لا صوت يعلو حاليًا على صوت سبايدرمان وشباكه التي تواصل الصيد بضراوة في شباك التذاكر، بفضل Spider-Man: No Way Home.
هذه لحظة أمجاد وجني ثمار للشخصية، حصدتها سوني بالتعاون مع مارفل، بفضل مشوار طويل بدأ 2002، ويمثل الآن لكثيرين جزءًا من ذكريات طفولتهم ومراهقتهم القديمة، تمامًا كما ستشكل الأفلام الحديثة للأطفال نفس الذكريات مستقبلًا.
Spiderman: No Way Home | الخلطة السحرية في فيلم الرجل العنكبوت الجديد! | أمجد جمال
ولأن الحديث عن الأفلام التي حُرمنا منها، قد لا يقل تسلية عن الأفلام التي نشاهدها، فهنا جولة في عوالم موازية أخرى، مع مشاريع وأفلام سبايدرمان كادت أن تحدث.
توقيت العرض في العالم الموازي: 1986 – 1988
الحقيقة التي لا يذكرها أحد اليوم، أن سبايدرمان بدأ مشواره على الشاشات في التلفاز 1977، بفضل سلسلة أعمال تليفزيونية أنتجتها قنوات CBS، وتتضمن شخصيات أخرى من ابتكار ستان لي، مثل هالك ودكتور سترينج.
سبايدرمان وأول ظهور على الشاشات 1977
لم يسجل مسلسل سبايدرمان النجاح المطلوب. وتوقف رصيده عند 13 حلقة. وساهم في إكمال الصورة الرخيصة المعتادة وقتها، عن كل ما يحمل اسم مارفل. يمكنك معرفة تفاصيل أكثر عبر الرابط:
ستان لي وأفنجرز.. رحلة التحديات من الورق إلى السينما |حاتم منصور
مع هذه السمعة السيئة، كان مستحيلًا أن ينال سبايدرمان معاملة إنتاجية لائقة وسخية في السينما، لذا انتقل مشروع إعداد أول فيلم سينمائي، للمنتج مناحم جولان، صاحب كانون للإنتاج السينمائي.
اختيار منطقي؛ لأن جولان وشركته كانوا وقتها قلعة الإنتاج المتخصصة بصناعة أفلام الأكشن والخيال والرعب منخفضة الميزانية، من الدرجتين الثانية والثالثة، والتي تحتوي غرائب وتوابل مبتكرة وقتها، كالنينجا!
الحديث يطول عن لا احترافية للشركة، ومدى عبثية جولان كمنتج. لكن لمعرفة ملخص الإجابة، ولاستيعاب مدى انفصال الشركة عن عالم سبايدرمان وطبيعة الشخصية، فبذرة أول أفلام الرجل العنكبوت معهم كانت:
بيتر باركر شخص لطيف، يتحول لعنكبوت مشعر كامل بـ 8 أذرع، بعد تعرضه لتجربة إشعاعية، ويصبح مسخًا شريرًا بطريقة أفلام الرعب، في فيلم كان مرشحًا لإخراجه توب هوبر، مخرج الرعب المشهور وقتها، بفضل أفلام (منشار تكساس – بولترجيست).
أنجح 10 أفلام رعب في التاريخ | حاتم منصور
عندما سأل ستان لي عن أسباب تغيير مسار الشخصية بهذا الشكل العجيب، كانت إجابة فريق السيناريو أعجب: “اعتقدنا أنه طالما (الرجل الذئب) رجلًا يتحول لذئب، فبالتأكيد (الرجل العنكبوت) هو رجل يتحول لعنكبوت. هل هو شيء آخر؟!
غالبًا رد ستان لي ساعتها بطريقة: الرجل الأنف!
توقيت العرض في العالم الموازي: 1988 – 1991
قرر ستان لي التدخل بعد هذا السيناريو الكارثي، والإشراف بنفسه على إعداد سيناريو آخر، مع فريق كتابة مختلف، وفيه نعود لحبكة قريبة مما نعرفه نسبيًا عن سبايدرمان.
ستان لي.. القصة الحقيقية لـ السوبر هيرو الذي تحدى العنصرية
البطل يكتسب قوى خارقة أقرب لقدرات العناكب بفضل تجربة غريبة، ينتج عنها أيضًا تحول أستاذه لدكتور أخطبوط Doctor Octopus.
واصلت كانون الإعداد على ضوء السيناريو الجديد، ورصدت ميزانية قدرها 15 – 20 مليون دولار للتنفيذ، وانتقل المشروع لجوزيف زيتو، مخرج الأكشن المتواضع، الذي سبق له تنفيذ أفلام لمصلحة الشركة.
الممثل الشاب المغمور سكوت ليفا، كان الاختيار لدور البطولة، وبدأت كانون التسويق للفيلم، بصور دعائية وتيزر يمكن مشاهدته هنا، وتكلف نصف دولار على ما يبدو!
بسبب خسائر الشركة المتواصلة في أفلام أخرى ضخمة وقتها، أصبحت الميزانية المرصودة مستحيلة، وواصل فريق الإنتاج خفض الميزانية تدريجيًا إلى 10 ملايين، ثم 5 ملايين، ثم مرحلة (اللعنة! لم يعد بامكاننا إنتاج الفيلم)!
أعلنت كانون إفلاسها بالنهاية، وأصبح كل ما يمكنها حلبه من سبايدرمان هو بيع حقوق الملكية.
كيف تعالج هوليوود أزمة تسويق الأفلام المثيرة للجدل؟ | حاتم منصور
هل فاتنا الكثير بسبب الغاء الفيلمين؟
كطفل ترعرع في عصر شرائط الفيديو في الثمانينيات، أفتقد وجود هذا الفيلم بالفعل، بصورته الباهتة الرديئة، ومشاهد الأكشن المبتذلة المؤكدة فيه، وحفنة الخدع البصرية البدائية، وكل الهراء الثمانينياتي الرائع، الذي عودنا عليه مناحم جولان، في العقد الذهبي للهراء والابتذال والنينجا والوحوش والمسوخ!
لكن كناقد يجب أن يكتب هذا المقال بروح الجدية: لا. لم يفتنا شيء بإلغاء المشروع المبتذل، الكفيل بالقضاء على مستقبل سبايدرمان السينمائي قبل أن يبدأ!
توقيت العرض في العالم الموازي: 1995 – 1998
في أوائل التسعينيات، صعق المؤلف والمخرج جيمس كاميرون العالم، بفيلمه الملحمي المبيد 2: يوم الحساب Terminator 2: Judgment Day.
أفلام تحدت الزمن | كيف أسس “ترمينتور 2” لمستقبل هوليوود في الخدع السينمائية؟ | حاتم منصور
انتقل كاميرون سريعا للتحضير لفيلمه التالي “أكاذيب حقيقية True Lies”. وبنفس الفترة (1991 – 1994)، ظهرت أنباء عن نيته صناعة فيلم عن بطله المفضل فترة مراهقته (سبايدرمان).
ملخص المعلومات عن مشروع سبايدرمان جيمس كاميرون كالآتي:
1- الأحداث عن سبايدرمان مراهقًا في مرحلة الدراسة.
2- طابع الفيلم دراميًا وبصريًا سيميل للواقعية والجدية والتشويق، مثل أفلام Terminator.
3- الأكشن سيكون في إطار عنيف ودموي، وغير طفولي بالمرة.
4- جزء ضخم من الميزانية موجه لابتكار مؤثرات بصرية ثورية، تلائم سبايدرمان وأكروباته وخصومه.
5- الفيلم سيكون بتصنيف رقابي R للسماح بالعنف، وبمشهد يغازل فيه سبايدرمان حبيبته ماري جين على جسر بروكلين.
6- نسخة السيناريو الأولية تضمنت دكتور أخطبوط كالخصم الوحيد، والنية كانت إسناد الدور للنجم أرنولد شوارزينجر.
7- نسخ لاحقة من السيناريو تضمنت كل من ساندمان وإلكترو كأعداء، ومعركة كبرى بنهاية الفيلم، يواجه فيها سبايدرمان خصومه فوق برج التجارة العالمي.
8- ليوناردو دي كابريو كان المرشح لدور سبيدرمان.
9- سارة جيسيكا باركر كانت المرشحة لدور ماري جين.
10- الجميلة درو باريمور كانت المرشحة لدور جوين ستاسى.
11- آر لي إيرمي كان المرشح دور رئيس التحرير جاي جونا جيمسون.
12- (مايكل بين – لانس هنركسن) كانا المرشحين لأدوار (ساندمان – إلكترو) بالترتيب.
لماذا فشل جيمس كاميرون في صناعة الفيلم؟
الإجابة ملخصها صراع حقوق الملكية؛ لأن مالك الحقوق وقتها، مناحم جولان، باع جزءًا من الحقوق لشركة مقابل الإنتاج السينمائي، ولأخرى مقابل التوزيع على وسائط العرض المنزلي، ولثالثة مقابل إنتاج مسلسلات وأفلام تليفزيونية عن الشخصية!
كان مستحيلًا أن تستثمر شركة هوليوودية كبرى 100 مليون دولار في فيلم ضخم عن سبايدرمان دون أن تحصد مكاسبه، ودون أن تملك الاعتراض على صناعة فيلم تليفزيوني عنه في الشهر التالي!
#نتفرج_بعدها_نحكم؟ لسكورسيزي وسبيلبرج وبيكسار رأى آخر | حاتم منصور
الأسوأ أن عقد جولان مع شركة كارلوكو، التي كانت تنوي إنتاج الفيلم لجيمس كاميرون وقدمت معه سابقًا ترمينتور 2، كان ينص على إعلان جولان كمنتج في أي فيلم عن سبايدرمان. وهو ما لم يقبله كاميرون بالطبع بسبب سمعة جولان السيئة، ليبدأ صراع قضائي بين جولان وشركة كارلوكو.
انتقل جيمس كاميرون لمشروع آخر أضخم، هو فيلم تيتانك الأسطوري، الذي انتزع وقت عرضه عام 1997 لقب أنجح فيلم في التاريخ، مع نفس النجم الشاب الصاعد الذي أراده لدور سبايدرمان (ليوناردو دي كابريو).
أنجح 10 أفلام في تاريخ هوليوود | حاتم منصور
وجاءت الضربة القاصمة للمشروع عام 1996، عندما أفلست 3 شركات مرتبطة به، هُي كارلوكو – مارفل – شركة القرن 21 للانتاج السينمائي المملوكة لجولان (الأخيرة لا علاقة لها بشركة فوكس التي تحمل اسمًا مقاربًا).
استمرت النزاعات القضائية لسنوات حتى 1999، عندما حصلت سوني (كولومبيا سابقًا) على حقوق سبايدرمان بالكامل، وبدأت الاعداد لمشروع عن الشخصية، انتهى بالفيلم الذي أخرجه سام ريمي، وشاهدناه عام 2002 مع توبي ماجواير في دور البطولة.
هل فاتنا الكثير بسبب الغاء فيلم جيمس كاميرون؟
بالتأكيد. فيلم سبايدرمان الناتج عن لقاء أقوى مخرج في هوليوود من حيث صياغة الأكشن والمؤثرات البصرية الثورية، مع الممثل الموهوب الصاعد الشاب وقتها ليوناردو دي كابريو، هو غالبًا أفضل من أي فيلم سبيدرمان آخر شاهدناه أو سنشاهده.
يحلو للبعض الاعتراض على ترشيح شوارزينجر لدور الشرير، خاصة أن هذا ما فعله في فيلم باتمان وروبين بعد ذلك، وانتهى بفشل ذريع.
أسوأ 10 أدوار في أفلام الأبطال الخارقين | حاتم منصور
لكن ينسى هؤلاء أن المقارنة قد تكون بنفس سطحية وسذاجة مقارنة شوارزينجر في أول جزئين أخرجهما كاميرون من سلسلة ترمينتور، بباقي أفلام السلسلة.
توقيت العرض في العالم الموازي: 2001 – 2003
بعد انتقال الحقوق بالكامل لسوني 1999، وبدء التحضير لفيلم عن سبايدرمان، تضمنت المداولات المخرج ديفيد فينشر.
تركيبة فينشر للفيلم كانت كالآتي:
1- يبدأ الفيلم بمشهد واحد طويل مدته أقل من 10 دقائق، أقرب للفيديوكليب من حيث التركيبة البصرية والصوتية.
2- يستعرض المشهد سريعًا نشأة سبايدرمان منذ تعرضه للدغة العنكبوت التي غيرت حياته، وحتى مقتل عمه وحبيبته ماري جين على يد خصومه.
3- أحداث الفيلم الفعلية تبدأ ببطلنا وحيدًا يائسًا، ومحبطًا وسوداوي المزاج.
4- يتعرف البطل على الجميلة جوين ستيسى، ويبدأ إيقاع من المرح والرومانسية بينهما.
5- الشرير جرين جوبلن يقتل جوين ستيسى أمام سبايدرمان.
6- سبايدرمان يتحول لماكينة عنف لا تتوقف، حتى ينال انتقامه، لكن الانتقام نفسه يأتي بمرارة وإحساس بالضياع.
7- الطابع السردي العام جاد وعنيف وسوداوي.
مما سبق، يمكن القول أن ديفيد فينشر أراد أن يصنع من سبايدرمان شيئًا شبيهًا بما صنعه المخرج تود فيليبس من الجوكر عام 2019.
واكين فينيكس يقطع تذكرة الأوسكار الثانية للجوكر | حاتم منصور
فينشر أراد فيلمًا يُطوع شخصية مشهورة من عالم الكومكس. لكنه لا يلعب بقواعد هذه الأفلام المعتادة من حيث الإيقاع، أو الاهتمام بالأكشن والمطاردات، أو استهداف صغار السن كجمهور رئيسي.
فيلم يبدأ بسبيدرمان، وهو أقرب لأبطال أفلام فينشر وحياتهم الجحيمية، وينتهي به وهو في جحيم أكبر وأكبر.
فيلم يصبح فيه سبيدرمان أقرب للمحقق الذي لعب دوره براد بيت في فيلم سبع خطايا، وجرين جوبلن أقرب للسفاح، الذي لعب دوره كيفين سبيسي بنفس الفيلم.
هذا فيلم قد يروق لكثيرين. لكن يصعب أن تفضله أي جهة انتاجية؛ لأنه يخاصم جمهور سبايدرمان الأساسي المستهدف (الأطفال والمراهقين). لهذا لم تتردد سوني في رفض المشروع.
Mank | القاضية ممكن لنتفليكس وديفيد فينشر في الأوسكار | حاتم منصور
هل فاتنا الكثير بسبب إلغاء فيلم ديفيد فينشر؟
بالتأكيد. غالبًا فاتنا الفيلم الأكثر سوداوية في تاريخ أفلام سبايدرمان، والأكثر غرابة بصريًا أيضًا، إذا تخيلنا سبايدرمان في الأجواء المظلمة المعتادة لعالم فينشر.
بقى أن أذكر أن الثلاثية الأولى التي أداها توبي ماجواير، كان مخططًا استكمالها بفيلمين للعرض في (2011 – 2013).
وأن السلسلة التالية التي قام ببطولة فيلمين فيها أندرو جارفيلد، كان مخططًا استكمالها بأفلام أخرى.
هذه مشروعات ألغيت أيضًا بسبب قرارات إنتاجية، لكن يمكننا تخمين مذاقها بسهولة، على ضوء ما شاهدناه من نفس صناع هذه الأفلام.
ما ينقصنا فعلًا، هو دعوة من دكتور سترينج لزيارة عوالم موازية، تتوفر فيها كل الأفلام السابقة التي ناقشناها بالتفصيل!
حدث ذات مرة في عقل التارنتينو.. لكن لم يحدث على الشاشات | حاتم منصور
حدث ذات مرة في عقل كريستوفر نولان.. لكن لم يحدث على الشاشات | حاتم منصور