يواجه السلفيون في أفغانستان تحديات تصل إلى حد الاغتيال السري منذ سقوط كابول في أيدي طالبان في أغسطس 2021.
النقطة الأهم كانت اختطاف الشيخ أبو عبيد الله متوكل، أحد أبرز دعاة السلفيين الأفغان وأكثرهم نفوذًا، من منزله في كابول في 28 أغسطس، ثم قتله الوحشي الغامض بعد أسبوع.
الواقعة فاقمت مخاوف السلفيين المؤثرين من أن طالبان تبحث عنهم ليلقوا نفس المصير.
السلفيون الأفغان كانوا يخشون تهديدات طالبان حتى قبل اجتياح كابول؛ إذ يتهمهم التنظيم بدعم عدوهم اللدود، داعش خراسان.
في بداية 2020، عقد الطرفان اجتماعًا رفيع المستوى لمناقشة الأمر.
ماذا دار في الاجتماع؟ وكيف انعكست التحديات الحالية التي يواجهها السلفيون في محاضر الاجتماعات؟ ولماذا ومتى بدأ الصراع بين السلفيين الأفغان – طالبان؟ وما تأثير ذلك على داعش خرسان؟
س/ج في دقائق
ماذا نعرف عن اجتماع السلفيين الأفغان – طالبان في 2020؟
عقد الاجتماع في مارس 2020، مباشرة بعد انتصار طالبان على داعش خرسان في أهم معاقله في شرق أفغانستان، وقبل وقت قصير من توقيع اتفاق طالبان – أمريكا في الدوحة.
ضم الاجتماع قيادة طالبان العليا، وبينهم مسوؤلو لجنتي المخابرات والدعوة والإرشاد، الشيخ نداء محمد والشيخ خالد، وقادة المجلس السلفي الأفغاني، وعلى رأسهم أمير التنظيم الشيخ عبد العزيز نورستاني، و32 من كبار مؤثري السلفية، وبينهم حاج حياة الله، ابن شقيق مؤسس السلفية في أفغانستان، والشيخ جميل الرحمن، الذي ينتمي لحزب قلب الدين حكمتيار، مؤسس أول حزب سلفي أفغاني ، جمعة الدعوة للقرآن والسنة.
عقدت معظم الاجتماعات في شرق أفغانستان وحزام البشتون المجاور لباكستان، بمشاركة قادة التنظيمين في باكتسان، وبينهم الشيخ أمين الله بيشاواري، أكثر السلفيين تأثيرًا في حزام البشتون.
طالبان 2.0 | من هم؟ من يقودهم؟ وكيف سيحكمون أفغانستان؟ | س/ج في دقائق
هل توصل الاجتماع إلى نتائج حاسمة؟
نعم. طلب السلفيون الأفغان من طالبان عدم جرهم إلى الحرب الدامية مع داعش خراسان.
نورستاني وحياة الله وغيرهما قالا لقيادة طالبان إن داعش خرسان ينحدر من السلفيين الأفغان فعلًا، لكنهم لا يدعمون التنظيم في حربه ضد طالبان.
ووصف السلفيون الأفغان تنظيم داعش خراسان بـ “مؤامرة دولية لليهود والصليبيين” لإسقاط طالبان.
وتأكيدًا لحسن النوايا، أعلن السلفيون الأفغان البيعة لمرشد طالبان الأعلى هيبة الله أخون زاده، وأصدروا مقطع فيديو مدته 17 دقيقة بعنوان “بيعة العلماء السلفيين” .
بالمقابل، قالت طالبان إنها هزمت القوة العظمى، الولايات المتحدة، وحلفاءها، بالتالي لا يحق لأحد أن يضع نفسه في موقف تحدٍ ضدها، معترفة أنها “تعاني من نواقص” لكنها “بلا بديل”.
ووعدت السلفيين الأفغان بالسماح بالحرية الدينية لجميع الطوائف، بما في ذلك الشيعة. بالتالي فالأولى بالسلفيين أن يكونوا أكثر اطمئنانًا.
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان | هل يعيد جو بايدن إحياء تنظيم القاعدة؟ | س/ج في دقائق
كيف انهارت الوعود فور دخول طالبان كابول؟
كل قادة طالبان الذين حضروا اجتماعات السلفيين الأفغان باتوا وزراء أو حكام أقاليم.
لكن، فور سقوط كابول في أغسطس 2021، أطلقت طالبان حملة على مستوى أفغانستان بالكامل ضد قادة السلفيين الأفغان الذين تشتبه في صلاتهم مع داعش خراسان.
ضمن الحملة، أغلقت طالبان أكثر من 36 مسجدًا ومعهدًا دينيًا يتبع السلفيين الأفغان في حوالي 16 مقاطعة، بما في ذلك ننجرهار.
لكن النقطة الأهم كانت اختطاف طالبان الشيخ أبو عبيد الله متوكل، أحد أبرز دعاة السلفيين الأفغان وأكثرهم نفوذًا، من منزله في كابول في 28 أغسطس، ثم قتله الوحشي الغامض بعد أسبوع.
وحاول مقاتلو طالبان المحليون إلقاء القبض على علماء سلفيين بارزين في أفغانستان، لكنهم اختبأوا بعد اختطاف متوكل.
ومن بين المختبئين عبد الظاهر داعي، ومعروف راسيخ، وأحمد شاه، وسردار والي.
متحدث طالبان ذبيح الله مجاهد نفى صلات طالبان بقتل واختطاف متوكل. لكنه لم يدن القتل.
مصادر تمويل طالبان | الأفيون أحد 5 كنوز تمنح “المجاهدين” 1.6 مليار دولار سنويًا | قوائم في دقائق
هل تحالف السلفيون الأفغان مع داعش خراسان فعلًا؟
لا نملك التأكيد أو النفي الكلي.
الدلائل تشير إلى علاقة توافق شملت ترقي سلفيين أفغان إلى مستويات القيادة العليا في داعش خراسان، بينما تشير في المقابل أن معظم الشخصيات الدينية السلفية المؤثرة في أفغانستان أدانت داعش خراسان بسبب عنفه العشوائي ضد المدنيين، وغيرها من الأعمال التي يعتقد السلفيون أنها مخالفة للمبادئ الإسلامية.
ازدادت معارضة السلفيين الأفغان لداعش خراسان عندما أعلنت الجماعة أن البيعة للخليفة أبو بكر البغدادي فرض ديني رئيسي على جميع المسلمين يكفر من يتأخر عنه.
الخلاف وصل إلى أن أعضاء داعش خراسان رفضوا الصلاة على متوكل بعد وفاته باعتباره خارجًا عن الملة لأنه رفض مبايعة خليفة المسلمين.
واستهدف داعش خراسان قادة السلفيين الأفغان الذين عارضوه، وبينهم مباشر مسلم يار من كابول، الذي كان مساعدًا مقربًا لمتوكل ومحاضرًا بجامعة كابول.
صحيح أن داعش لم يتبن قتل مسلم يار علنًا، لكن أنصار التنظيم احتفلوا بمقتله باعتباره خارجًا عن الإسلام.
مع ذلك، تعرض متوكل للاعتقال من قبل في عهد حكومة أشرف غني بسبب علاقاته مع داعش خراسان.
طالبان – داعش | كانا شريكين في “طرد الكفار” وتحاربا بعد “طرد الكفار” .. ما السبب؟ | س/ج في دقائق
هل من تفسير لهذا التناقض؟
نعم. يفسرها أن العلاقة منقسمة لمرحلتين:
وفر ظهور داعش منصة قوية أمام السلفيين الأفغان لبناء قوة عسكرية توازي طالبان. فتدفقوا لصفوف التنظيم من داخل أفغانستان ومن بيشاور الباكستانية ومحيطها، وبينهم طلاب العلم السلفيين، حتى أن بعضهم ارتقى إلى مستوى قيادة داعش خراسان العليا، وبينهم الشيخ خلال الدين الذي أصبح مفتي التنظيم حتى اغتياله في غارة أمريكية في أكتوبر 2015.
كان السلفيون الأفغان متفائلين أنه مع صعود داعش خراسان قد تصبح السلفية هي السائدة على الأقل في معاقله شرق أفغانستان.
لكن تفسيرات داعش خراسان الأكثر تطرفًا وإراقة الدماء أدت إلى فقدانه دعم العلماء السلفيين، الذين بدأوا في دعوة أتباعهم للانشقاق عن صفوف التنظيم، لدرجة أنهم طالبوا جلال الدين بالانسحاب من داعش.
لكنه رفض، مذكرًا الشباب السلفي أن نفس القادة الذين يطالبونه بالانسحاب من داعش هم أنفسهم من أيدوا إعلان الشيخ جميل عن إمارة إسلامية في كونار في أواخر الثمانينيات، لكنهم الآن يعارضون البيعة لأبي بكر البغدادي، الذي، بحسب جلال الدين ، اتبع نفس المبادئ التي اتبعها جميل.
لماذا تقمع طالبان السلفيين الأفغان بهذه الشراسة؟
السبب السياسي:
داعش خراسان بنت طالبان في الأساس. أسسها مسلحون ساخطون من طالبان باكستان. لكنها تحولت سريعًا إلى تنظيم يهيمن عليه السلفيون الأفغان، خصوصًا بعد انتقاله إلى مواقع نفوذ السلفيين في الشرق.
وبعد اغتيال قادة داعش خراسان بضربات أمريكية وأفغانية، تولى السلفيون الأفغان مسؤولية التنظيم. نتيجة لذلك، بدأ السلفيون الأفغان والجهاديون من بيشاور يتدفقون على صفوف داعش.
السبب العقدي:
سبق أن واجه السلفيون الأفغان عدة عمليات حظر خلال حكم طالبان قبل 11 سبتمبر، بما في ذلك استهداف المدارس السلفية الرئيسية.
قضية الخلاف الرئيسية للسلفيين مع طالبان أن الصوفية والحنفية الماتريدية يهيمنان على طالبان.
ويعتبر السلفيون الأفغان أن معتقدات الصوفية والحنفية الماتريدية مخالفة للشريعة.
أدى ذلك إلى فرض طالبان حظرًا غير رسمي على السلفيين الأفغان في حقبة ما قبل 11 سبتمبر.
نتيجة لذلك، انتقل السلفيون الأفغان إلى بيشاور، التي استضافت المدارس السلفية، فركزوا على ملايين الأفغان في الشتات والسكان المحليين في حزام البشتون في باكستان على الحدود مع أفغانستان.
وفاق مؤقت جمع السلفيين الأفغان – طالبان.. على أي أرضية ولم انتهى؟
كان الغزو الأمريكي لأفغانستان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر يعني أن طالبان تواجه عدوًا قويًا، وأنها بحاجة لدعم الجميع.
حينها، قرر السلفيون الأفغان تنحية خلافاتهم الطائفية السابقة مع طالبان جانبًا للانضمام إليهم في “الجهاد الأكبر” ضد الولايات المتحدة.
وتوسط السلفيون العرب في صفوف القاعدة وقتها لإصلاح الأوضاع بين السلفيين الأفغان وطالبان، على قاعدة أن الجهاد هو الواجب الديني الأكثر أهمية.
في ذلك الوقت، دمرت الهجمات الأمريكية هيكل طالبان التنظيمي، فلعبت القاعدة دوراً أساسيًا في تأسيس جبهة ما بعد 11 سبتمبر في أفغانستان معتمدة على حلفائها الباكستانيين المحليين وكذلك السلفيين الأفغان للمساعدة في بناء التمرد، الذي سلمت قيادته تدريجيًا إلى طالبان.
لكن، بمجرد أن سيطرت طالبان بالكامل على التمرد، بدأت مجددًا في تطهير الصفوف من السلفيين الأفغان بداية من تهميش قادة السلفيين، ثم منعهم من إدارة شبكات مسلحة موازية في أفغانستان.
طالبان .. السياسة بالحبر السري .. لا تدع الإعلام يشتتك | خالد البري
هل هناك مصادر إضافية لمزيد من المعرفة؟
حرب طالبان المستمرة على السلفيين في أفغانستان (مؤسسة جيمس تاون)
حرب داعش خراسان ضد حنفية طالبان الأفغانية (مؤسسة جيمس تاون)