باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
بحضور شخصيات مصرية وأجنبية حقوقية وثقافية، أطلقت الدولة المصرية الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. وأعلن الرئيس السيسي أنها تضم سبعة محاور للنهوض بمسألة حقوق الإنسان في مصر، بداية من 2022 الذي أعلن أنه سيكون “عام المجتمع المدني”.
خلال مؤتمر الإطلاق، شارك الرئيس السيسي في جلسة نقاشية مع شخصيات ثقافية وسياسية وحقوقية مصرية، لتخرج بما يمكن اعتباره الحديث الأجرأ والأشمل منذ توليه الرئاسة.
بعد غزو العراق، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عن مشروعه الشرق الأوسط الكبير، الذي شمل فرض منظومة القيم الديمقراطية الحقوقية الأمريكية.
لتطبيق الاستراتيجية، مارست واشنطن ضغوطًا على الحكام، ودعمت منظمات حقوقية محلية، في أستراتيجية أدت في المحصلة إلى الربيع العربي، وثبت فشلها بما آلت إليه من انهيار الدول وانتشار الإرهاب، لينهار المشروع الأمريكي.
كان السبب الأساسي وراء الانهيار هو خلل الأولويات في المسألة الحقوقية؛ حيث تمحورت بالأساس على الحقوق السياسية من ديمقراطية وحكومات منتخبة، دون مراعاة طبيعة المجتمعات وثقافتها التي لا تتقبل الاختلاف. فتحولت الحقوق السياسية لوسيلة انتهازية من جماعات الإسلام السياسي للوثوب على السلطة.
لاحقًا تطورت المسألة. وأضيفت أجندة الصوابية السياسية بما تحمله من قضايا جدلية بعيدة تمامًا عن واقع مجتمعنا، ولم تحسم حتى في الغرب (المثلية والجندرية كمثال) لتتحول إلى ورقة ضغط إضافية.
الجديد في رؤية الدولة المصرية عبر الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان كان طرح الطريق الثالث؛ بإعادة تعريف المفهوم الحقوقي من منطلق مشكلات وأولويات المجتمع المصري، دون إهمال الجانب السياسي.
التفكر في المعتقد | كلام السيسي منقول من كتب يدرسها الأزهر.. لكن أين الإشكال؟ | هاني عمارة
منذ إعلان الجمهورية المصرية في 1953، قام الخطاب العام على صورة الشعب العظيم القائد المعلم، وتمجيد القيم والثقافة الشعبية، وعزو المشكلات إلى القلة المندسة والطابور الخامس.
الجديد في حديث الرئيس السيسي خلال الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان هو المصارحة بأننا نعاني من أزمة في الوعي الجمعي والثقافة الشعبية.
اعتبر ما حدث في 2011 رغم نبل مقصده ناتجًا عن وعي زائف تراكم خلال 30 عامًا، وأما الثقافة فتحدث عن جماعات الإسلام السياسي التي ظلت تنخر في جسد الوطن 90 عامًا حتى تحولت خطابها على ثقافة عامة تاثر بها الشعب.
الجمهورية الأولى | كيف طوعت ثورة يوليو أعمدة الثقافة الثلاثة؟ | الحكاية في دقائق
يترسخ لدى البعض أن التغيير الاجتماعي والثقافي والإداري والاقتصادي يأتي من رأس الهرم.
لكن الرئيس السيسي يرى ان التغيير لابد وأن يكون نابعًا من المجتمع، ونتاج تفاعل مجتمعي قوي، لينشأ راي عام يتقبل القرارات.
يرى أن هذا لا يمكن أن يتحقق في زمن قصير، وإنما قد يصل لعقود من الزمان، بتراكم الخبرات وتطور الوعي.
وهو ما عبر عنه بموقفه من أحداث 2011 انها كانت شهادة وفاة للدولة المصرية. لكنه لم يصرح بهذا وقتها لأن الوعي العام لم يكن ليتقبل هذا الكلام.
ما سر انحياز شيخ الأزهر للتجديد الديني الآن؟ وهل ناقض موقفه السابق؟| عبد السميع جميل
كان الموقف العام للنظم السابقة في الملف الديني هو اعتبار الدين الرسمي معتدلًا وسطيًا، وأن المشكلة في التشدد الديني الناتج عن مجرد سوء الفهم.
أما موقف الرئيس السيسي الذي عبر عنه في أكثر من مناسبة بأن نسخة الاسلام الحالية (الشعبي والرسمي) غير قابلة للتعايش والتسامح مع الدولة الوطنية الحديثة:
اما الشعبي، فتنتشر ثقافة الإقصاء، وعدم تقبل المختلف دينيًا، والتشدد في السلوك والممارسة. وأما الرسمي في القوانين والتشريعات غير الملائمة للدولة الحديثة، مثل حرية الاعتقاد الختان والطلاق الشفهي.
الجديد في خطاب الرئيس السيسي عندما تحدث عن حرية الاعتقاد وتقبل وجود المختلف دينيًا أنه صرح أنه يتقبل ذلك من منطلق ديني قبل أن يكون إنسانيًا، وهو شق مهم في رؤية السيسي يمكن أن نطلق عليه “علمنة الإسلام” بدلًا من تهميشه وعزله، التي ينادى بها البعض على الطريقة الفرنسية.
وقد عبر السيسي عن هذا المعنى سابقًا باعتبار أن رئيس الدولة مسؤول عن دين الدولة كما وصف قضية الخطاب الديني بأن الأمر يتجاوز مجرد تغيير الخطاب إلى ثورة دينية.
الإصلاح الديني | هل الدولة جادة في تحقيقه؟ ومن المستفيد الأكبر من تعجيله / تعطيله؟| حيدر راشد
يعتقد كثيرون أن مشكلات الدولة يمكن أن تحل بإصدار قوانين. لكن الرئيس السيسي يرى غير ذلك، حينما رد على إبراهيم عيسى في مسالة الطفل الثالث بأن إصدار قانون يضاد ثقافة المجتمع دون وعي وتقبل مجتمعي يتحول حبرًا على ورق، وأن الإفراط في القوانين التي لا تلتزم بها الناس ولا تقدر الدولة على تنفيذها يسقط هيبة الدولة والقانون على السواء.
بنفس المنطق، برر عدم صدامه مع مؤسسة الأزهر التي رفضت دعوته لإلغاء الطلاق الشفوي برغم أن سلطته كانت تسمح له بذلك.
تحديد النسل الحائر بين الأرض والسماء.. هل حرم الله مصلحة عباده؟ | عمرو عبد الرازق
من الظواهر التي انتشرت مع الفضائيات ومنصات السوشال ميديا كان لجوء كثير من المواطنين لإثارة مشكلاتهم وشكاواهم في الفضاء الإلكتروني، فتضطر الدولة تحت تاثير السوشال ميديا للتجاوب، حتى تكونت قناعة لدى قطاع كبير من المواطنين بأن اجهزة الدولة لا تتحرك إلا بالترندات، فأصبحت وسيلة لأخذ الحقوق بدلًا من اللجوء للقنوات الرسمية
الرئيس السيسي أشار إلى هذه الظاهرة في حديثة عن علاج طفلة أسيوط بعد أن شاهد استغاثتها في أحد البرامج، واصفًا ما حدث برغم استجابته بأنه علاج تمييزي، ولا يصح أن تدار الدولة بهذه الطريقة.
كما عبر عن ذلك في الوثيقة التي ألقاها عن هذه المشكلة في المحور السادس ونصه:
تطوير منظومة تلقي ومتابعة الشكاوى في مجال حقوق الإنسان للاستجابة السريعة والفعالة لأية شكاوى والتواصل الفعال مع جهات الاختصاص بشأنها.
الجمهورية الجديدة | ما أفضل إنجازات 30 يونيو؟ المفتاح في رسالة السيسي | خالد البري
انتقد الرئيس السيسي انعزال النخب الثقافية في تنظيرات مثالية بعيدة عن واقع الدولة وعدم احتكاكهم بالجماهير وضرب بمثال ما حدث في الربيع العربي عندما قال: العقلية القاطرة التي كانت تنظر للناس في الربيع العربي كانت منعزلة عن واقع بلادها مما ادى لانهيار تلك الدول
يقصد مزايدات النخب والمثقفين والمطالبة بالديمقراطية والانتخابات وفدرلة الدولة دون مراعاة الواقع الثقافي المتطرف وسيطرة الجماعات المتطرفة.
السيسي: المقاربة التنظيرية والمقاربة التنفيذية – كيف نقيم إيقاع التغيير؟| خالد البري