باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
1- اختلاف منهج ولغة سيد قطب الثورية الأدبية عن طريقة السلفيين الشرعية التي يتبناها يعقوب والآراء المتشددة في أتفه الأمور. كما كان يروج عنهم أنهم لا يتدخلون بالسياسة.
2- يعقوب نفسه لا يكاد يذكر اسم سيد قطب في دروسه أو كتاباته، بشكل يبدو متعمدًا، بخلاف أقرانه من مشايخ السلفية، محبيه وكارهيه على سواء.
1- صدرت له عدة محاضرات في فن الدعوة، تشابهت مع المناهج الإخوانية الحركية في اجتذاب الأعضاء باستخدم نفس المراحل الدعوية والآليات الميكيافيلية.
2- أفكار أصدقائي من تلاميذ يعقوب المباشرين كانت أقرب للتكفير. يتعاطفون مع تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن. ومنهم عرفت الكثير من المفاهيم التكفيرية مثل الطاغوت والحاكمية. ولمست أنهم رغم كراهيتهم للإخوان، كانوا يستثنون سيد قطب فيكيلون له المديح.
3- حين سافرت للخليج، وجدت انقسامًا حادًا في التيار السلفي هناك، عكس مصر، بين اتجاه يطلق عليه “المدخلية” يقتصر على العلوم الشرعية ويحرم العمل بالسياسة، وتيار يمزج الفكر السلفي بالحركية الإخوانية يطلق عليه “السرورية” أو القطبية.
وكان النقطة الفاصلة بين التيارين هو الموقف من سيد قطب الذي يعتبره المداخلة ضالًا خارجيًا مبتدعًا في الدين، بينما يعظمه السروريون ويقدسون كتابيه معالم في الطريق وفي ظلال القرآن.
وقتها، تناقشت مع شيخ محسوب على المداخلة. ذكرت له محمد حسين يعقوب فاعتبره “قطبيًا سروريًا” ضمن مشاهير شيوخ السلفية في مصر الذين اعتبرهم في الحقيقة من تلاميذ سيد قطب السروريين، لم يستثن منهم أحدا وخص بالذكر يعقوب مع أبي إسحاق الحويني.
كلام الشيخ المدخلي حل لي إشكالية:
لماذا كانت أفكار تلاميذ يعقوب تكفيرية؟
ولماذا لديهم نزعة حركية؟ ولماذا أجد في كتاباته وصوتياته مفاهيم إخوانية، مثل التمكين والاستخلاف والدعوة والداعية؟
لبيك “إسلام الجريمة”.. كلنا نفدي الحمى .. أكان الشيخ شاهدا أم مجرما؟ | خالد البري
في كتابه “أصول الوصول” يمتدح محمد حسين يعقوب سيد قطب دون تسميته، فيقول: “وتأمل ماذا يقول من ذاق نعمة القرآن.. إنه رجل ربّاه القرآن، وسرى بألفاظه ومعانيه فى دمه“، ثم نقل اقتباسًا من مقدمة الظلال تحدث فيها سيد عن رحلته مع القرآن.
وفي إحدى حلقات “شرح الطحاوية” عن فتنة التكفير، ذكر محمد حسين يعقوب القصة التي روجها الإخوان عن رفض سيد قطب التوقيع على التماس لعبد الناصر: “إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية”. وهي القصة التي ينكرها من حضر إعدامه.
تعني انفراد الإله بالحكم من خلال التشريع، واعتبار أي تشريع آخر شركًا. المفهوم ضمن أساسيات أفكار سيد قطب. واستخدمه محمد حسين يعقوب في كتابه “الدعوة الربانية” في جزء العقيدة “شرك الحاكمية” ضمن الشركيات المعاصرة التي يجب محاربتها.
يعتبر التمكين من المفاهيم الأساسية عند الإسلاميين الحركيين. ويعني العمل حتى السيطرة على المجتمع لتمكين الدين.
يعني القوانين والمؤسسات التي تحتكم لغير الشريعة ويرون أنها يجب الكفر بها.
الطاغوت | كلمة السر في تكفير الجهاديين لأنصار الإسلام السياسي بقاعدة سيد قطب | هاني عمارة
أما أهم ما قام به ويكشف مدى تأثره بأفكار سيد قطب – بعكس ما توحي به شهادته – فهو كتابه الشهير “قصة الالتزام والتخلص من رواسب الجاهلية” وهي المفاجأة التي نكشف عنها في هذا البحث:
الكتاب محاكاة لكتاب معالم في الطريق وفق الرؤية السلفية للشيخ:
المعالم: يقوم على مفارقة الفئة المؤمنة للمجتمع الجاهلي، وتكوين جماعة ربانية تفارق المجتمع وجدانيًا، وتستعلي بإيمانها عليها، فتصحح إيمانها، وتتطهر من رواسب جاهلية المحتمع، لتكون مؤهلة للتمكين
قصة الالتزام تقوم على نفس المعنى، لكن عن الفرد السلفي الذي يلتزم، فيهجر المجتمع الجاهلي وينعزل عنه نفسيًا وشعوريًا، ويصحح عقيدته، ويتخلص من رواسب الجاهلية ليكون مؤهلًا للتمكين.
1 – في قصة الالتزام يقدم يعقوب ما يشبه إعادة صياغة مستترة لكتاب سيد قطب الأخطر “معالم في الطريق” برؤية سلفية.
2 – يقتبس يعقوب كثيرًا من كتاب سيد قطب مقاطع ومصطلحات دون أن يشير إليه، بشكل يرتقي للسرقة الأدبية والتدليس على القارئ.
الاختلاف بين محمد حسين يعقوب – سيد قطب أن يعقوب استفاد جزئيًا من خطأ قطب، فاختار الالتزام بديلًا للإسلام، حتى لا يتهم بالتكفير، كما نبه أنه يستخدم مفهوم الجاهلية بالمعنى الأدبي وليس الشرعي كحيلة دفاعية تطلق كذلك في الدفاع عن “معالم في الطريق” بأنه ليس تكفيريًا باعتبار سيد قطب كتبه بلغة أدبية. ومنه يفهم سر إجابة يعقوب في المحاكمة باعتبار قطب أديبًا وليس شيخًا.
قارنوا تشابه النصين المظللين باللون الأصفر.
لغز شهادة محمد حسين يعقوب | لم يكذب .. لكنه نصير الإرهاب فعلًا.. كيف تجتمعان؟ | عبد السميع جميل
استخدم محمد حسين يعقوب مصطلح رواسب الجاهلية الوارد في الظلال والمعالم لسيد قطب. وهو مصطلح حركي سياسي يعني به ما يتعلق بعقل الفئة المؤمنة بعد الهجرة من أفكار وعادات الجاهلية، ويعاني النبي أو الداعية في مساعدة الاتباع في التخلص منها.
أسقطها ابتداءً على قصة النبي موسى ومعاناته مع سلوك بني إسرائيل بعد الخروج.
يقول سيد قطب في الظلال:
عملية استصلاح نفوس بني إسرائيل من ذل الطاغوت الفرعوني هي التي سيواجهها موسى عليه السلام في هذه الحلقة – بعد خروجه ببني إسرائيل من مصر وتجاوزه بهم البحر – وسنرى من خلال القصص القرآني هذه النفوس، وهي تواجه الحرية بكل رواسب الذل؛ وتواجه الرسالة بكل رواسب الجاهلية؛ وتواجه موسى – عليه السلام – بكل الالتواءات والانحرافات والانحلالات والجهالات التي ترسبت فيها على الزمن الطويل
نفس المصطلح معرفًا له، ومستخدمًا نفس الإسقاط استخدمه يعقوب في كتابه “الجدية في الالتزام” صفحة 9:
من أسباب ضعف الالتزام رواسب الجاهلية، أن أكثرنا يدخل طريق الالتزام وفي داخلة نفسه رواسب من رواسب الجاهلية مثل: حب الدنيا، والاعتزاز بالنفس، والآمال الدنيوية العريضة، وعدم قبول النصيحة، وكثرة الأكل، وكثرة النوم، وكثرة الكلام، و.. و…إلخ.
قال الله جل جلاله عن قوم موسى الذين لم يستطيعوا أن يدخلوا معه الأرض المقدسة: “فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ”. هؤلاء الذين أسلموا لموسى بعد السحرة، يخبرنا الله أنهم أسلموا على خوف، إنهم ربُّوا على القهر والذل والاستعباد، وسياقهم كالقطيع، نشأوا على ذلك، عاشوا على هذا، فلما آمنوا ظلت فيهم رواسب من هذا فلم ينجحوا مع موسى.
عرف محمد حسين يعقوب الجاهلية تعريفًا شرعيًا. ثم ذكر التعريف الأدبي الذي يقصده من الكتاب وهو “مجموعة من المعتقدات والتصورات والسلوكيات المنحرفة عن الشريعة“. وهو نفس تعريف سيد قطب للمجتمع الجاهلي في المعالم فيقول: “والمجتمع الجاهلي هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الإسلام، ولا تحكمه عقيدته وتصوراته، وقيمه وموازينه، ونظامه وشرائعه، وخلقه وسلوكه“.
عند الحديث عن الالتزام، نقل محمد حسين يعقوب كلام سيد قطب مع تعديل بعض ألفاظه:
ذكر يعقوب العزلة الشعورية بنفس كلام قطب. مع إضافات في الكلام تلزم إعادة الصياغة:
يتكلم يعقوب عن التصور الإسلامي بنفس عبارات قطب:
يتحدث محمد حسين يعقوب عن المفاصلة بين الإسلام والجاهلية دون حلول وسط، تمامًا كما عبر عنها سيد قطب:
يتحدث يعقوب عن استعداد الإنسان للانتقال للكمال بنفس نص قطب:
يذكر محمد حسين يعقوب نص كلام سيد قطب عن الاستعلاء بالإيمان كضرورة للتخلص من رواسب الجاهلية:
كما لوحظ أنه ينقل من تفسير الظلال مقاطع طويلة دون تعديل ودون عزو للمصدر
ففي صفحة 29 و30، ينقل بالكامل من تفسير الظلال للآية 112 من سورة النساء. وفي صفحة 48 و49 ينقل، بالكامل من تفسير سورة الإنسان من الظلال
ويبدو أن يعقوب تحاشى ذكر اسم قطب بالنظر للهاجس الأمني المتعلق به، بالإضافة لتجنب الشقاق السلفي. غير أنه في الحقيقة يروج أفكاره ومفاهيمه التكفيرية والحركية بالنص تقريبًا.
شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب: قراءة موثقة في تناقضاته ومراوغاته ودوافعها | هاني عمارة