طالبان تحكم البركان | هل يكون “أزهر الهند” منبعا لموجة تطرف إسلامي جديدة؟ | هاني عمارة

طالبان تحكم البركان | هل يكون “أزهر الهند” منبعا لموجة تطرف إسلامي جديدة؟ | هاني عمارة

19 Aug 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

أفغانستان الصحوة الإسلامية سيناريوهات دقائق
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في رحلته إلى كابل في القرن السابع الهجري، وصف الرحالة المغربي ابن بطوطة المدينة:

قرية يسكنها طائفة من الأعاجم يقال لهم الأفغان، ولهم جبال وشعاب وشوكة قوية

اتصاف الافغان بالقوة والبأس، مع طبيعة بلادهم الجبلية العالية، جعلها نقطة انطلاق للعديد من الغزوات والحروب الفاصلة في تاريخ المنطقة، أهمها غزوات محمود بن سبكتكين المعروف بمحمود الغزنوي، الذي خاض أقوى وأشرس الغزوات في التاريخ الإسلامي لنشر الاسلام في الهند. ومنها انطلق الخوارزميون لغزو الهند وتهديد دولتهم.

أما الحدث الأبرز، فكان بعد زيارة ابن بطوطة بمائة عام، حين لجأ اليها أحد الامراء من أحفاد تيمورلنك وهو “ظهير الدين بابر” فجعلها منطلقًا لغزو الهند، ليؤسس إمبراطورية كبيرة تحكم شبه القارة الهندية حتى منتصف القرن التاسع عشر.

الدين الإلهي.. كوكتيل 3 أدان

برغم انتساب ظهير الدين بابر للمذهب السني الحنفي، إلا أن الدولة كانت متسامحة دينيًا ومذهبيًا. وبلغت أوجها في عهد السلطان جلال الدين أكبر، الذي عرف بعدله بين المسلمين والهندوس، ومحاولته إيجاد دين يجمع بين الإسلام والزرادشتية والهندوسية تحت مسمى “الدين الإلهي”.

غير أن التحول الابرز في تلك الدولة، والذي كان له الأثر البالغ في صياغة الشخصية الدينية لمسلمي الهند، فكان تقريب حفيده السلطان أورنجزيب لفقهاء المذهب الحنفي، وفرض القوانين والشعائر الإسلامية، ومنع المظاهر الدينية غير الإسلامية، ومحاربة الملاهي والموسيقى والخمور، والتضييق على غير المسلمين وفرض أحكام أهل الذمة عليهم.

وفي عهده، زاد شان الفقهاء الأحناف، الذين شكلوا لجنة أخرجت كتاب “الفتاوى الهندية” ليكون مرجعًا دينيًا وقانونيًا للدولة، جامعًا بين الفقه الحنفي والاعتقاد السني الماتريدي.

ثم ظهرت مدرسة ولي الله الدهلوي، التي اهتمت بدراسة كتب الحديث والتصوف، مع تمسكها بالمذهب الحنفي والاعتقاد السني الماتريدي، لتشكل قوام الإسلام الهندي الذي ستمثله لاحقًا جامعة دار العلوم الإسلامية في ديوبند، والتي شكلها عدد من رجال الدين الهنود في القرن التاسع عشر للحفاظ على الإسلام الهندي في مواجهة تغريب التاج البريطاني.

الإسلام الهندي.. دين طالبان

المقدمة السابقة كانت ضرورية لفهم البناء العقدي لجماعة طالبان التي عادت واستولت على أفغانستان مؤخرًا، ويفسر حالة التشدد الظاهرية التي يعتقد البعض أنها سلفية وهابية، وهي في الحقيقة امتداد الإسلام الهندي الديوبندي، الذي وضع أسسه ولي الله الدهلوي في كتابه “حجة الله البالغة” الذي يمكن اعتباره المعبر عن هذا الإسلام٫ وهو يختلف عن السلفية الوهابية المعاصرة وجماعات الإسلام السياسي.

وهنا تكمن اهمية وخطورة سيطرة طالبان. حيث تمثل المدرسة الديوبندية والتي يطلق عليها “ازهر الهند” بفروعها المختلفة المرجعية الدينية غير الرسمية لاكثر من نصف مليار من مسلمي شبه القارة الهندية.

ومبعث الخطورة وجود دولة دينية صريحة تعبر عن الديوبندية، وتأثيرها على استقرار دول وسط آسيا في حال تبنت حكومة طالبان الاتجاه التبشيري. لماذا؟

في العصور المتأخرة، انتهت ثلاث دول كبرى كانت تقود  غالبية مسلمي العالم: الدولة العثمانية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، والدولة الصفوية الشيعية في إيران وأذربيجان، ودولة البابريين التيموريين في الهند، والتي انتهت بالاحتلال الأوروبي ونشأة الدول الوطنية الحديثة.

شاهدنا محاولة إحياء المشروع العثماني عن طريق تركيا وأذرعها في المنطقة – جماعات الاسلام السياسي السني والجماعات الجهادية المسلحة.

وشاهدنا إحياء المشروع الصفوي الشيعي من خلال دولة ملالي إيران وأذرعها من المليشيات الشيعية في العراق واليمن ولبنان وسوريا.

فماذا عن الاسلام الهندي ؟

3 معارك فاشلة.. ومستغلان

خاض الإسلام الهندي 3 معارك، فشل فيها إلى الآن:

الأولى: معركة مقاومة الاحتلال الإنجليزي، والتي انتهت بهزيمتهم وإنهاء دولتهم الإسلامية.

الثانية: معركة انفصال مسلمي الهند عن الهندوس، والتي أدت لانفصال باكستان، والتي لم تستمر طويلًا حتى انقسمت إلى باكستان وبنجلاديش.

الثالثة: الدولة الديمقراطية الحديثة، والتي فشل فيها الإسلام الهندي حين أدرجت باكستان وبنجلاديش في عداد الديمقراطيات الفاشلة، وفشل مسلمو الهند في الاندماج مع الهندوس، مع تولي حكومية هندوسية متعصبة فرضت قوانين تمييزية ضد المسلمين، بما أدى إلى تنامي الشعور الديني القومي لدى الهنود.

هذا الفشل دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى محاولة إعادة مد نفوذه الإقليمي في وسط آسيا، مستغلًا حالة الشعور القومي من خلال المسلسلات الدعائية التركية لسلاطين العثمانيين (أرطغرل وعثمان)، والتي حققت مشاهدات قياسية لدى مسلمي الهند وباكستان وأفغانستان، وبرامج السياحة لتركيا الوافدة من تلك البلاد،

بالإضافة لحديثه المستمر عن العرق التركي الذي يريد ان يجعله شاملًا لكل مسلمي وسط آسيا والهند، مع تدخله المباشر في قضايا الأقليات الإسلامية، والحديث باسمهم في روسيا والصين والهند.

على الجانب الآخر، برز رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الذي بدا أنه يحمل مشروعًا دعائيًا شبيهًا بمشروع أردوغان، مستغلًا الدعاية الأردوغانية لصالحه.

ماذا عن طالبان؟

حتى الآن، لا يتضح التوجه العام لشكل الدولة التي ستنتجها طالبان حال تمكنها:

هل ستكون دولة أفغانية وطنية ذات قوانين دينية لا تتبنى خطابًا أيديولوجيًا؟

أم نحن بصدد إيران سنية جديدة بجانب إيران الشيعية يحكمها ملالي سنة؟

تكمن خطورة دولة الملالي السنة في أفغانستان أنها تنطلق من مرجعية دينية قوية ومنتشرة تشمل دول الهند ووسط آسيا، وهي الديوبندية.

وهو الأمر الكفيل بخلق صراعات قد تغير خريطة وسط آسيا، وتجعل طالبان تهدد كل دول الجوار، حتى باكستان التي أسستها ودعمتها.

في الهند، حيث التوتر الإسلامي الهندوسي مع ازياد الشعور القومي الديني لدى مسلمي الهند، ستمثل طالبان نموذجًا ينطلق من نفس الآرضية العقدية.

كذلك في الصين، حيث الأقلية المسلمة في تركستان في مواجعه الدعايا الانفصالية، وروسيا و الجمهوريات الإسلامية التي صدرت أشرس المقاتلين لداعش

أما إيران، فستكون هناك الأقلية السنية البلوشية على الحدود الأفغانية، التي لها امتداد في أفغانستان. والأقرب ثقافيًا ومذهبيًا للأفغان من الإيرانيين. والتي تشتكي التمييز الطائفي.

حتى باكستان حليف طالبان وداعمها الأول، سيهددها انتماء طالبان للعرقية البشتونية الممتدة في باكستان، والتي شكلت تهديدًا سابقا للدولة الباكستانية من خلال طالبان باكستان التي خاضت حربا ضد الجيش الباكستاني في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان، بعدما اتهمته للعمالة لأمريكا ضد الأفغان.

باكستان والبشتون

كل ما سبق يجعل قبول حكم طالبان صعبًا من أغلب دول الجوار، بالإضافة للمخاوف العالمية من عودة أفغانستان قاعدة لجمع إرهابيي العالم.

وهو ما يفسر اللغة الدبلوماسية غير المعهودة من طالبان في إرسال التطمينات لكل دول الجوار والإعلام العالمي والداخلي، والذي يقابل بشكوك وعدم ثقة داخليًا وخارجيًا. لكه يعبر عن تطور نوعي في الخطاب الطالباني.

ويبقى السؤال في حال انتهى الأمر لسيطرة شاملة من طالبان وإعلان إمارتها الاسلامية: هل ستقبل بدولة وطنية توافقية حتى وإن كانت دينية كما تدعي وتروج؟ أم ستتبنى خطًا تبشيريًا على الطريقة الإيرانية يكون منطلقًا لإعادة مشروع توحيد مسلمي وسط آسيا والهند في بابرية جديد مثلما كانت منطلقًا للبابرية القديمة؟

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك