في 1980، عدل الرئيس المصري محمد أنور السادات الدستور ليحول الشريعة الإسلامية من “مصدر رئيسي” إلى “المصدر الرئيسي” للتشريع، ضمن تعديلات أخرى أجازت انتخاب الرئيس “مددًا أخرى” بدلًا من “مدة تالية متصلة”.
الآن، دستور تونس الجديد يفعل العكس!
ألغى الدستور الجديد النص على دين الدولة من الفصل الأول، ضمن تعديلات أخرى حولت نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي مطلق.
ما أهم التغييرات في دستور تونس الجديد؟
لماذا أثارت التعديلات سخط البعض بينما اعتبرها آخرون ضرورية؟
وهل يرسخ فعلًا لحكم الفرد الواحد؟
س/ج في دقائق
نبدأ بمواد الشريعة.. ماذا تغير في دستور تونس الجديد؟
دستور تونس لم ينص تاريخيًا على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا أو “المصدر” للتشريع. لكنه نص منذ 1959 على الإسلام كدين للدولة. وهذا تحديدًا ما ألغي في الدستور الجديد؛ بعدما جادل الإسلاميون طويلًا بأنها اعتراف دستوري بتونس كدولة إسلامية.
بالمقابل، تضمن الدستور الجديد عدة إشارات للإسلام، أهمها:
1- المادة الخامسة: اعتبرت تونس جزءًا من الأمة الإسلامية، وأن “الدولة وحدها تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في حفظ الحياة والشرف والمال والدين والحرية”.
هذه تحديدًا كانت نقطة جدل؛ فبينما اعتبر مراقبون أنها تحرم الإسلاميين من ملعبهم الشعبي، حذر مرصد الدفاع عن مدنية الدولة من سهولة استغلال النص في “إقامة دولة دينية على هيئة دولة الخلافة”، خصوصًا إذا عاد الإسلاميون للسلطة.
بينما أسس دستور 2014 لنظام برلماني، يحول دستور تونس الجديد البلد إلى حكم رئاسي مطلق:
دستور 2014 لم يمنح الرئيس صلاحيات حقيقية بشكل حصري؛ اعتبره “ممثل الدولة وضامن احترام الدستور”، لكنه ألزمه بموافقة جهات أخرى – أو استشارتها على الأقل – في معظم الصلاحيات.
في الدستور الجديد، تتركز السلطة التنفيذية بيد الرئيس، الذي بات يملك تعيين الحكومة “بدلًا من مجلس نواب الشعب” وإعفاءها، وفق الفصلين 101 و102، على أن “تساعده الحكومة في ممارسة سلطاته”.
كذلك، يملك الرئيس حل البرلمان، وتقديم مبادرات تشريعية تمنح الأولوية في المجالس النيابية، وإصدار مراسيم أثناء العطلة البرلمانية أو حال حل المجلس، وحق العفو الخاص، وحتى تعديل النظام السياسي.
ووفق نص الفصل 110، يتمتع الرئيس بالحصانة طيلة توليه الرئاسة، ولا يسأل عن الأعمال التي قام بها في إطار أداء مهامه. وفي حالة “الخطر الداهم”، يمكن للرئيس تمديد فترة رئاسته.
أضاف الدستور الجديد غرفة برلمانية جديدة باسم “المجلس الوطني للجهات”، ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة، إلى جانب “مجلس نواب الشعب”.
ويوصف المجلس الجديد بتنفيذ لتصور الرئيس قيس سعيد لـ “اللامركزية الجريئة” التي عرضها خلال حملته الانتخابية، والتي تمنح المجالس المحلية الحق المطلق في إدارة التحديات الاقتصادية واعتماد نموذج التنمية الذي يتوافق مع الإقليم، لكنها كانت مستحيلة تحت الدستور السابق.
كذلك، يملك الرئيس شروط حل البرلمان، بينما لا يملك البرلمان إقالة الرئيس، في تغيير جذري للدستور السابق.
كما يحتاج البرلمان لموافقة ثلثي نوابه لسحب الثقة من الحكومة التي عينها الرئيس، بعد أن كانت “أغلبية بسيطة” في الدستور القديم.
أوكل الرئيس مهام صياغة الدستور إلى لجنة يرأسها أستاذ القانون الدستوري المتقاعد، الصادق بلعيد.
لكن بلعيد قال إن النسخة التي عرضت للاستفتاء ليست النسخة التي أقرتها لجنته، متهمًا التعديلات التي أدخلها الرئيس بـ “إفساح المجال لنظام ديكتاتوري مشين”، معتبرًا أن لجنته “بريئة تمامًا من المشروع الذي طرحه الرئيس للاستفتاء”.
يقول مؤيدو دستور تونس الجديد إن مواده التي حولت السلطات إلى يد الرئيس كانت ضرورية؛ لأسباب أهمها منع عودة الإسلاميين إلى السلطة في أي انتخابات جديدة، وتجنب الشلل الذي أصاب البلاد مع الأزمات المتتالية بين الحكومة والبرلمان، أو بين الكتل النيابية، منذ التحول إلى النظام البرلماني بعد سقوط زين العابدين بن علي.
بالتالي، يكون النظام الرئاسي هو الأنسب، من وجهة نظرهم.
كأي دستور، فالضمانة الوحيدة هي استقرار الوضع على ما هو عليه.
في حالة تونس، نص الدستور القديم صراحة على عدم جواز تعديل بعض مواده، مثل الفصل الأول. لكنه بالنهاية سقط مع إجراءات الرئيس في 2021 بحل البرلمان وعزل الحكومة، ثم إقرار دستور جديد، وكلها إجراءات اتخذت تحت بند “الخطر الداهم”.