لعقود، عرفت الصين بنموذجها الخاص من الرأسمالية أو ما يوصف بـ “الرأسمالية الصينية” عبر “ميكس” يعطي بعض الحرية لتحرك السوق مع بعض القيود المتعلقة بحقيقة أن الصين لا تزال دولة شيوعية اشتراكية.
هذا النموذج منح الحزب الشيوعي الحسنيين: سيطرة سياسية مطلقة + نظام اقتصادي محكوم ضمنيًا لكنه لا يزال قادرًا على خلق الثروة وانتشال مئات الملايين من الفقر.
لكن الصين ترى أنها وصلت لمرحلة “Enough is Enough” وأن الوقت حان للعودة إلى رؤية ماو تسي تونغ باعتبار أن الرأسمالية كانت “مجرد مرحلة انتقالية على طريق اشتراكية الصين.
هذا ظهر في خطط الرئيس الصيني شي جين بينغ للسيطرة على ثروات الشركات الخاصة الكبرى، أو نقلها كليًا لسيطرة الدولة.
س/ج في دقائق
لماذا تخطط الصين لاستعادة اشتراكية ماو؟
قبل 40 عامًا، أطلق دينج شياو بينج إصلاحات الصين الاقتصادية لأول مرة؛ باتحاه نموذج رأسمالي نوعًا ما.
والنتيجة كانت انتشال مئات الملايين من الفقر، وخلق تريليونات الدولارات من الثروة.
لكن قادة الحزب الشيوعي الصيني يقولون حاليًا إنه لم يعد صالحًا؛ لسبب معلن: تفشي الفساد وعدم المساوة وتهديد الاستقرار الاجتماعي، وآخر كامن: تقويض الأساس الأيديولوجي لاستمرار الحكم الشيوعي.
لكن الرئيس شي جين بينغ يتخوف خصوصًا من خروج رأس المال الخاص عن السيطرة؛ خصوصًا بعد أن رأى بعينيه حظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على منصات السوشال ميديا؛ باعتبار أن الشركات الكبرى باتت قادرة على فرض إملاءات على زعيم سياسي.
لذلك يحاول بقوة إعادة الصين إلى رؤية ماو تسي تونغ، الذي رأى الرأسمالية “مجرد مرحلة انتقالية على طريق صين اشتراكية”.
في خطابه في يناير 2021، أعلن شي جين بينغ أن هدفه بناء الصين لتصبح قوة اشتراكية حديثة.
وفق تحليل وول ستريت جورنال، لا تريد الصين القضاء على قوى السوق كليًا، بل تحكم الحزب الشيوعي في تدفقات الأموال، وقدرة المستثمرين على جني الأرباح، لتخضع كامل حركة السوق للسيطرة الرسمية.
نتج عن تغييرات شي أكثر من 100 إجراء تنظيمي وتوجيهًا حكومية وتغييرات في السياسة منذ أواخر 2020، شاملة خطوات لكسر هيمنة البيج تيك على السوق، وبينها عملاق التجارة الإلكترونية علي بابا، وشركتا تينسنت ودي دي.
لكن ما حدث حتى الآن ليس إلا تحركات مبدئية. خلال اجتماع القيادة في أغسطس 2021، شدد شي على هدف “الرخاء المشترك” عبر توزيع أكثر عدالة للثروة من خلال التدخل الحكومي في الاقتصاد لجعل الأغنياء يتشاركون ثمار نجاحهم.
وول ستريت جورنال نقلت عن “مصدر مسؤول” أن الصين تخطط لتعزيز الرقابة على رأس المال الأجنبي، حتى لا تتمكن الشركات من الحصول على أرباح عالية جدًا في البلاد.
وفق مخطط شي، سيكون للحكومة مستوى من السيطرة يسمح بتحريك الاقتصاد والصناعة على المسار الذي تختاره بنفسها، وتوجيه الموارد الخاصة لتعزيز سلطة الدولة.
الخطر الكبير هنا أن الخطوة تعني قمع المشروعات التي خلقت ازدهار الصين الحالي.
الشركات الأجنبية تشكو حاليًا من الاضطراب الناتج عن اشتراطات الحكومة باتباع خط الحزب الشيوعي.. حملة شي لا تعني إلا مزيدًا الاضطراب في المستقبل.
الآن سيُطلب منهم فعل المزيد، بما في ذلك مشاركة بيانات المستخدمين، وتعيين أعضاء الحزب الشيوعي في الهيكل الإداري. ومستقبلاً سيمتد الضغط للتضحية بمزيد من الأرباح لمساعدة بكين على تحقيق أهدافها.
أدت تغييرات سياسة شي نحو اشتراكية الصين إلى خسارة أكثر من تريليون دولار من قيمة سوق الأسهم، وخصم أكثر من 100 مليار دولار من ثروة رواد الأعمال مثل مؤسسي علي بابا وتينسنت، بعد تشجيع الشركات الخاصة وأصحابها على التبرع بالأرباح والثروة للمساعدة في تحقيق أهداف الرخاء المشترك، فقدمت علي بابا وحدها ما يعادل 15.5 مليار دولار.
وبسبب هدف الخطة لتحويل شركات التعليم الخاص إلى كيانات غير ربحية، تراجعت أسهم شركة نيو أورينتال التعليمية بنحو 90% هذا العام.
الإجراءات الأخيرة لترويض أسعار الوحدات السكنية خلقت كذلك أزمة سيولة بين المطورين العقاريين، خصوصًا شركة إيفرجراند، وهي شركة مهمة محليًا وعالميًا لكنها مثقلة بالديون، مما أدى إلى أزمة في الأسواق العالمية.
نعم. سيرثها الحزب الشيوعي حالة التحول لنموذج اشتراكية الصين.. والبداية من البيج تيك.
في خطة شي، سيقتصر العمل في المجالات التي يحددها الحزب الشيوعي باعتبارها “ضرورية للأمن القومي” – مثل إدارة البيانات الرقمية – على الشركات المملوكة للدولة.
وبدأت لجنة الإشراف على الأصول المملوكة للدولة بالفعل وضع خطط لإنشاء المزيد من مزودي الخدمات السحابية الخاضعين لسيطرة الحكومة من أجل تخزين البيانات.
وأمرت مدينة تيانجين الشركات التي تشرف عليها بنقل البيانات من المنصات السحابية للقطاع الخاص إلى المنصات المملوكة للدولة بحلول سبتمبر 2022 على أبعد تقدير.
ستستحوذ الكيانات الحكومة كذلك على حصص ومقاعد في مجالس إدارة المزيد من الشركات للتأكد من أنها تتماشى مع أهداف الدولة.. هذا بدأ في شركات مثل بايت دانس، المالكة لتطبيق تيك توك، وشركة ويبو، للسوشال ميديا.
في بقية الشركات، ينوي الحزب الشيوعي استبدال الشركات الكبرى بشركات صغيرة ومتوسطة خاضعة مباشرة أو عبر وسطاء لسيطرة الحكومة.