جمال عبد الناصر و5 دروس من نكسة يونيو لم نتعلمها حتى اليوم | حاتم منصور

جمال عبد الناصر و5 دروس من نكسة يونيو لم نتعلمها حتى اليوم | حاتم منصور

5 Jun 2021
حاتم منصور
إسرائيل الشرق الأوسط مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يصعب أن تجد حدثًا واحدًا في تاريخ مصر الحديث – وربما في المنطقة العربية ككل – يعادل في تأثيره نكسة يونيو 1967 أمام اسرائيل، بكل ما نتج عن ذلك من أضرار وشروخ لا تزال أصداؤها مستمرة حتى اليوم.

ويظل المؤسف أكثر من هذه الهزيمة النكراء، أننا لم نتعلم منها شيئا يُذكر. دفعنا فقط فاتورة الدرس دون أن نهتم بتحصيل الدرس نفسه. بل وتفنن البعض لعقود وعقود في تزييف واستخلاص دروس معاكسة.

فاتن حمامة قرأت بالضبط ما ستعيشه مصر بعد نكسة ١٩٦٧ وأوجزته بتعبير مؤلم | الحكاية في دقائق

5 دروس تحديدا يجب استخلاصها من هزيمة 1967 ولازلنا نتجاهلها:

1- عداء الغرب كمنهج حياة ثابت خطأ

يسهل فهم أسباب هذا العداء في الخمسينيات، عندما كانت مصر وأغلب الدول العربية لا تزال في طور التحرر من الاحتلال الأجنبي. لكن الاستمرار على هذا النهج في العقد التالي رغم تغير السياسات الأوروبية مع دول المنطقة، والاصرار على التحالف مع معسكر الخصوم (الاتحاد السوفيتي) كانا ضمن أسباب الهزيمة.

هذا العداء المستمر للغرب، هو السبب أيضا أننا لازلنا حتى اليوم أكثر مجتمعات مهووسة بنظريات المؤامرة، وأكثر مجتمعات ترفض أى تطور فكري أو اجتماعي، جعل الغرب على ما هو عليه الآن.

ثورة التصحيح (1) | وثائق المخابرات الأجنبية: هل حكم السوفييت مصر بـ”سامي شرف”؟ | مينا منير

تكرر صفحات السوشيال ميديا العربية دوما مقولة ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا: في السياسة لا يوجد عدو دائم، ولا صديق دائم، ولكن توجد مصالح دائمة.

لكنها مقولة لم نتعامل معها أبدا بمعنى (إنهاء العداء)، بقدر ما تعاملنا بها بمنطق (إدارة العداء). في المقابل نظرة بسيطة للعالم حولنا تخبرنا بعشرات الحالات المعاكسة عمليا.

الولايات المتحدة الأمريكية التي هزمت ألمانيا واليابان وباقي دول المحور، في الحرب العالمية الثانية، أصبحت لاحقا أهم حليف لهم، والمحرك والسوق الاستهلاكي الأكبر لنهضتهم الاقتصادية.

الخطابة هي التضليل .. كيف انطلقت النهضة اليابانية بالقضاء على حماة القيم القديمة

ودول أوروبا التي شهدت صراعات دموية بين بعضها، وضحايا بالملايين في نفس الحرب، اندمجت لاحقا تحت منظومة إدارية واقتصادية موحدة اسمها الاتحاد الأوروبي.

في المقابل لازلنا نحيا بمنطق الكراهية وبنظرية (نحن – هم). ولازال العادي أن ندعو على الغرب بالخراب والهلاك كل جمعة، ثم نتهم من يتحدث عن هذا العداء في الإعلام الغربي، باعتباره عنصريا وغدا مصابا بالإسلاموفوبيا!

هل أعلنت أوروبا الحرب على ثقافة المستضعف/المتسلط؟ ماذا يفعل المسلم العادي؟ | خالد البري


2- الشعارات والخطب ليست معيار للكفاءة

لسنوات وسنوات ظل عبد الناصر يردد في خطب شبه يومية، شعاراته ووعوده عن النصر القادم المؤكد، الذي سينهي اسرائيل. ولم تكن نكسة يونيو في الحقيقة الا حرب أشعل هو فتيلها بنفسه في الأسابيع السابقة، بتصعيدات وقرارات أخذها بثقة كان أهمها اغلاق الملاحة البحرية أمام اسرائيل.

هذا الداء انتقل للمجتمع المصري نفسه، ولمجتمعات أخرى تأثرت بعبد الناصر، وعلى رأسها المجتمع السوري. وخلال الأعوام السابقة على النكسة، انتفخت الذات القومية والعروبية، وانتشر جنون العظمة الجماعي.

نعرف اليوم نتيجة الحرب النهائية، لكننا لازلنا نحيا بنفس نهج ناصر. جولة سريعة لمراجعة ردود الأفعال الحنجورية الثابتة والآراء المتجمدة حتى اليوم، بخصوص اتفاقيات السلام وجولات الصراع مع إسرائيل، تثبت هذا.

بعيدًا عن الحوارات العبثية.. 7 أسئلة لرافضي سلام الإمارات وإسرائيل | محمد زكي الشيمي


3- تأليه الزعماء كارثة

تأليه عبد الناصر وسط الشعب المصري وغيره من الشعوب العربية، وتصنيفه كالداهية المحنك القادر على انهاء إسرائيل، كانا سببا في وصولنا للنكسة. وما حدث بعد ذلك لا يقل غرابة.

في مجتمعات تخضع للمنطق بدلا من العواطف، ستصبح هزيمة 1967 سببا كافيا لاستبعاد عبد الناصر من الحكم فورا، مع مطالب شعبية موسعة بمحاكمته.

لكن في مجتمعاتنا العاطفية، لم تكن هذه الهزيمة كافية لاستبعاده، أو حتى لاعادة تقييم كفاءته بمنطلق عقلاني. ولازلنا نحيا حتى اليوم وسط ملايين تعتبر الراحل أفضل وأذكى وأنبغ الزعماء والقادة العرب.

يمكنك طبعا أن تمد الخط لغيره. لاحظ مثلا الى أى مدى يحظى صدام حسين، بتأييد واحترام الملايين في المنطقة حتى اليوم، وهو الرجل الذي ورط بلده (العراق)، في حروب خاسرة استنزفت كل خيراتها، وأضرت بكل جيرانه.

ويمكنك أيضا أن تمد الخط في الاتجاه المعاكس، وستلاحظ أن الرئيس المصري السادات وهو صاحب انتصار أكتوبر الذي أعاد سيناء، وصاحب مبادرة السلام أيضا، لا يزال موضع تخوين واتهامات بالعمالة. وهو نفس ما تعرض له مبارك بعده.

معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل | ماذا واجه السادات؟ وماذا جنت القاهرة؟ | س/ج في دقائق

صدام حسين


4- إعلام يحترم الفشل ومناهج تعليم تبرره

ساهم الإعلام المصري في تغييب الوعى العام، وتلميع عبد الناصر ونظامه في سنوات ما قبل النكسة. وخلق حالة الثقة الكاذبة، التي تحطمت مع إعلان النتيجة الحقيقية للحرب، بعد أيام من البيانات الزائفة، التي أكدت أن الجيش المصري على وشك احتلال تل أبيب.

ولأن الداء متأصل، استمر التزييف الإعلامي بعد ذلك لعقود وعقود، ومعه مناهج التلقين في المدارس، وأصبح الوصف الرسمي المعتمد دراسيا للهزيمة هو “العدوان الإسرائيلي الغادر”.

الاختيار بين مصر الوطن ومصر الولاية .. الدراما المصرية و الإرشاد | محمد زكي الشيمي

هذا نفس الاعلام الذي ظل ينشر قبل النكسة ولأسابيع في الجرائد القومية، عناوين مباشرة من نوعية (الحرب على الأبواب – متى نوجه الضربة الأولى – عبد الناصر يجتمع بقادة الجيش.. الخ).

 بتاريخ 3 يونيو – قبل النكسة بيومين فقط

مهدنا للحرب وأشعل فتيلها قادتنا بأنفسهم، ثم حرصنا على تلقين الأجيال التالية، أكذوبة أننا تعرضنا للغدر! ولازلنا حتى اليوم نلقن أولادنا نفس الأوهام والأساطير، لكى يصبحوا نسخة أخرى من الأجيال التي عاصرت النكسة، ولم تتعلم شيئا منها.

باختصار: لازلنا حريصين على قتل أى بذرة للعقل النقدي في الأجيال القادمة.

نبيل فاروق | لغز كوكتيل نتجاهل أهميته حتى اليوم | حاتم منصور

حالة تزييف الوعى الممنهجة بخصوص عبد الناصر، تمتد للاقتصاد أيضًا، مع أساطير يرددها أنصاره حتى اليوم عن قوة الاقتصاد المصري في عهده. والحقيقة أن الاقتصاد المصري وصل لأوضاع متأزمة بحلول أوائل الستينيات.

زكريا محيي الدين الذي تولى منصب رئاسة الوزراء عام 1965 وضع أمام عبد الناصر حينها تقريرًا أمينًا عن انهيار قطاعات اقتصادية بسبب التأميم، وأضرار المشروعات القومية غير المجدية، والدعم غير المبرر لشركات القطاع العام الخاسرة، وغيرها من الكوارث الذي بدأ بها ناصر عهده الاشتراكي، وتفاقمت نتائجها في الستينيات.

هل تصل مصر إلى الخطوة الأولى في الإصلاح الاقتصادي؟ الإجابة في فيديو جيم | خالد البري

23 مايو 1967 – قرار ناصر الذي جعل الحرب حتمية


5- التأثر بالغيبيات باب كل فشل

لعبت الدوافع الدينية دورا مهما، في تأسيس حالة العداء أولا، وخلق حالة النشوة والثقة المؤكدة بالنصر ثانيا. ومهما حاولنا نفى تأثير تقسيمة (مسلمون ضد يهود – خير ضد شر – ملائكة ضد شياطين) على منظور مجتمعاتنا للصراع العربي الإسرائيلي، تظل هذه التقسيمة هى العامل المهيمن السائد فكريا.

الوعى المتأثر بهذه الغيبيات والتقسيمات في قراراته، لا يجر المجتمعات فقط لعداوات وهزائم مثل 1967 بل يجرها أيضا لابتلاع أوهام أخرى في كافة المجالات.

لماذا يتخلص محمد بن سلمان من ميراث الصحوة الآن؟ وهل تأخرت مصر؟ | عبد السميع جميل

لاحظ مثلا كيف احتفظت النظريات الاشتراكية بشعبيتها في مصر وباقي الشعوب العربية، رغم أنها نظريات لم تحقق أى نجاح عمليا، لا في منطقتنا ولا في غيرها.

لكن الواقع العملي لا يهم. المهم أن الاشتراكية ناجحة في الكتب والمقالات والندوات. وأنها تمثل الخير المطلق، أمام شر مطلق اسمه الرأسمالية. المهم دائما وأبدا هو ما تخبرنا به الغيبيات، على اختلاف وتعدد أشكالها وأنواعها ومصادرها.

تقرير سري| كيف اعترف جمال عبد الناصر بفشل الاشتراكية في خطاب التنحي!! | مينا منير

لا عجب على ضوء كل ما سبق بخصوص الوعى العام، الذي استبعد كل هذه الدروس، أن مجتمعاتنا لا تزال عاجزة عن الانتقال لقطار النجاح. وأن الفاصل بينها وبين النكسات قد يكون ببساطة مجرد قرار جديد واحد، يصدر من قائد يملك نفس الوعى ويفكر بنفس الطريقة، ويعتبر ناصر القدوة وفخر العروبة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك