نولان ضد مولان | تفاصيل حرب ستحسم مستقبل السينما | حاتم منصور

نولان ضد مولان | تفاصيل حرب ستحسم مستقبل السينما | حاتم منصور

20 Aug 2020
حاتم منصور
سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

عندما تصاعدت أزمة كورونا في مارس الماضي، كان منطقيًا أن تتحول دور العرض السينمائي الى أكبر الضحايا اقتصاديًا، مع قرارات الحظر والإغلاق التي فرضتها أغلب حكومات العالم. لكن الغالبية – ومنهم كاتب هذه السطور – لم يتوقعوا استمرار الأزمة كل هذه الأشهر.

منظوري للأمور وقتها – خصوصًا مع الحديث الإعلامي عن تأثير الجو الحار سلبيًا على معدلات انتشار كورونا – كان قائمًا على أن الأمور ستعود لطبيعتها على أوائل يونيو مثلًا، وهو الحلم الذي تبدد!

نظرة أعمق| البعد الاقتصادي لكورونا.. كيف غير وباء وجه الاقتصاد العالمي؟

الحقيقة أن العالم تغير – وغالبًا للأبد – بسبب جائحة كورونا. وصناعة السينما وبالأخص في هوليوود على مشارف تغيير شامل أيضًا. أو لنقل على مشارف حرب بين فيلمين سيبدأ عرضهما أواخر أغسطس/ أوائل سبتمبر؛ حرب ستحسم الكثير والكثير بخصوص مستقبل واستمرارية دور العرض، وطبيعة هذه الصناعة.

منذ تصاعد الأزمة، أصدرت هوليوود قراراتها بتأجيل عرض الأفلام الكبرى، التي كان مقررًا عرضها في مارس وأبريل ومايو ويونيو. القائمة تشمل مثلًا:

كل العناوين السابقة بلا استثناء مرتبط بسلاسل ناجحة ولها تاريخها الموثوق في شباك التذاكر عالميًا. وكلها تقريبا أفلام ضخمة إنتاجيًا (+100 مليون دولار). لذا، كان قرار تأجيل العرض حتى عودة دور العرض منطقيًا.

في المقابل وكطريقة لسداد الفواتير، والحصول على عائد خلال شهور توقف السينمات، قررت هوليوود بيع بعض أفلامها متوسطة التكلفة إلى منصات الانترنت مثل نتفليكس – آبل – HBO Max.

قراءة في قائمة أنجح 10 أفلام من إنتاج نتفليكس | حاتم منصور

مصائب قوم عند قوم فوائد، وبقدر ما تضررت دور العرض من الجائحة، استفادت هذه المنصات من الوضع وزاد عدد مشتركيها. واستفادت من الموقف من حيث قدراتها التفاوضية في الشراء، لتخطف من هوليوود أفلامًا مثل An American PickleGreyhound.

وسط هذه الفوضى، صمد اسم واحد كحالة خاصة جدًا لا تنطبق على المنهجين السابقين كليًا، وهو فيلم شركة وارنر Tenet للمخرج والمنتج كريستوفر نولان.

إعلان Tenet

المرجح أن وارنر أرادت تأجيل الفيلم من موعد عرضه الأصلي (أواخر يونيو)، لمرحلة الأمان التام، كأي فيلم آخر تجاوزت تكلفته الإنتاجية 250 مليون دولار. لكن نولان الشهير بحماسه ووولائه لدور العرض، وبالأخص لصالات الأيماكس العملاقة، صمم على عرض الفيلم بمجرد عودة قاعات العرض لنشاطها.

بسبب هذا ظلت وارنر تؤجل عرض الفيلم أسبوعين فأسبوعين، حتى وصلنا لموعد عرض عالمي محدد في أواخر أغسطس، يعقبه عرض في الولايات المتحدة في أول أسبوع من سبتمبر، وهو ما يجعل Tenet أول فيلم مهم يبدأ عرضه منذ جائحة كورونا.

حدث ذات مرة في عقل كريستوفر نولان.. لكن لم يحدث على الشاشات | حاتم منصور

لم يعد Tenet مجرد فيلم هوليوودي ضخم آخر، أو محطة جديدة لنولان، بل ببساطة طوق النجاة الرئيسي لألاف وألاف من دور السينما في العالم. ويمكن اعتبار قرار عرضه لعبة قمار شجاعة ومتهورة من كريستوفر نولان وشركة وارنر.

لقطة من فيلم Tenet

مخاطر اللعبة وتهديداتها:

1- لا تزال الجائحة منتشرة ومن الوارد جدًا حال ظهور موجات جديدة قوية أن تقرر بعض الدول أو بعض الولايات إغلاق قاعاتها، وهو ما سيضر الفيلم بشدة.

2- استمرار قوانين تلزم السينمات بحد أقصى للجمهور في القاعات، وبنسبة مقاعد خالية، وبالتالي عائد أقل من المعتاد لكل حفلة.

3- لا أحد يعلم بعد رد فعل الجمهور، حتى مع افتتاح السينيمات، لعدم وجود تجارب وأفلام جديدة ضخمة تصلح للقياس طوال الفترة الماضية. هل الجمهور متحمس للعودة؟ خائف من الجائحة؟ يفضل التلفاز كحل أسهل وأضمن؟ أدمن الكسل والبقاء في المنزل ويحتاج لفترة إعادة تأهيل؟

مستقبل العمل من المنزل بعد كورونا.. الحسابات أعقد مما تتخيل | س/ج في دقائق

كل الأسئلة السابقة، سنعرف اجابتها عمليًا إذا بدأ عرض تينيت فعلًا في أواخر أغسطس. وبناء على إجابتها سيتحدد مصير أفلام ضخمة مهمة أخرى لا تزال مُجدولة للعرض في أواخر 2020، ومنها فيلم جيمس بوند الجديد لا وقت للموت No Time to Die. لكن في المقابل يوجد وجه آخر للعملة، وامتيازات قد تجعل رهان وارنر ونولان قرار ذكي جدًا.

مزايا اللعبة ومكاسبها:

1- فيلم Tenet قادم بعد فترة صيام طويلة لعشاق دور العرض، وبالتالي سينحاز عديدون للمشاهدة، باعتباره أول وجبة دسمة متاحة.

2- لا منافسة قوية عالميًا أو تعدد اختيارات. تريد الذهاب للسينما ومشاهدة فيلم جديد ومهم؟ فيلم Tenet قد يكون اختيارك الوحيد لفترة.

3- بغياب البدائل أمام أصحاب دور العرض، نجحت وارنر في الوصول لاتفاقيات أقوى بخصوص تقسيم العائد. بعض المصادر تذكر أن وارنر ستحتفظ بـ 63% من قيمة التذاكر داخل الولايات المتحدة، مقابل 37% فقط للدور؛ نسبة يصعب الوصول إليها عادة في الظروف العادية.

4- زخم إعلامي شبه مؤكد ودعاية مجانية مضمونة، مع طوفان التقارير التي ستظهر، لتغطية أخبار معدلات عودة الجمهور للقاعات. وربما إشادة إعلامية وسينمائية بعملية انقاذ ناجحة بطلها كريستوفر نولان ل‘عادة دور العرض للحياة، ليس فقط في أمريكا بل العالم كله.

المخرج كريستوفر نولان (على اليمين) أثناء تصوير Tenet

لكن كعادة كل القصص السينمائية البطولية المسلية، يوجد دومًا خصم شرير! شريرنا في هذه القصة قد يكون شركة ديزني!

قائمة التأجيلات في هوليوود منذ بدء الجائحة شملت أفلام ديزني. وأولى أكبر الضحايا كان مولان Mulan الذي كان مقررًا عرضه أواخر مارس.

أزمة هوليوود الجديدة: فوكس في قبضة ديزني “المهذبة”.. توسع فني أم استعراض قوة؟! | أمجد جمال

فيلم مولان الجديد، إعادة إنتاج لفيلم كارتوني بنفس الاسم تدور أحداثه في الصين القديمة. طرحته ديزني عام 1998، ليندرج الإصدار الجديد تحت نوعية Live action remakes التي بدأتها الشركة منذ سنوات لإعادة انتاج كلاسيكياتها الكارتونية، وحققت بها مليارات في شباك التذاكر عالميًا.

القائمة تضم مثلًا (الأسد الملك – علاء الدين – دامبو – الجميلة والوحش – كتاب الأدغال – سندريلا – آليس في بلاد العجائب).

أفلام حديثة لديزني مقتبسة من كلاسيكياتها الكارتونية

الإيرادات الجبارة لهذه القائمة، التي تجاوز بعض أفلامها حاجز المليار دولار عالميًا، جعلت قرار ديزني تأجيل عرض مولان في مارس منطقيًا؛ باعتباره من الأعمال المضمونة في شباك التذاكر. لكن بحلول أغسطس فاجأت ديزني الكل بقنبلة غير متوقعة!

سيبدأ عرض الفيلم أواخر أغسطس في السينمات عالميًا، مع طرحه يوم 4 سبتمبر على منصة ديزني بلاس Disney+ حصريًا، نظير 30 دولار، في أمريكا وأغلب الدول التي تتوفر فيها الخدمة ومنها (كندا – فرنسا – ألمانيا – إنجلترا).

كيف افترست التكنولوجيا السحر والخيال في “الملك الأسد 2019″؟ | حاتم منصور

بصياغة أخرى، أقصت ديزني دور العرض تمامًا من المعادلة، وأصبح أمام المتفرج الأمريكي خيارًا واحدًا لمشاهدة مولان: الاشتراك في المنصة (بتكلفة 7 دولارات شهريًا)، ثم دفع 30 دولارًا لمشاهدة الفيلم.

المعادلة هنا تختلف عن المنصات الأخرى مثل نتفليكس – آبل – HBO Max. في كل هذه المنصات يمكنك الحصول على أي عمل جديد من إنتاج المنصة، ما دمت مشتركًا، ودون تكاليف اضافية.

إعلان فيلم مولان Mulan

رغم اعتراض كثيرين على التكاليف الإضافية، يمكن نسف الاعتراض إذا علمنا أن متوسط سعر تذكرة السينما داخل أمريكا في 2019 كان 9 دولارات، وأن مولان بالأساس يستهدف العائلات والأطفال.

بصياغة حسابية: الأسرة المكونة من أب وأم وطفلين تحتاج إلى 36 دولارًا في المتوسط لمشاهدة مولان في السينمات، بدون حساب تكاليف الانتقال، أو مقابل انتظار للسيارة، أو غيرها من تكاليف نزهة السينما.

هل تتقاضى راتبا أعلى مما تتخيل؟! احسبها بسعر ساندوتش بيج ماك في بلدك | دقائق.نت

ما تطلبه ديزني إذا ماديًا لمشاهدة مولان لا يفوق ما تدفعه الأسر الأمريكية بحماس لمشاهدة أفلامها في السينمات! المسألة فقط أنها تطلبه الآن مقابل مشاهدة تليفزيونية منزلية عادية. ورغم الفارق الكبير بين شاشات السينما العملاقة وشاشات التلفاز من حيث المتعة، يوفر العرض أمانًا واغراءًا للعائلات التي لا ترغب في تعريض أطفالها للعدوى.

الطريف أن الشركات العملاقة المالكة لدور العرض، ومنها مثلا مجموعة AMC كانت حتى فترة قريبة تتشرط على هوليوود مهلة حدها الأدنى 3 أشهر بين طرح الفيلم في قاعات العرض، وبين إصداره على منصات الانترنت أو وسائط العرض المنزلي. وذلك بالطبع لزيادة فرص دور العرض في تحقيق أفضل استفادة ممكنة من كل فيلم.

الآن لم تعد الشروط قابلة للاستمرار، ويبدو أن كثيرًا من شركات الإنتاج مصممة على خفض المهلة. يونيفرسال مثلًا توصلت لاتفاق مع مجموعة AMC يسمح بعرض أفلامها على المنصات بعد 17 يومًا من بداية عرضها سينمائيًا.

من 3 شهور لـ 17 يومًا فقط؟! تغيير مهول يخبرنا بالكثير عن اختلال معادلة القوى. الشركات العملاقة المالكة لدور العرض لم تعد فقط الطرف الأضعف، بل ربما طرف يمكن – ويجب – الاستغناء عنه تمامًا!

هل حققت ديزني أمنياتنا الثلاث في علاء الدين 2019؟ | حاتم منصور

للتوضيح أكثر، فالـ 30 دولارًا المطلوبة لمشاهدة مولان عبر المنصة، عائد صافي لديزني دون أي شريك. المعتاد أن تختص دور العرض الأمريكية بحوالي 40-50% من قيمة التذكرة، والباقي للشركة المنتجة. بصياغة أخرى: إذا افترضنا أن عدد المشاهدين واحد في الحالتين، فالنظام الجديد يمنح ديزني ربحية أكبر بمراحل.

في المقابل، ستتحمل ديزني – أو أي شركة إنتاج – فاتورة خسائر مؤكدة بسبب هذا النهج، بسبب القرصنة. بعد دقائق من توفر مولان على منصة ديزني بلاس، سيصبح متوفرًا على التورنت والمواقع غير القانونية، وبنفس جودة الصوت والصورة! مسألة حتمية لا يمكن تفاديها بأي حال.

قد تجدر الاشارة هنا إلى أن ديزني لها تاريخها وخبراتها من حيث استبعاد دور العرض، والاعتماد على وسائط العرض المنزلية لتحقيق الربح. في الثمانينيات والتسعينيات مثلًا، حرصت الشركة على صناعة أجزاء جديدة، أو أفلام منبثقة من أعمالها التي راجت في السينما، وإصدارها فقط للبيع على أشرطة الفيديو أو أقراص DVD.

هل مولان إذًا تجربة أولى لخطة السنوات القادمة في ديزني؟ وهل ستشارك هذه الشركة العريقة في قتل دور العرض عالميًا، بعد أن ظلت لعقود وعقود كواحدة من أقوى دعائم شباك التذاكر بفضل أفلامها المحببة للأطفال والعائلات؟

مستقبل الترفيه: كيف تحققت نبوءة مخرج تيتانك في لعبة العروش وأفنجرز؟ | حاتم منصور

إجابات وتصريحات ديزني دبلوماسية جدًا في هذا الشأن. ومضمونها أن الخطة استثنائية لفيلم مولان وحده، بسبب أزمة كورونا وتداعياتها. لكن لا يمكن الوثوق بهذه الإجابة بأي حال.

قرار ديزني بالاستمرارية في هذه اللعبة بعد مولان مرهون بعوائد التجربة ماديًا، وبم سيحققه الفيلم للشركة، سواء من حيث عدد مرات شراء حق مشاهدة الفيلم، أو عدد زيادات المشتركين. إذا جاءت الأرقام في صالح هذا المنهج، سيصبح بانتظارنا عاجلًا أو آجلًا طلاقًا مؤكدًا بين ديزني ودور العرض.

لقطة من فيلم “مولان”

تأثير هذا المنهج لن يتوقف بالتأكيد ساعتها عند ديزني. سينتقل لغيرها؛ لأنه لا توجد أي حكمة اقتصاديًا من مشاركة أصحاب دور العرض في ربحك، إذا كان بامكانك الاحتفاظ بالكعكة كاملة لنفسك.

بعض شركات هوليوود الكبرى تملك بالفعل حاليًا ما يؤهلها لاستنساخ التجربة. وارنر مثلا تملك منصة HBO Max ويمكنها الشروع فورًا في منهج مماثل.

من نتفليكس إلى أبل وحتى ديزني ..صراع خدمات البث | إنفوجرافيك في دقائق

إذا حدث هذا، فأمامنا طوفان سيغرق دور العرض عالميًا تدريجيًا، ويجعل تجربة السينما جزءا من التاريخ والذكريات؛ لأن أفلام هوليوود كانت ولا تزال مصدر الأمان والربح الرئيسي لدور العرض على سطح الكوكب، باعتبارها المصنع الذي يوفر كمًا وكيفًا ما يكفي لتحقيق معدل مبيعات تذاكر مقبول طوال العام، على عكس صناعات السينما الضعيفة التي تعتمد على المواسم والأعياد فقط (السينما المصرية كمثال).

ماذا سيحدث لمجمع سينمائي من 12 قاعة في أي مكان في العالم، بدون فيلم مارفل الجديد؟ أو فيلم ستار وورز الجديد؟ أو فيلم جيمس بوند الجديد؟ أو فيلم باتمان الجديد؟ الاجابة سهلة؛ سيحدث تراجع مهول في مبيعات التذاكر، ثم تصفية شبه حتمية للاستثمار كله، وتغييره لمطاعم أو محلات ملابس في نفس المكان.

أفلام وسلاسل في حيازة ديزني ومنصتها حاليا

المنافسة القادمة بين كريستوفر نولان وفيلمه Tenet ضد ديزني وفيلمها مولان لم تعد إذن مجرد منافسة أخرى روتينية، بين فيلمين ضخمين سيبدأ عرضهما في فترة متقاربة، بل حرب دموية ستحسم الكثير والكثير بخصوص مستقبل دور العرض وصناعة الترفيه.

إما بقاء وصمود للسينمات بفضل رصاصة قوية في شباك التذاكر من بندقية نولان. أو رصاصة غدر أولى من بندقية ديزني، سيعقبها وابل نيران مماثل من كل بنادق هوليوود ومنصات الإنترنت.

والطريف أن الجمهور وحده هو الذي يمسك الزنادين، وهو الذي سيحسم نتيجة هذه الحرب!

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك