ملالي العراق يتحالفون مع العلمانيين ضد إيران | هل تسقط الهيمنة الفارسية قريبًا؟ | س/ج في دقائق

ملالي العراق يتحالفون مع العلمانيين ضد إيران | هل تسقط الهيمنة الفارسية قريبًا؟ | س/ج في دقائق

21 Aug 2021
إيران الخليج العراق
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

سمح إسقاط نظام صدام حسين بصياغة العلاقة بين إيران والعراق من جديد، بعدما أفسح المجال  أمام القوى الشيعية للظهور في الشارع العراقي بقوة.

فبموجب الدستور العراقي، يجب أن يكون رئيس الحكومة –صاحب الصلاحيات التنفيذية الأكبر- عربيا شيعيا.

وهو ما اعتبرته إيران فرصة أتتها على طبقٍ من ذهب لبسط سيطرتها على العراق.

مراكز دراسات أجنبية تعتقد أن هذا  الأمر لم يعد قابلاً للاستمرار كثيرًا، بعدما تصاعدت، مؤخرًا، دعوات رفض التدخل الإيراني في الشأن الداخلي العراقي من القوى الشيعية ذاتها، وعلى رأسهم “ملالي العراق” (رجال الدين البارزون).

فهل ينذر هذا فعلا بتغيُّر كبير في المشهد السياسي العراقي وفي شكل العلاقة بين إيران والعراق؟ أم أن عوامل دوران العراق في الفلك الإيراني أقوى؟

س/ج في دقائق


إيران والعراق : كيف اكتسح الفُرس عراق ما بعد صدام؟

ما أن سقط صدام حسين في 2003م، حتى انتشرت إيران بكل قوة في العراق بفضل حدودها الطويلة معها، واشتراكها معها في العديد من العلاقات الدينية والاقتصادية.

اعتبرت إيران العراق أولوية قصوى على أجندة سياستها الخارجية.

وبفضل سنوات موجعة من الحرب مع العراق في الثمانينيات، امتكلت الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية خبرة هائلة في اختراق الساحة العراقية. سريعًا، نشرت النفوذ الإيراني في كل مكان.

عسكريًا، ظهرت ميليشيات شيعية عراقية تتلقى أوامرها من الحرس الثوري الإيراني مباشرةً.

سياسيًا، خضعت العديد من الأحزاب العراقية للهيمنة الإيرانية، مثل حزب الدعوة الإسلامية الذي شكّله نوري المالكي رئيس وزراء العراق الأسبق، وائتلاف “سائرون” الذي أسّسه مقتدى الصدر، ويمتلك أغلبية مقاعد البرلمان العراقي الحالي.

إيران والعراق

اقتصاديًا، يعتمد العراق على إيران تمامًا في مجال الطاقة، فهي مصدر ثلث احتياجاته من الغاز والكهرباء.

بمرور الوقت، ازداد السخط العراقي على إيران بسبب التدخل المستمر في شؤون بلادهم.

يقول المحلل السياسي فنار حدّاد، إن العراقيين باتوا ينظرون إلى إيران باعتبارها الحامي للنظام السياسي الفاسد، الذي أفقرهم وعجز عن حل مشاكلهم طيلة السنوات الفائتة.

وبعدما كان الترحيب الشعبي العراقي بالدور الإيراني وصل إلى 86% في 2014م، أصبح 41% فقط في 2019م.

إيران تمنع الماء عن العراق | الجفاف أم “تعجيل المهدي”؟ وهل تشعل حرب المياه؟ |س/ج في دقائق


لماذا ثار العراقيون؟

منذ 2003م، شابت عمليات إعادة إعمار العراق العديد من جوانب القصور، بسبب الفشل في تقليل اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط، وهو ما أدّى إلى زيادة معدلات البطالة.

تصاعدت معدلات الفساد في العراق بشكلٍ غير مسبوق، ما أهّله لاحتلال التصنيف 169 من ضمن 175 دولة، وفقًا لمؤشر الفساد عام 2017م.

أدّى هذا الفساد إلى تردّي أحوال العراقيين المعيشية مع انقطاع التيار الكهربائي، وشُح المياه الصالحة للشُرب، وسوء الخدمة الطبية التي تُقّدمها المستشفيات.

هذا الوضع السيء ازداد سوءًا، مع انتشار كورونا داخل العراق، وفشل كافة الخطط الحكومية لاحتوائه.

طرد “الأمريكان” بات أصغر مشكلاته.. هل يقرب كورونا تفكك العراق؟ | س/ج في دقائق


هل حملت الاحتجاجات العراقية مطالب طائفية؟

فقد نشطاء المجتمع المدني العراقي الثقة بالانتخابات كوسيلة للتعبير عن مطالبهم فلجأوا إلى التظاهرات، وهو الإجراء الذي أيدته -للمفارقة- أغلب المراجع الدينية الشيعية في العراق.

حملت الاحتجاجات العراقية شعارات تخلّت عن المذهبية أبرزها لافتات “نُريد وطنًا”، كما تبنّت أجندة تخص أمورا يومية علمانية؛ إصلاح سياسي واقتصادي ، محاربة للفساد الحكومي المستشري في كل ركن، رفْض الشكل الحالي للعلاقة بين إيران والعراق ، وأخيرًا التخلي عن “الطائفية السياسية”.

إيران والعراق

شاركت شرائح اجتماعية عِدة في هذه الاحتجاجات، من سائقي الأجرة إلى أساتذة الجامعات، وكان لافتًا انضمام عددٍ من رجال الدين إلى التظاهرات.

أغلبية المظاهرات خرجت من المناطق الشيعية، لكنها تخلّت عن “الهوَى الديني”، واقتصرت على المطالبة بإصلاحات مدنية، مع ظهور طفيف للافتات أو شعارات مذهبية.

لهذا، لم تنقطع محاولات إيران لوأد المظاهرات، ندّد المرشد خامنئي بها واعتبرها مؤامرة “تديرها أمريكا وإسرائيل والدول الرجعية”.

كما هاجَمت الميليشيات الشيعية المدعومة من طهران التظاهرات، واستهدفوا قادة المحتجين في كافة أنحاء العراق.

أيضًا، انتقد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الاحتجاجات، وهاجمت قواته -تُعرف بِاسم الخوذ الزرقاء- المحتجين في بغداد والنجف، وأوقعت بهم عشرات الجرحى فيما وُصف بأنه “أكثر الهجمات دموية في النجف”.

وبحسب الأمم المتحدة، قُتل مئات الآخرين واختٌطف مئات غيرهم. هذا العدد كان مرشحًا للزيادة، لو لم تحظَ المظاهرات بدعمٍ رسمي من مراجع دينية عراقية.

اغتيال نشطاء العراق | لمصلحة من؟ وما علاقة إيران والولايات المتحدة؟ | س/ج في دقائق


ما موقف رجال الدين العراقيين الشيعة من المظاهرات؟

ملالي العراق

على عكس الشائع، لا يتمتّع ملالي العراق البارزون بعلاقة جيدة مع إيران.

فالصراع الفكري/الفقهي بين النجف وقُم لا يخفى على أحد، ربما أبرز أشكال هذا الصراع هو رفض ملالي العراق استيراد نموذج “ولاية الفقيه”.

بخلاف رجال الدين الإيرانيين الدائرين في فلك آراء الخميني الدينية، والتي تمنح رجال الدين سُلطة مُطلقة على الحكّام والمحكومين، يرفض ملالي العراق هذا النموذج باعتباره لا يصلح لبلادهم.

وهنا لا نقع في تناقض بين رفض ملالي العراق للعب دور سياسي وبين دعمهم لحركات احتجاجية ترفع شعارات سياسية.

في مثل هذه اللحظات، يعتبر رجال الدين العراقيون أن تدخلهم  هو “ضرورة نادرة” لضبط الدولة التي باتت في حالة يُرثى لها.

منذ أكتوبر 2019م، عقد رجال الدين سلسلة من الاجتماعات بين الشباب المتظاهرين في النجف وبغداد والناصرية.

كشف الناشط ياسر مكي أحد قادة المتظاهرات، أنه عقد اجتماعات مطوّلة مع “أعلى كبار رجال الدين”، هذه الاجتماعات حضرها مندوبون عن آية الله العظمي السيستاني، المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق، والذي يعتبره 80% من شيعة العراق مُفتيهم الأول.

السيستاني كان أول رجل دين يدعّم التظاهرات، بنشره بيانًا أيّد فيه الاحتجاجات ضد الحكومة التي يسيطر عليها وزراء شيعة. قائلاً “لا يجوز لأي فاعلٍ إقليمي أن يستولي على إرادة الشعب العراقي، أو يفرض إرادته عليه”.

كما دعا لاستقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وانتخاب آخر دون “أي تأثير خارجي”، وهو ما اعتبره كثيرون إشارة مُبطّنة إلى استيائه من شكل علاقة إيران والعراق ، ودورها الخفي في فرض وزراء بعينهم على الحكومات العراقية المتتابعة.

وبخلاف السيستاني، أعلن عددٌ ملحوظ من رجال الدين العراقيين الشيعة دعمهم للتظاهرات، مثل السيد عمار الحكيم الذي اعتبر أن مطالب المتظاهرين هي نفسها مطالبه الشخصية، ومحمد اليعقوبي الذي وصف التظاهرات بـ”انتفاضة الشباب”.

هذه الخطوات تزامنت مع تظاهر المحتجين أمام مقر السفارة الإيرانية في كربلاء، أضرموا النار أمامها وردّدوا “كربلاء حُرة.. إيران بره بره”.

محللون آخرون يرون أن هذه الخطوة الاستباقية من رجال الدين الشيعة تسعى لـ”تنظيف صورتهم” أمام المتظاهرين.

فالأوضاع الصعبة التي يعيشها العراق تسبّب فيها السياسيون الذين دعمهم “ملالي الشيعة” طيلة الـ20 عامًا الماضية.

لذا قد تكون هذه الخطوة قفزًا مبكرًا من السفينة، قبل أن يقع رجال الدين في مرمى النيران بدورهم، فوفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة جالوب 2021م، فإن 38% فقط من العراقيين يثقون في المؤسسة الدينية.

الخلاف بين مرجعية قم الإيرانية و النجف العراقية وتأثيره على ميليشيات العراق | عبدالله عيسى الشريف


لماذا تخلّى ملالي العراق عن إيران؟

يرى السيستاني أن دور المرجعية الدينية يجب أن يكون استشاريًا للسياسيين، وليس مُقرِّرًا له كما يحدث في النموذج الإيراني.

وهو ما دفع الكادرينال الإسباني ميغيل أنخيل، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان لاعتبار أن مدرسة النجف الفقهية “أكثر علمانية” من مدرسة قم.

وبالطبع، فإن هذا ليس السبب الوحيد لحالة الشقاق التي تبدّت بين السيستاني وخامنئي، فالعلاقة بين الرجلين متوترة لفترة ليست بالقصيرة، بسبب المحاولات الإيرانية المستمرة لتقزيم تأثير “حوزة النجف الأشرف” لصالح “حوزة قم”، وممارسة ضغوطٍ على ملالي العراق لإعلان ولاية المرشد الإيراني عليهم، وهو ما رفضه السيستاني باستماتة.

في 2017م، رفض السيستاني استقبال محمود الشاهرودي ئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، خلال زيارته للعراق.

هذا التنافر الديني بين إيران والعراق تجلّى في الاشتباكات التي جرت مؤخرًا بين لواء “فاطميون” التابع للحرس الثوري الإيراني، وبين فرقة “العباس” التابعة للسيستاني.

ملالي العراق

كما هاجمت صحيفة “كيهان” الإيرانية، التي يديرها مكتب المرشد الإيراني، سياسات السيستاني واصفة إياه بأنه يعاني من “إفلاس سياسي”.

تسريبات إيران (١)| بالوثائق والأسماء – كيف جندت إيران الطبقة السياسية العراقية | س/ج في دقائق


ماذا سينتج عن “تحالف” ملالي العراق والمتظاهرون المدنيين؟

لعبت المراجع الدينية الشيعية دورًا بارزًا في دعم الأحزاب الشيعية التي حكمت العراق طوال الـ20 عامًا الماضية، وفشلت تمامًا في تحقيق مطالب الشارع العراقي.

ويُعتبر انصرافها عن دعم الأحزاب السياسية الشيعية، وتحالفها مع القوى المدنية مؤشر تغيير خطيرًا في العملية السياسية العراقية.

فالانتخابات المرتقبة في أكتوبر المقبل، من المتوقع ألا تُحقق التغيير الذي ينشده المتظاهرون، وفي الأغلب فإن الحكومة القادمة ستكون “هشة” ولن تصمد وقتًا طويلاً.

ما سيؤدي بالضرورة إلى استمرار حمّى التظاهر في الشارع العراقي، واستمرار إلقاء سهام الغضب على السفارة الإيرانية.

ما سيُعطي المزيد من الأريحية لرجال الدين للتخلص من الضغوط الإيرانية لتحجيمهم.

نجحت التظاهرات في تحقيق بعض مطالبها، كالإطاحة برئيس الوزراء من منصبه، لكن هل تنجح في مسعاها الأهم؛ وهو إنهاء وجود إيران بالعراق؟


هل هناك مصادر أخرى لزيادة المعرفة؟

اللعبة الطويلة في العراق: رجال دين شيعة تجمعهم بالنشطاء قضية مشتركة ضد الدولة (دراسة)

خامنئي يعلق على المظاهرات في العراق! (وكالة آر تي الروسية)

إيران تعلّق تصدير الكهرباء إلى العراق (العربية)

إيران في العراق: ما مدى النفوذ؟ (مجموعة الأزمات)

ما عمق الشعور المعادي لإيران في العراق؟ (مركز كارنيجي للشرق الأوسط)

تحديات تواجه محاولة إيران اختيار خليفة السيستاني وزيادة نفوذها (اندبندنت عربية)

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك