اسمع البودكاست عن تطورات ليبيا بينما يحاول فتحي باشاغا دخول طرابلس، ثم واصل القراءة:
لعبة “كش ملك” تتواصل في ليبيا. عشرات القتلى والمصابين في اشتباكات عنيفة في العاصمة طرابلس.
الطرفين في الاشتباك كعادة الأوضاع في ليبيا يملكان نوعًا من “شرعية”، ويفترض أنهما يتقاتلان لـ “إعلاء دولة القانون”.
من يحارب مين؟ ولماذا اندلعت الاشتباكات أصلًا؟
س/ج ف دقائق
ماذا يحدث في ليبيا بالضبط؟
اندلع قتال عنيف مستمر في العاصمة طرابلس أسقط عشرات الضحايا، ودمر عشرات المباني.
الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس قالت إن الاشتباكات اندلعت عندما فتحت ميليشيا النار بشكل عشوائي في نقطة قريبة من قلب العاصمة، كانت تسعى لفتح بوابات طرابلس لدخول ميليشيات قادمة من مناطق أخرى لاقتحام العاصمة، في محاولة لطرد حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة، وتسليم السلطة للحكومة التي عينها مجلس النواب، والتي يرأسها وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، وتمارس مهامها من سرت حاليًا.
هذا هو الطبيعي في ليبيا تقريبًا منذ 2011. أحيانًا كانت تحكم البلد 3 حكومات، كما كان الوضع عليه قبل تشكيل حكومة دبيبة.
ما الذي أوصل الأمور للمشهد الحالي؟
كان يفترض أن تتولى حكومة دبيبة مسؤولية محددة: إدارة البلد مؤقتًا لحين تنظيم انتخابات، وتسليم السلطة لحكومة منتخبة.
لكن الانتخابات تأجلت كما كان متوقعًا. وهنا ظهرت الأزمة المؤجلة:
كان منطقيًا أن تفشل الحكومة في تحمل في بلد مفكك ومدمر تديره عده رؤوس كما هو الوضع في ليبيا. لذلك، كان مجلس النواب يملك المسببات السياسية والاقتصادية لتنحية دبيبة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا.
لقى الاختيار دعم الجيش الوطني الليبي، بما يعني أن الحكومة الجديدة باتت تسيطر على مناطق واسعة يسيطر عليها فتحي باشاغا عبر الميليشيات المتحالفة معه، وكذلك شرق ليبيا الذي يسطير عليه الجيش الوطني ومجلس النواب، ليبقى دخول طرابلس وطرد الحكومة القديمة التي يراها مجلس النواب غير شرعية.
لكن الحكومة القديمة رفضت تسليم السلطة باعتبار إنها مدعومة من الأمم المتحدة، ولن تسلم السلطة إلا بانتخابات ترعاها الأمم المتحدة.
لكن الاشتباكات بدأت داخل طرابلس ولم تكن محاولة اقتحام؟
الموضوع يبدو غريبًا إن لم تكن متابعًا للوضع في ليبيا.
لكن القتال الأخير بدأ في نقطة قريبة جدًا من قلب العاصمة من خلال فصيل انقلب على ما يبدو على حكومة دبيبة واعترف بشرعية حكومة باشاغا. أو بشكل أدق، لم يعترف الفصيل من البداية بشرعية حكومة دبيبة، لكنه انتظر الفرصة المناسبة.
وهنا كانت الخطة على ما يبدو هي بدء المعركة من داخل العاصمة، لحين وصول الميليشيات الموالية لرئيس الوزراء باشاغا من مصراتة الساحلية.
فتحي باشاغا عبارة عن ثابت واحد ومجموعة كبيرة من المتناقضات في شخصيته، وسلوكه السياسي والعسكري، وحتى في تحالفاته وعداواته.
هو طيار عسكري متعاقد. دخل السلك العسكري مع وصول القذافي للسلطة، وخرج منه فيما بين الاستقالة والإقالة، بقرار من القذافي الذي لم يكن راضيًا عن أداء الجيش الليبي في أوائل التسعينيات، فأجرى تغييرات كبيرة شملت باشاغا.
لكنه في نفس الوقت سمح له بالعمل في الاستيراد والتصدير، بدرجة وصفه في بعض التقارير بأول رجل أعمال في نظام القذافي.
بعد 2011، اختير كعضو في المجلس العسكري في مصراتة، ووصف باعتباره رجل الإخوان في حكومات طرابلس، وتحدثت تقارير كتير عن الروابط القوية التي جمعته مع تركيا، بما منحه نفوذًا حكوميًا أقوى من رئيس الوزراء السابق فايز السراج نفسه.
ضمن هذا البند، قاد عملية فجر ليبيا بين 2013 و2020 في محاولة لمنع الجيش الوطني الليبي من توحيد السيطرة على البلد. وكانت الميليشيات التابعة ليه دائما ما تتصدي لأي محاولة لحسم الموقف عسكريًا.
فتحي باشاغا كان نفس الشخص الذي أدار المفاوضات التي جلبت الدرونز المستخدمة لمنع الجيش الوطني من اقتحام طرابلس في المرات السابقة مثلًا، والتي كانت قريبة جدًا من الحسم لولا تدخله، وهو الذي يلعب الدور العسكي الآن؛ بعدما ترشح ضد دبيبة وخسر في ديسمبر 2021، فعينه مجلس النواب رئيسًا للحكومة في فبراير 2022، ويرى الآن باعتباره المفضل للتحالف المعاكس لدور تركيا في ليبيا، ويحظى بدعم الجيش الوطني الليبي ضد حكومة طرابلس.
في هذا الوضع.. هل هناك أي فرصة لتسوية نهائية في ليبيا؟
1- بصيغة دبيبة: الحل السياسي بإجراء الانتخابات هيفضل صعب؛ لأن نفس الأسباب التي عطلت الانتخابات ستستمر لفترات طويلة.
2- بالتدخلات الخارجية كذلك صعب؛ لأن هذا يفترض أن كل الأطراف المؤثرة في الملف الليبي باختلاف أولوياتها ومشاريعها، ستكون قادرة على التوصل لتسوية قادرة على الصمود لسنوات، لحين استقرار الدولة الليبية وتوحيد المؤسسات، وأولها العسكرية وقوات حفظ النظام، ونزع سلاح الميليشيات، وطرد المرتزقة والقوات الأجنبية، والوصول لأي تسوية مشابهة كانت معقدة جدًا وفشلت في الصمود لأشهر في أفضل الحالات في كل التجارب السابقة.
3- بإضعاف دبيبة صعب أيضًا؛ لأنه يسيطر على البنك المركزي ويضمن ولاؤه تمامًا. بالتالي، سيبقى التمويل تحت سيطرته، لتكون فرصة إضعافه من هذه الثغرة مستحيلة تقريبًا.
بناء عليه، يبدو أن الحل الوحيد هو نجاح خطة فتخحي باشاغا في استغلال الثغرات بين ميليشيات طرابلس نفسها لفتح طريق الاقتحام.
وهل بإمكان باشاغا تطبيق السيناريو؟
رغم كل التناقضات السابقة، يوصف فتحي باشاغا بـ “الراجل الذي بنى حياته المهنية على التسويات”.
التسويات التي أدارها سابقًا وصلت لدرجة محاولة خلق أرضية مشتركة مع دبيبة شخصيًا بمفاوضات سرية لم تكتمل. وقبلها مفاوضات سرية مع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر ومع رئيس البرلمان عقيلة صالح، اللذين كانا ألد أعدائه، ونجحت بدرجة التحالف القائم حاليًا.
يقول المحللون إن باشاغا سيحاول استغلال كل توازنات الماضي، خبرته العسكرية، وعلاقاته كرجل أعمال، ودوره السابق في التنسيق بين المجلس الوطني والناتو، ونفوذه الذي لا ينافسه فيه حد في مصراتة، وحتى علاقاته الواسعة مع الإسلاميين في تحالف فجر ليبيا، لتحقيق هدفه الأصلي: جمع ليبيا بالكامل تحت يديه.