يعرف المتفرج نوعية اللقطات التي تعكس ما تنظر إليه الشخصية في المشهد، بحيث تصبح عين المتفرج هي نفسها عين الشخصية. هذه حيلة سينمائية غرضها الرئيسي عادة أن يجرب المتفرج الإحساس الذي تشعر به الشخصية، وأن يشاركها أفكارها وخواطرها.
في عالم السينما يوصف هذا بـ لقطة وجهة النظر point of view shot
إذا كنت من عشاق هوليوود فستذكرك الصور الآتية ببعض لقطات هذا النوع من أفلام شهيرة تعرفها.
في فيلم صوت الميتال Sound of Metal للمخرج والمؤلف داريوس ماردر نشارك البطل أحاسيسه بطريقة مشابهة وهي السمع. في مشاهد عديدة نسمع فقط ما يسمعه، وتصبح أذننا هي أذنه.
نظرة جريئة وصادمة للأمومة والإنجاب في Tully
الفكرة قد لا تبدو مثيرة أو ثرية للدرجة. لكن عندما تعرف أن الأحداث عن عازف درامز يفقد السمع، سيمكنك غالبًا أن تتخيل إلي أي مدى أصبحت أهم عناصر الفيلم، والنقطة التي تجعله جديرًا بالمشاهدة.
كلما تحركت الأحداث، كلما ازدادت أذننا تركيزًا في شريط الصوت، ليصبح اللغة الرئيسية التي يسرد بها الفيلم قصته.
الضجيج – الصوت العادي – الصوت الواضح – الصوت المشوش – الصوت المكتوم.. الصمت التام – الرنين غير المفهوم.. كلها عناصر يلعب بها مخرج الفيلم بذكاء وانتظام، لنشارك البطل حيرته وآلامه طوال الرحلة.
شارك داريوس ماردر سابقًا في تأليف فيلم The Place Beyond the Pines وعمل أيضًا لفترة في المونتاج. ويمكن هنا ملاحظة استفادته من المجالين في أول أعماله الروائية كمخرج.
قصة المونتاج.. الفن الذي ميّز السينما عن بقية الوسائط | أمجد جمال
الحبكة في الفيلم المذكور عن شخصيات ذكورية تكافح لتثبيت مكانتها وتقديم المنتظر منها رغم كل الظروف المعاندة، وهو ما يتكرر في Sound of Metal.
والتجربة السينمائية ككل هنا لا تخلو من قسوة على المتفرج. لكنها قسوة ضرورية، ليس فقط لطزاجتها وتفردها، لكن أيضًا لأننا لا نشاهد قصة عن حدث سعيد، بل قصة عن بطل يفقد واحدة من حواسه، ويفقد معها بالتبعية وظيفته الرئيسية وأحلامه المستقبلية.
في حبكة من هذا النوع يسهل على صناع أي عمل الوقوع في فخ الدراما والبكائيات. لكن ما يجعل التجربة فريدة هنا، أن الاحساس الرئيسي الذي ينتزعه الفيلم منا هو التفهم وليس الشفقة.
وأن الحبكة تحلق تدريجيًا بعيدًا عن نطاقها وظروف بطلها، لتصبح حبكة عن القبول والتعايش عامة.. عن السلام الذي يجب أن نبحث عنه ونستقبل به عواصف تمر بنا.. عن قبول التغيير.. عن أهمية التصالح مع أوضاع لم نخترها، لكنها أصبحت حقيقة واقعة في حياتنا.
Soul | روح بيكسار تعود في أفضل حالاتها – الحياة الآخرة في أسئلة الحياة الدنيا| حاتم منصور
في حبكة من هذا النوع يسهل أيضًا على أي عمل أن يصبح صدى لبطله فقط باعتباره الضحية، وأن يوجه سهامه للشخصيات الأخرى، لكن الفيلم يتجنب هذا الفخ بذكاء، ولا يتناسى أن الآخرين بشر من لحم ودم.
أداء ريز أحمد هو العنصر الآخر الذي لا يقل قوة عن شريط الصوت، وبالتأكيد سنسمع اسمه قريبًا ضمن المرشحين الخمسة لأوسكار أفضل ممثل هذا الموسم.
10 اختيارات تمثيلية رفضها الجمهور ثم أثبتت صحتها | حاتم منصور
ريز أحمد بعيونه الواسعة وملامحه الصبيانية، ممثل مناسب دومًا للشخصيات الحائرة المترددة غير الواثقة في نفسها، ولهذا يمكن تصنيف دوره في فيلم Nightcrawler كأفضل أدواره قبل فيلمنا هنا.
في السنوات الاخيرة، وبسبب هراء الصوابية السياسية، تورط كممثل باكستاني/ مسلم الأصل في أدوار غير موفقة في أفلام ضخمة إنتاجيًا، احتاجت منه قدرات لا يملكها. ومنها مثلًا دور الشرير البارد القاسي العنيد في فيلم فينوم Venom.
هنا، يعود للمساحات التي يجيد العزف فيها كممثل، ويمنحنا فكرة جيدة عما يمكن أن تهدره تيارات الصوابية السياسية من عمر فنان، في إطار سعيها لدفعه إلى هوية سينمائية لا تناسبه، لكنها تناسب أجنداتها.
اليساري سلافوي جيجيك: الصوابية السياسية هي تحديدًا ما يطيل عمر العنصرية | ترجمة في دقائق
يلمع معه بنفس الدرجة بول راسي في دور مدير دار رعاية للصم والبكم. والجدير بالذكر هنا أن علاقة هذا الممثل بهذا المجتمع حقيقية، لأنه ابن لأبوين أصمين، ويشارك فعلًا في أنشطة خدمية متعددة لهذا المجتمع.
سنعرف قريبًا هل ستنحاز الأوسكار لترشيحه كأفضل مساعد أم لا. لكنه بالتأكيد يستحق الحضور في هذه القائمة، مقارنة بغيره من الأسماء التي ستترشح هذا العام بناء على عوامل غير فنية.
لمن ستبتسم أوسكار 2021 ؟ عشر دلائل وعلامات تساعد على غش الإجابات | حاتم منصور
ورغم المعطيات التي قد تحسم أوسكار أفضل ممثل لمصلحة شادويك بوسمان هذا العام عن دوره في فيلم Ma Rainey’s Black Bottom، يمكن القول أن الدور الذي سيظل أكثر ثباتًا فعلًا في الذاكرة، هو أداء ريز أحمد هنا.
أما أوسكار أفضل صوت فسيصعب على أى فيلم آخر خطفها من Sound of Metal.
هذا فيلم يوظف شريط الصوت دراميًا بدرجة فعالة للغاية، لدرجة يمكن معها سماع إعلان فوزه بهذه الجائزة من الآن، قبل ظهور الترشيحات نفسها!