فيلم قيمة ساعة للمخرجة منال خالد.. المجاز في الواقعية | رانية النتيفي

فيلم قيمة ساعة للمخرجة منال خالد.. المجاز في الواقعية | رانية النتيفي

8 Nov 2022
رانية النتيفي
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الفيلم التسجيلي هو تمثيل سمعي بصري للواقع، حسب وجهة نظر صانعيه، وأداة للمعرفة والحوار، توصل االطرف الأول – الذي هو محور الفيلم – إلى الطرف الثاني – الذي هو الجمهور المتلقي – مسلطًا الضوء حول عناصر محددة لتوثق مظاهر اجتماعية، تاريخية، علمية، تقنية…إلى غيرها من الخصائص والمعلومات.

لكن، لماذا يختار المخرج تقديم فيلم تسجيلي، وهو يعي أنه ملزم باتباع قواعد معينة، قد تحده عن الخيال والإبداع؟ وهل الواقعية تجعل العمل أكثر سهولة أم تصعب المهمة؟

في السنوات الأخيرة، تغيرت الكثير من المفاهيم في صناعة السينما بشكل عام، طبقًا لمتغيرات الحياة العصرية، ما انعكس على الفيلم الوثائقي أو المسمى أيضًا “التسجيلي”؛ إذ أصبح من الممكن أن يستعير الفيلم التسجيلي بعض خصائص الفيلم الروائي، لتظهر تصنيفات جديدة، مثل الأفلام الوثائقية الدرامية أو ما يسمى Docudrama، حيث يتيح لنا صناع العمل مشاهدة شريط تسجيلي، لكنه في صورته ليس تجسيدًا خالصُا للواقع. على سبيل المثال، قد يجري الاستعانة بممثلين لتجسيد بعض الشخصيات المعاصرة أو التاريخية، بدل اللجوء إلى مؤرخ للحديث عن موضوع تاريخي.

نستطيع أن نقول أن الفيلم “الوثائقي الدرامي” أتاح لصناع الأفلام إضافة لمسة فنية وإبداعية للعمل، معتمدًا مفهومي الإعداد المسرحي La mise en scène والتصوّر Screenplay، ما يستجدي الاشتغال على عناصر أخرى، من الديكور والإضاءة والمؤثرات الخاصة.

ظهور هذا التصنيف الجديد منح فيلم “قيمة ساعة” حياة ونفسًا وروحًا، خاصة بعد انفتاح المنصات السينمائية الرقمية، مثل نتفليكس وأمازون برايم، على الأفلام الوثائقية السياسية والبوليسية والاجتماعية والفنية، مستقطبة فئة كبيرة ومتنوعة من الجمهور. كما سمح بتقديم أفلام تسجيلية تستجيب بشكل كبير لما يرمي إليه صناع الأفلام وفق رؤيتهم الإخراجية.

فيلم واحد تاني | هل تمرد أحمد حلمي على سينماه “النظيفة”؟ | أمجد جمال

في 28 ديسمبر / كانون الأول من العام 2011، صدر الفيلم التسجيلي “القاتل، الغرفة رقم 164” Sicario room 164 من إخراج الإيطالي “جانفراكنو روزي” وإنتاج كل من Arte France و Les films d’ici، يعرض اعترافات قاتل مأجور يعمل لصالح أخطر العصابات في المكسيك، مرتديًا ملابس سوداء، ومخفيًا وجهه بشال استخدمه كبرقع. وكنتيجة متوقعة، يعاني الإنتاج من صعوبة في تسويق الفيلم في المكسيك، حيث تجري الأحداث وفق حوار أجرته مجلة Reporte الشّيليّة مع مخرج الفيلم. في المقابل، فقد سمحت الجهات الإنتاجية بعرض الفيلم في منصة “أمازون برايم”.

إن تقييد الأفلام التسجيلية أمر ينعكس على أسلوب إخراج الأعمال ذات الطابع الاجتماعي والسياسي وهذا أمر يحدث بشدة في المجتمع الخاضع لسلطة الواصي، هذا الرقيب الذي يسعى إلى استبعاد دور الفن في النقد الاجتماعي، ويملك صلاحية توقيف أفلام تسجيلية يطرح من خلالها صناع الأفلام أفكارهم حول مواضيع شائكة. ما دفع بعدد من المخرجين في أمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وباقي الدول النامية باللجوء إلى صنف الأفلام “الوثائقية الدرامية”، كنوع من التمويه لتفادي إيقاف الأفلام وإلحاق الضرر بالأشخاص الذين هم محور الفيلم الحقيقيين.

في هذا الصدد، صدر في العام 2021 فيلم قيمة ساعة للمخرجة المصرية “منال خالد” وإنتاج “دار المرايا للإنتاج الثقافي”. تناولت فيه، على مدى 62 دقيقة، شهادة ثلاث نساء، ينحدرن من مناطق مهمشة في مصر، عملن في الجنس مقابل المال داخل بيوت دعارة.

حصل الفيلم على تنويه في مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي في مسابقة الفيلم الروائي في أكتوبر / تشرين الأول 2022؛ إذ يعتبر تحديًا كبيرًا لمخرجته وفريق العمل، والسيدات اللواتي قبلن سرد حكاياتهن.

فيلم قيمة ساعة تنويه مهرجان الدار البيضاء

بمجرد مشاهدة الشريط الإعلاني للفيلم، يتبين للمشاهد أن المخرجة لم تلجأ لا لتصوير العاملات في الجنس، ولا أي لوحات إيروسية من عصر النهضة، أو مشاهد تجمع بين رجل وامرأة بأي شكل من الأشكال.

يعرض فيلم قيمة ساعة حكاية كل واحدة من السيدات اللواتي مارسن الدعارة، في حديث ربما لم يسمعه المواطن العادي قطّ. شهادات واقعية عن طفولة دامية، وأحلام ثكلى بالحب والأمومة، وثنائية الفقد والتخلي، وقصص عن زبائن يدفعون مقابل متعتهم، في ممارسة سيطرت فيها شهوة الجسد، طاردة حب الروح خلال ساعة من الزمن.

لم تكن هذه الشهادات إلا تسجيلات صوتية ضمن هذا الشريط التسجيلي، لسيدات قبلن مشاركة تجربتهن، من خلال مشاهد إبداعية كانت عناصرها السيميائية مجازًا لما ترويه هؤلاء النساء. فتارة نرى الفرس التي يقوم صاحبها بتزيينها استعدادًا لخدمة ركاب عربته، وتارة نرى اللحوم التي يقوم الجزار بتقطيعها بقوة. مشاهد لها رمزيتها وانعكاسها على ذهن المشاهد في إشارات قد تلتقطها النساء أكثر من الرجال. إن شوهدت بدون المادة الصوتية فلن يتم الربط بينها وبين سياق جنسي. غير أنها تترجم حديثًا صادمًا مفعمًا بالمشاعر، وآخر تدعي صاحبته اللامبالاة، وإن لم تنجح في ذلك.

ولأن الموسيقى تأتي مكملة للفيلم، وكترجمة لحنية لأحداثه، فقد كانت موسيقى فيلم قيمة ساعة توصيفًا لحالة التخبط التي تعيشها بائعة الهوى، بين الإحباط، وكيفية الصعود من الهاوية، من أجل تطهير الجسد والروح. فكانت موسيقى إلكترونية صاخبة تحمل في نغماتها غضبًا وثورة، ممزوجة بموسيقى صوفية في خلفيتها، في لوحات موسيقية تخللت الفيلم، مجسدة صراع هذه الفئة من النساء اللواتي إن صادفناهن وعرفناهن نتفادى حتى النظر إلى عيونهن، في فعل سببه أن الإنسان مثقل بالضجيج الذي يسكن عقله ولم يترك مجالًا في فكره وعاطفته لا ليستمع إلى نفسه ولا إلى الآخر.

بوستر-فيلم-قيمة-ساعة

هو فيلم يتحول فيه المشاهد إلى مستمع، عبرت فيه مجازية الصورة ما صعب تجسيده في صورته الحقيقية، فكانت النتيجة فيلم قد لا يعود منه المرء كما كان قبل مشاهدته.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك