1- أم عربية تكتشف أن ابنتها المراهقة تستخدم وسيلة لمنع الحمل وأنها على علاقة جنسية مع صديقها، وعندما تذهب لزوجها للشكوى، يعاتبها هى كأم على تفتيشها لحقيبة الإبنة؟!
2- زوج يكتشف أن زوجته معتادة على ممارسة تشات جنسي مع رجل آخر، لكنه يشعر بالحرج عندما تثبت له الزوجة أن العلاقة في اطار التشات والعبث فقط، ولم تتطور للقاء فعلي؟!
مع هذه الأفكار الدرامية وغيرها في فيلم أصحاب ولا أعز الذي أنتجته منصة نتفلكس، يسهل اتهام الفيلم بمخالفة واقع مجتمعاتنا العربية، ضمن قائمة اتهامات أخرى يتعرض لها الفيلم حاليا على السوشيال ميديا.
من ناحية قد تكون تهمة لا معنى لها، اذا وضعنا في الاعتبار أن داخل المجتمعات العربية، قطاعات كاملة بعيدة سلوكيا عن السائد في الشرق الأوسط. وما دامت موجودة وأيا كانت نسبتها، فلا معنى لاقصائها من على الشاشات.
إعلان فيلم أصحاب ولا أعز
تذكر أن نسبة 1% مثلا، وهى نسبة قليلة للغاية، تعني أكثر من 4 مليون عربي؛ وهذا تعداد دول ومجتمعات كاملة.
ومن ناحية أخرى فلهذه التهمة وجاهتها، وتمثل أكبر عيوب الفيلم، لأنها تخلق حاجزاً بين المتلقي وبين تصديق هذه الشخصيات والأحداث، وهى مشكلة لم تتواجد غالبا لدى مشاهدي النسخ السابقة المتعددة من هذه القصة.
Marriage Story.. لماذا نحتاج قصص حب عن الطلاق؟! | ريفيو | حاتم منصور
هذا لأن أصحاب ولا أعز هو ببساطة النسخة رقم 17 من الفيلم الإيطالي غرباء بالكامل Perfetti sconosciuti. وهو رقم له دلالات مهمة.
كاتب هذه السطور لم يشاهد من هذه الأعمال سوى الأصل، لكن يسهل تخيل جهد مبذول في بعضها أو أغلبها، لمطابقة القصة والشخصيات مع المجتمع الذي تدور فيه الأحداث، وهو ما يغيب هنا.
لا يُقصد بهذا الانتقاد، حذف شخصيات وسلوكيات موجودة في كل المجتمعات، مثل الزوج الخائن، والزوجة الخائنة، ومثليي الجنس، وغيرهم من شخصيات القصة، التي لن تروق للمتفرج المحافظ، ولعشاق الهراء المسمى بالسينما النظيفة.
المقصود أن هذه الشخصيات طوال القصة منفصلة عن مجتمعاتها لدرجة تؤثر على مصداقيتها. اذا حذفت اللغة التي يتحدثون بها، وبعض الجمل القليلة هنا أو هناك عن لبنان ومصر، لن تجد في الباقي ما يخبرك أن ما تشاهده شخصيات عربية، تعيش في الشرق الأوسط.
غدر الحياة: هل أحسنت مريام فارس التعبير عن أزمة لبنان؟ أم كشفت أزمة في نتفليكس؟ | حاتم منصور
مثلا، الأب الإيطالي الذي لا يمانع وجود علاقة جنسية بين ابنته المراهقة وصديقها، على مسافة أقرب لمجتمعه الأوروبي، مقارنة بأب عربي بنفس الفكر.
الفيلم هنا يتعامل مع هذا الاختلاف كما لو كان غير موجود من الأصل، بدلاً من أن يختلق حلولاً درامية أكثر واقعية، بخصوص معضلة هذا الأب، وهو يعيش في مجتمع شرق أوسطي.
هذا الاستنساخ الكسول، يمتد أيضاً للطابع البصري رغم محاولات المخرج وسام سميرة في تجربته الاخراجية الأولى، تحريك الكاميرا بشكل أكبر في المشاهد الحوارية. وهى المحاولة التي لم تضف ديناميكية أو حيوية تذكر، وأضرت ربما بعض المشاهد.
اجمالاً يمكننا التماس أعذار لنقطة الاستنساخ البصري. بعد 16 معالجة سابقة ناجحة، يصعب الخروج عن خط التصنيع المحدد ومواصفاته.
رغم ما سبق، يعالج الممثلين مشكلة ضعف مصداقية الشخصيات نسبيا، وبالأخص في حالة منى زكي وإياد نصار ونادين لبكي.
نادين لبكي.. رحلة الصعود من مسابقات المواهب لجوائز الأوسكار | أمجد جمال | دقائق.نت
فلسفة القصة ككل، هى البشر في كل زمان ومكان، لأن العلاقات العاطفية والزوجية والجنسية عرفت منذ فجر التاريخ، الفتور والخيانة والشك والحيرة، وكل ما نراه عبر القصة.
وجاءت تكنولوجيا المحمول والاتصالات الحديثة، لتجعل ما سبق أكثر مرونة وسرية من ناحية، وأكثر هشاشة أيضا من ناحية احتمالات الفضائح.
اذا طالعت أى صحيفة يوميا، فستجد غالبا أكثر من خبر متعلق بخيانة زوجية تم اكتشافها عن طريق المحمول. أما السوشيال ميديا، فحدث ولا حرج. هذا بفرض أنك لم تعرف أو تسمع شخصياً، أى قصص من هذا النوع.
نتحدث اذا عن سلوكيات موجودة في مجتمعاتنا كأى مجتمع آخر، وفي كافة الشرائح الاجتماعية. وقد تكون في مجتمعاتنا بمعدلات أكبر، لأسباب يطول شرحها وليست محور المقال هنا على أى حال.
مالكوم وماري | كثير من الجنس في حكاية عن تعقيدات العلاقات الزوجية | أمجد جمال
لكن فيلم أصحاب ولا أعز رغم ذلك – ودون قصد – يربطها بشريحة محددة، ويطابق صورة ذهنية وهمية منتشرة لدى الغالبية، بخصوص غياب هذه المشاكل والسلوكيات في طبقات كاملة، وتوغلها في أخرى أكثر ثراء.
هذه ثغرة حطمت رسالة القصة الأصلية، كعمل يحترم شخصياته ويجعلنا نتعاطف معها ومع نقاط ضعفها وعيوبها، إلى عمل سيختلف تأثيره مع ذهنية المتفرج العربي.
رغم كل ما سبق من سلبيات، فمن الجيد أن نشاهد من وقت لآخر عملا يكسر الحواجز، ويصدم البعض، وان كنت شخصياً لا أفهم ما هو الصادم والغريب في القصة على أى حال، ليستحق الفيلم كل هذا الهجوم؟!
الخيانة الزوجية؟ العلاقات العاطفية والجنسية عن طريق السوشيال ميديا؟ تواجد فئة اسمها المثليين جنسيا لها تفضيلات مختلفة عن أغلبنا؟
Cuties | بيدوفيليا أم فن؟ | كيف دفع الفيلم الخطأ ثمن خطايا اليسار والصوابية السياسية؟ | حاتم منصور
هل نحتاج فعلاً إلى فيلم لمعرفة أن كل ما سبق موجود في مجتمعاتنا؟! أم أن المقصود بهذا الهجوم هو أن الفيلم الجيد، هو الذي ينتهي بعقاب للزوجة الخائنة، وبانتحار لمثلي الجنس، وبغيرها من ثوابت الدراما العربية، المصنوعة لتطابق الاعتقادات الدينية للغالبية؟!
الجديد الوحيد هنا تقريبا في فيلم نتفلكس، هو مساحة لغوية أكثر مرونة، سمحت باستخدام مصطلحات غير معتادة في أفلامنا من نوعية “خرا”، وبهامش نكات جنسية أكبر من المعتاد.
على ذكر نتفلكس، قد تكون هذه النقطة أهم ما يجب أن تقدمه المنصات لنا.
تملك نتفلكس بحكم كونها شركة أمريكية الأصل، وعالمية الإنتاج والنشاط اليوم، مساحة حرية غير متوفرة في منطقتنا العربية، بسبب كمية الضوابط والقوانين الرقابية، وقائمة الخطوط الحمراء الطويلة المهيمنة على الوعى العام في مجتمعاتنا.
بيدوفيليا وازدراء أديان | سبع أعمال أثارت غضب ملايين ضد نتفليكس | حاتم منصور
وما نحتاجه من نتفلكس ربما أكثر من أى شىء آخر، وتحتاجه هى أيضا لتصبح متفردة من حيث المحتوى، مقارنة بجهاتنا الإنتاجية وقنواتنا الفضائية، هو أن تهتم كمنصة باستغلال هذه المساحة، لتقدم للجمهور العربي ما لا يوجد لدى منافسيها.
صحيح أنها منصة تعاني في المقابل من ضوابط وحساسيات رقابية أخرى مثل الصوابية السياسية، ومن قائمة أجندات اجتماعية وسياسية ونسوية وعرقية لا تخفى على أحد. لكنها حتى مع هذه النقاط، قادرة على القاء حجر في البحيرة الراكدة، وعلى اقناع أصحاب العقليات المتحجرة، أن عصر السلطة الرقابية الشاملة قد انتهى.
فيلم أصحاب ولا أعز على كل عيوبه، خطوة مهمة في هذا الاتجاه، ما دامت جهاتنا الانتاجية والرقابية، لا تزال غارقة في مرحلة الوعظ والسينما النظيفة والحفاظ على أخلاقيات الأسرة، وغيرها من الشعارات الجوفاء.
والشىء المقلق فقط في نجاحه السريع ومعدل مشاهداته الحالي، هو أن تنتشر ظاهرة استنساخ الأعمال الأجنبية الناجحة، وأن يصبح لدينا خطوط انتاج كاملة غير مهتمة بتشجيع أى أفكار وسيناريوهات أصلية.