين حذروا من أن بروز تأثير قطر على طالبان ينطوي على مخاطر كبيرة بالنظر للمخاوف بشأن الطريقة التي ستحكم بها طالبان.
تضيف: “ولأن قطر تعرف طالبان وتعرف ما سيحدث في أفغانستان، وأن الأمور ستكون مروعة، فستحاول ألا تربط صورتها بطالبان. ولذلك كانت حريصة على تكرار التأكيد أنها متفاعلة مع طالبان لأن طرفًا آخر طلب منهم القيام بذلك”.
موضوعات متعلقة
نسخة للطباعة
