عودة أحمد الغندور | دح الدحيح أم “أح” التطبيع؟ هذا هو السؤال | حاتم منصور

عودة أحمد الغندور | دح الدحيح أم “أح” التطبيع؟ هذا هو السؤال | حاتم منصور

15 Jun 2021
حاتم منصور
إسرائيل الإمارات الخليج السوشيال ميديا فلسطين
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بعد غياب لمدة عام تقريبًا، انتقل خلالها إلى منصة شاهد المدفوعة، عاد برنامج الدحيح ومقدمه المصري أحمد غندور إلى اليوتيوب.

لمن لا يعرف، يمكن تصنيف الدحيح كواحد من أنجح تجارب يوتيوب العربية في السنوات الأخيرة، بعدما دخل ضمن محتوى محدود جدًا نجح في السير على خطى ومدارس تبسيط العلوم في الغرب “البوب ساينس Pop-science”، ليقدم نموذجًا مماثلًا شيقًا للجمهور العربي.

تبسيط العلوم يمكن تعريفه كشرح للمبادئ الأساسية والاكتشافات العلمية والإنجازات التقنية بأسلوب سهل الفهم لغير المتخصصين.

حلقة عودة الدحيح:

لكن عودة الدحيح شهدت جدلًا غير علمي. محوره الأساسي السياسة، بعدما ظهرت دعوات مقاطعة للبرنامج؛ باعتبار أن التمويل هذه المرة من شركة “نيو ميديا” الإماراتية، وهي مؤسسة متهمة بالترويج لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد اتفاقية السلام الأخيرة التي وقعتها الإمارات والبحرين.

بعيدًا عن الحوارات العبثية.. 7 أسئلة لرافضي سلام الإمارات وإسرائيل | محمد زكي الشيمي

دعوات مقاطعة الدحيح تفتح الباب لنقاشات أوسع وأكبر من البرنامج نفسه، خاصة أن اسهامات واستثمارات الامارات ودول الخليج عامة في صناعة المحتوى الإعلامي والفني ليست بالقليلة.

تزداد القضية أهمية اذا وضعنا في الاعتبار المؤشرات العديدة الأخرى حاليًا بخصوص احتمالات انضمام دول عربية أخرى قريبًا لنطاق اتفاقيات السلام مع اسرائيل.

اتفاق السلام بين البحرين وإسرائيل.. مدخل سلام الرياض مع إسرائيل؟| س/ج في دقائق

هل مناهضة اتفاقيات السلام (اللفظ المستخدم من قبل المعارضين هو التطبيع)، ومقاطعة الدول العربية والمؤسسات التي سلكت هذا المسار، إجراء مفيد فعلَا للقضية الفلسطينية أم مجرد جزء من الشعارات المتوارثة المعتادة، التي لم يتوقف أصحابها أبدًا لمراجعة جدواها واقعيًا؟

هذا سؤال ضروري. لكنه يفتح الباب لجدل طويل ليس محور مقالنا علي أى حال. لذا، سواء كانت إجابتك نعم أم لا، فالنقاط التالية هي المحاور الأساسية:

1- ما هو تعريف “التطبيع” حاليًا بالضبط؟

2- إذا اعتبرنا “التطبيع” تهمة، هل حملات الهجوم ودعوات المقاطعة والإلغاء ضد كل فنان أو صانع محتوى يتعامل مع دول أو مؤسسات ساعية للسلام مع إسرائيل منطقية؟ أم أن الأكثر منطقية هو تقييم المحتوى نفسه، من حيث موقفه المساند/ الرافض للسلام؟

3- هل تفاعلت الجماهير مع حملات المقاطعة المماثلة في الفترة الأخيرة؟

التهمة المرنة

رفض “التطبيع” كان يعني سابقًا عدم التعاون مع طرف إسرائيلي في نشاط اقتصادي أو تنموي أو تجاري أو ثقافي، في معادلة ملخصها أن أي نشاط مفيد لإسرائيل يعني ضررًا بالمقابل على الفلسطينيين.

لاحقًا، اتسعت دائرة اتهامات التطبيع، لتشمل حالات إدانة غير مفهومة. الممثل محمد رمضان مثلًا تعرض لتهمة التطبيع بسبب صورة جمعته بإسرائيلي، في تجمع فني بإمارة دبي.

حدث هذا رغم أن محمد رمضان لم يشارك في أي عمل مضمونه التطبيع. ولم يصرح بأي دعم للتطبيع، ونفى معرفته بالشخص. لكن حملة الهجوم تصاعدت، وانتهت بقرارات لوقفه من قبل النقابات الفنية في مصر.

محمد منير – محمد رمضان – ياسمين صبري | أسطورة النجوم الذين لم يعودوا كذلك | حاتم منصور

لم تعد بنفس فاعليتها

يردد البعض بانتظام جملة “التطبيع مرفوض شعبيًا”. لكنه يحرص أن تظل هذه التهمة عائمة ومرنة، وسلاحًا سهل الاستخدام ضد أي خصم مستهدف.

الطريف هنا أن الشعب الذي يتحدثون دومًا باسمه، لديه قناعات مختلفة، أو على الأقل تعريف آخر للتطبيع. لاحظ مثلًا كيف نجح مسلسل محمد رمضان “موسى” في تحقيق النجاح الجماهيري المعتاد لأعماله، رغم عرضه بعد الأزمة بأشهر معدودة.

رمضان 2021 | عشر علامات تكشف طريقة خرط السوشيال ميديا للمسلسلات | حاتم منصور

إجمالًا، يمكن بالتأكيد ملاحظة تطور ملموس للشعوب العربية في مستوى الخضوع لهذه المزايدات، وهو تطور تراكمي ناتج من أزمات ودروس وإحباطات العقود الثلاث الأخيرة، ابتداءً من غزو العراق للكويت، وصولًا إلى نتائج الربيع العربي المريرة.

في حالة الدحيح تبدو الأمور أكثر وضوحًا ومباشرة من الناحية السياسية؛ لأن برنامجه كان يتبع منصة الجزيرة التابعة لدولة قطر، واليوم انتقل لمنصة تخص الإمارات.

رد مؤسسة “نيو ميديا” الإماراتية بخصوص الأزمة:

 

بنظرة بسيطة للخصومات والتصعيدات السياسية بين قطر والإمارات في السنوات الأخيرة، يسهل استنتاج دوافع حملة المقاطعة الحالية.

لا أحد يرغب بانتقال أنجح برنامج عربي على يوتيوب إلى منصة خصمه. وبالنظر لأن الحلقة الأولى من الدحيح حققت أكثر من مليوني مشاهدة في أول 48 ساعة، تبدو المكاسب واضحة للمنصة الإماراتية اقتصاديًا وجماهيريًا.

هل خسرت قطر من المقاطعة؟ نعم .. أعز ما تملك | خالد البري

هذه بالتأكيد ضربة موجعة لمنصات الجزيرة القطرية، ونقطة انطلاق قوية لمؤسسة “نيو ميديا” الإماراتية.

والطريف أن بعض رواد السوشال ميديا التقطوا دوافع هذا الصراع مبكراً. لاحظ مثلًا هذا البوست على صفحة Sarcasm Station II الذي لخص المسألة كلها باستخدام شعار قناة الدحيح السابقة، وشعار القناة الجديدة.

حصار غريب

في منطقتنا، ولظروف متعددة يطول شرحها لكن أغلبها اقتصادي ونفسي، يصعب الاعتماد على نفس معادلات الغرب، حيث القارئ والمتلقي الذي لا يمانع في دفع دولارين أو أكثر شهريًا، نظير اشتراكه في موقع جريدة أو منصة.

وإلى الأن، لم تنقل أغلب الشركات والجهات التجارية العربية، بوصلة إعلاناتها من الفضائيات لمواقع الإنترنت. بالتالي لا تحصل أغلب المواقع على عائد إعلاني يكفي لدفع فواتيرها ولتوظيف عشرات في صناعة المحتوى.

أولئك هم الرابحون .. كيف يتفاعل الاقتصاد ونفسية المجتمع | خالد البري | رواية صحفية في دقائق

هذه معطيات تجعل صناعة المحتوى مسألة عسيرة بدون تمويل، والإصرار على معادلة مضمونها (أنت من يمولك) لن ينتهي فعليًا إلا بدائرة تخنق فيها صراعات السياسة الإنترنت العربي، وتطغى فيها على أي محتوى علمي أو ثقافي أو فني.

بهذه المعادلة، ستصب دومًا هذه المؤسسات قراراتها التمويلية لصالح المحتوى السياسي فقط، ما دام الباقي غير مرحب به في جميع الحالات.

وبالطبع هي معادلة تعني أن أي فرد مهتم بتقديم محتوى علمي أو ثقافي أو فني، خالٍ من أي أحكام أو أجندات سياسية، لا مكان له في عالم المنصات والميديا.

رد الدحيح بخصوص حملات المقاطعة لبرنامجه:

من المهم والمفيد أن يبقى عقل المتلقي يقظًا في تحليل ومراجعة كل محتوى يقابله، فالمراجعة والتشكك هما تحديدًا ما يغيب عن العقل العربي. ونعم، تتشابك السياسة مع غيرها أحيانًا (أو عادة). هذا جزء من واقع منطقتنا الملتهب دومًا.

لكن من السيء أن يترك المتلقي عقله سهل الانقياد لكل جهة وحملة تبتزه بقضايا وشعارات ومزايدات ظاهرها الأخلاق والنزاهة والمبادىء، وباطنها السياسة وألاعيبها.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك