بعد مرور 10 سنوات على انهيار حكم معمر القذافي في ليبيا، تجد الدولة المنقسمة والغنية بالنفط، نفسها أمام مرحلة جديدة مهمة: الانتخابات الرئاسية.
مثل كل شيء تقريبًا في ليبيا، تجعل الانقسامات السياسية العميقة هذه الخطوة المهمة خطوة خطيرة.
اللاعبون السياسيون الليبيون: حكومة الوحدة الوطنية، والمجلس الرئاسي، والبرلمان، والمفوضية الانتخابية، والميليشيات والفصائل القبلية، والمرشحون المتنافسون والولايات المتحدة وروسيا، فشلوا في الاتفاق على تفاصيل الانتخابات بعد عام من الاتفاق حول إجرائها.
يبدو الآن أن الانتخابات ستؤجل. وهذه أخبار جيدة وسيئة على حد سواء للشعب الليبي.
مع وجود العديد من الاختلافات حول قانون الانتخابات والمرشحين، صار من المؤكد أن أحد الأطراف، وربما كلها، سترفض نتيجة التصويت.
في أزمة الانتخابات الأخيرة، ترشح سيف الإسلام القذافي – المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – الذي يحظى بدعم قبائل الجنوب والوسط.
كما ترشح قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، الذي يسيطر على بنغازي وحقول النفط وأجزاء من جنوب ليبيا.
وبجانبهما، يخوض الانتخابات نحو 100 مرشح، بينهم رئيس الوزراء المؤقت عبد الحميد الدبيبة.
سيف الإسلام القذافي يظهر مع نيويورك تايمز | العائد من الموت يخطط لاستعادة ليبيا بـ الحركة الخضرا
الوضع في ليبيا مهيأ لمأزق سياسي، خصوصًا لأن الجناحين الحاكمين: الحكومة الليبية في الغرب والبرلمان الليبي وجيش حفتر في الشرق، لم يتمكنا من تحقيق أهداف ما يسمى باللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5.
كما لا تزال القوات الأجنبية، وخاصة المرتزقة من تركيا وروسيا، موجودة في البلاد، وتدعم الطرفين المتنازعين.
حفتر غير مستعد للتخلي عن السيطرة على مناطق نفوذه، وكذلك حكومة طرابلس التي تسيطر على أقل من نصف البلاد، وبينهما في الوسط ميليشيات قبلية تسعى لتطبيق أجندة مختلفة.
بدون تفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وقطر والإمارات ومصر، من الصعب رؤية مخرج من المستنقع الليبي، والذي يزداد سوءًا مع الوقت.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول إن تدخل الناتو بقيادة الولايات المتحدة في ليبيا لغرض تغيير النظام كان خاطئًا في البداية، ويرى الرئيس التركي رجب أردوغان أن نفوذ الإخوان في الغرب امتداد إقليمي لأنقرة، في حين تخشى مصر من تدشين دولة ليبيا الإسلامية على حدودها الغربية.
أما بالنسبة للاعبين الآخرين، فلا توجد أهداف واضحة، فقط يريدون إبقاء الأزمة حية.
لماذا تمثل سرت خطا أحمر لجميع أطراف الصراع في ليبيا؟| س/ج في دقائق
ربما ستصل خريطة الطريق الليبية إلى طريق مسدود إذا أجلت الانتخابات، وخصوصًا أن ليبيا منقسمة فعليًا، ومستقطبة سياسيًا، وقد يستمر هذا الوضع الراهن لسنوات.
لكن القضية الجوهرية ليست الانتخابات الرئاسية، بل محاولة إعادة النسيج الاجتماعي الذي ربط ليبيا ببعضها لعقود، ولا يمكن تحقيق ذلك أبدًا في الوقت الذي تنحاز فيه القوى العظمى والقوى الإقليمية إلى جانب وتحاول توجيه العملية السياسية لصالحه.
إن فشل تغيير النظام في العراق وسوريا والآن ليبيا، كان تكلفته باهظة من حيث الخسائر في الأرواح وإهدار الفرص الاقتصادية.
بالنسبة لغالبية الليبيين، لا يعتبر القذافي ولا حفتر الحل بعد عقود من الحكم الاستبدادي، فليبيا بحاجة إلى دماء جديدة وقيادة جديدة يمكن أن تخفف من إرث الماضي، لكن للأسف حتى الآن لم تظهر هذه القيادة المأمولة على المسرح السياسي.
دليلك في دوامة ليبيا | أين مصر؟ ولماذا تركيا؟ | فيديو في دقائق
من أجل ليبيا، يجب على الولايات المتحدة وروسيا، إلى جانب تركيا وغيرها، المغادرة، والسماح للشعب الليبي بالانخراط في حوار مفتوح وصادق.
رغم أن الانتخابات تعتبر نقطة تحول، فربما يكون عدم التمسك بها أفضل بكثير من وصول رئيس من شأنه أن يقسم الناس أكثر ويبدأ إعادة الحكم الاستبدادي.
لا توجد حلول سحرية للألغاز الليبية، لكن أهون الشرين هو التنازل عن الانتخابات والسماح للشعب الليبي بالانخراط في حوار وطني بعيدًا عن التدخل الأجنبي.
حرب الشطرنج في ليبيا.. من يصل لـ “كش ملك” أولًا؟ | محمد زكي الشيمي