وسط الشرق الأوسط المضطرب، ومع الأولويات المتنافسة المتصاعدة للمجتمع الدولي.. لبنان ينهار. يتحول إلى نموذج للدولة الفاشلة.
من يهتم لذلك؟ بلد صغير يطل على شرق المتوسط لم يستقر أبدًا تقريبًا. والمنطقة تخوض قضايا إقليمية أوسع. بالتالي، من الأسهل ترك لبنان ينهار في صمت!
لكن ناشونال إنترست تحذر من أن السماح بـ “غرق لبنان” لن يمر بهذه السهولة؛ بالنظر لاشتباك حالة لبنان المعقدة مع الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.. بما يعني أن “المأساة الواقعة” ستمتد إلى ما وراء حدود لبنان.
س/ج في دقائق
كيف وصلنا إلى حالة “لبنان ينهار”.. هل التحذير جدي؟
إجمالًا، يصنف البنك الدولي لبنان باعتباره دولة “نزاع – هشاشة – عنف”. لكن التقرير الأحدث كان أكثر قتامة، وكشف أن حالة لبنان أكثر كارثية مما توقع الجميع.
التقرير توقع أن تحتل أزمة لبنان الاقتصادية مرتبة ضمن الثلاث الأولى بين الأزمات المالية الأكثر حدة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.. والأخطر أنها دون أمل في حل قريب.
التقرير أشار إلى أن الناتج الإجمالي المحلي انخفض من 55 مليار دولار في 2018 إلى 33 مليارًا في 2020، مع تراجع نصيب الفرد بنسبة 40% في نفس الفترة، فيما وصفه بـ “انقباض قياسي وسريع لا يحدث إلا في أزمنة الحروب العنيفة”.
وفق تقرير “لبنان ينهار”، وصل أكثر من 50% من اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر الوطني:
1- ارتفعت البطالة بين فبراير وديسمبر 2020 من 28% إلى 40%.
2- تجاوز سعر الصرف الحقيقي “السوق السوداء” 17,000 ليرة/ دولار أمريكي.
3- أدى التضخم لزيادة مخزون العملة المتداولة بنسبة 197%.
4- 41% من الأسر لا تتمكن من شراء احتياجاتها الأساسية وبينها الغذاء.
5- 36% من الأسر لا تتمكن من الحصول على الرعاية الصحية الضرورية.
6- نقص العملة الأجنبية يهدد بفسخ عقود شركات الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية، ما يعني قطعها بالتبعية.
لماذا وصل لبنان إلى هذا الوضع الكارثي؟
تقرير مرصد اقتصاد لبنان لخريف 2020 يقول إن لبنان ينهار بسبب ما يصفه بـ “الكساد المتعمد”.
يضيف التقرير أن الاقتصاد اللبناني عانى أزمات ضخمة على مدى أكثر من عام:
1- أكبر أزمة مالية واقتصادية في زمن السلم.
2- جائحة كورونا.
3- انفجار مرفأ بيروت.
يتهم التقرير السلطات باتباع سياسات غير ملائمة “عمدًا” في الاستجابة لهذه الكوارث، ليس نقصًا في المعلومات أو بسبب توجيهات خاطئة، بل نتيجة توليفة عوامل بينها:
1- غياب الإجماع السياسي بشأن مبادرات سياسية فعالية.
2- الإجماع السياسي في الدفاع عن نظام اقتصادي “مفلس” لأنه أفاد “البعض” لفترات طويلة جدًا.
3- افتقار لبنان إلى سلطة تنفيذية بعدما امتدت محاولة تشكيل حكومة ثالثة لأكثر من عام.
لبنان ذو تاريخ حافل بالنزاعات والحروب الأهلية المهددة لسلمه الاجتماعي الهش أصًلا، والتي يعيدها تقرير تشخيص المخاطر الواقعية الصادر عن البنك الدولي 2016 إلى:
1- الحكم الطائفي لغير المؤهلين المعتمدين فقط على المحاصصة الطائفية للبقاء في مواقعهم.
2- النزاعات والعنف الناتجين جزئيًا عن الصراعات الأوسع في الشرق الأوسط.
هذه المرة، يشهد لبنان احتجاجات شعبية متواصلة منذ شهور. صحيح أنها أقل حجمًا، لكنها تسمح بما يصفه التقرير بـ “قطع سبل العيش – رفع معدل الجريمة”.
في حالة مماثلة، ومع التفكك الوطني الأصلي، يصبح احتمال اندساس مجموعات سيئة النوايا خطرًا حقيقًا قد يؤدي إلى اضطرابات أوسع، ستعني أن لبنان ينهار فعليًا، مع ما يعنيه من صراعات لاحقة.
وفق تصور ناشونال إنترست، فإن حكومة لبنان تقدم الحد الأدنى من الخدمات لمواطنيها فضلًا عن اللاجئين. لكن 1.5 مليون سوري يعيش 90% منهم في فقر مدقع قدموا “كبش فداء” ضمن تشديد خطوط الانقسام الطائفي والسياسي.
مع ذلك، يرى الموقع أن أزمة الليرة مدفوعة بأزمة العملة في سوريا والعكس؛ بالنظر للترابط التاريخي بينهما، حيث يؤدي عدم الاستقرار في إحداهما إلى تصدير الحالة إلى الجارة.
الآن، تركز جهود استعادة العلاقات بين الخليج وسوريا جزئيًا على خطط إعادة الإعمار، ومن المحتمل أن توجه كذلك لمواجهة نفوذ إيران في سوريا ولبنان.
يقول ناشونال إنترست إن صناديق الثروة السيادية الخليجية ستعلب دورًا للتأثير على سوريا، والتي يمكن أن تصل بشكل غير مباشر إلى لبنان.
بالمقابل، ستواصل إيران دعم حزب الله عسكريًا لا دعم لبنان اقتصاديًا، أملًا في الحفاظ على ممر نفوذ إلى البحر المتوسط.
كما الحال في سوريا، ستجد تيارات لبنان المدعومة من الخارج نفسها على طرفي نقيض في نزاع سينتقل بالتأكيد إلى دول الجوار.
إن تحقق سيناريو “لبنان ينهار” وتفككت الدولة، تتوقع ناشونال إنترست انهيار التحالفات المحلية داخل لبنان نفسه، ليرتد السياسيون إلى النهج القديم المتبع خلال الحرب الأهلية “الجميع ضد الجميع”.
مثل هذه الحالة لن تبقى داخل حدود لبنان.. ستصدر إلى المنطقة. بخلاف النزوح الجماعي لملايين الأشخاص الذي سيترك تداعيات كبيرة على عالم رفض بالفعل تدفقات النازحين السوريين على مدى السنوات العشر الماضية.
بعبارات بسيطة، لا يمكن للمنطقة والعالم تحمل صدمة انهيار الدولة في كل من سوريا ولبنان، ولا التأثير اللاحق على الجهود المبذولة لتحقيق استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط.
تقول ناشونال إنترست إن “القليل من الحلول المؤقتة قصيرة المدى” متاحة قبل أن نرى لبنان ينهار.
1- تدخل دول مثل فرنسا لإحداث تغيير هيكلي من خلال الوسائل القسرية.
2- توسيع المساعدة المباشرة على شكل خدمات طبية وغذاء للمواطنين اللبنانيين “دون المرور بالدولة” بالتوازي مع الجهود القسرية، في ما تراه “تعطيلًا لشبكات المحسوبية” قد يساعد في حل الأزمة الأكبر.